افتتاحية القدس العربي-
وسط صمت مطبق من أجهزة «عيال زايد»، تباهى يسرائيل كاتس، وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي، بالصور التي التقطها لنفسه في أرجاء مسجد الشيخ زايد في قلب العاصمة الإماراتية أبو ظبي، متقصدًا في تغريداته على «تويتر» إظهار ابتسامة عريضة طفحت على وجهه، وجمعت بين الشماتة بما تبقى من عرب رافضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والزهو بالاختراقات الإسرائيلية المتعاقبة هنا تحديدًا، بعد مسقط والبحرين.
الوزير الإسرائيلي يزور الإمارات للمشاركة في مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة حول البيئة، وهذا ما يمكن أن تتذرع به أجهزة أبو ظبي لو كسرت صمتها ونطقت، ولكن لماذا يتوجب أن يتجول في مسجد يحدث أيضًا أنه يواري رفات مؤسس الدولة الشيخ زايد؟ وكيف استهترت سلطات الإمارات بحقيقة أن هذه الزيارة تشكل إهانة إضافية للعرب والمسلمين، وليس للإماراتيين وحدهم، لأنها تتمّ في التوقيت ذاته الذي شهد إقدام سلطات الاحتلال على تدشين نفق استيطاني في القدس المحتلة؟
من جانبها، لم تتحرج وزارة الخارجية الإسرائيلية في إشهار خبر الزيارة على رؤوس الأشهاد، وقال بيانها الرسمي إن كاتس اجتمع مع مسؤول إماراتي كبير، وبحث معه تعزيز العلاقات الاقتصادية، وصرح بأنه «متحمس للوقوف هنا في أبو ظبي لتمثيل مصالح إسرائيل في دول الخليج العربي»، وسوف يستمر «بالعمل مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتعزيز سياسة التطبيع مع الدول العربية». وإذا كان كاتس قد أوضح أنه ناقش مع المسؤول الإماراتي تطوير الروابط مع أبو ظبي في ميادين التكنولوجيا والطاقة والزراعة وإدارة المياه، فإنه في الآن ذاته يخفي أنّ الملفات الأهمّ دارت حول التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وذلك «بناء على قدرات إسرائيل الأمنية والاستخباراتية»، كما قال.
وبالفعل، لقد أثبتت سلسلة الوقائع التي تكشفت مؤخرًا حول العلاقات الإسرائيلية ـ الإماراتية أنّ هذين الجانبين، الأمن والاستخبارات، هما في صلب تعاون وثيق قاد إلى عقود بمئات الملايين لتصدير معدات التجسس الإسرائيلية إلى أبو ظبي، وزرع برنامج «بيغاسوس» في هواتف عشرات المعارضين والناشطين والصحافيين، بما في ذلك هيئات حقوقية عالمية مثل منظمة العفو الدولية، ثمّ اختراق صناديق البريد الإلكتروني واقتحام المواقع والحسابات المختلفة. وكانت مجلة «نيويوركر» الأمريكية قد نشرت تقريرًا مسهبًا يردّ تاريخ هذه العلاقات إلى أكثر من عشرين سنة خلت، ويبيّن أن التعاون بدأ سريًا بواسطة الزيارات المتبادلة لرجال الأمن والعسكريين بصفة خاصة، ثمّ تطور كثيرًا بعد تمكن الموساد من اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح في دبي مطلع عام 2010.
لكن التعاون انتقل إلى العلن الآن، وزيارة كاتس هي الثالثة لمسؤول إسرائيلي رفيع منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، وباتت وزارة الخارجية تتباهى بهذا على غرار وزيرها؛ إذ أعلنت مؤخرًا أن مدير الموساد يوسي كوهين على تواصل وثيق مع عدد من كبار المسؤولين الإماراتيين لتأمين مشاركة دولة الاحتلال في معرض «دبي إكسبو 2020»، وأن المفاوضات تحقق تقدمًا ملموسًا جعلت نتنياهو نفسه ينضم إلى جوقة المباهاة، فيكتب على «تويتر» أن المشاركة «تعبير آخر عن موقع إسرائيل الصاعد في العالم والمنطقة».
ومن الطبيعي أن ضحكات كاتس في مسجد الشيخ زايد تردد أصداء المعاول التي تحفر في القدس المحتلة.