كريستين سميث ديوان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
استضافت البحرين ورشة عمل "الازدهار من أجل السلام"، يومي 25 و26 يونيو/حزيران، حيث تم إطلاق العنصر الاقتصادي من مبادرة "السلام في الشرق الأوسط" بقيادة "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
وكان هناك الكثير من الشكوك حول الهدف المعلن للورشة وهو تحقيق الرفاهية الاقتصادية للفلسطينيين. وقاطعت السلطة الوطنية الفلسطينية الورشة، وأعلنت عن الكثير من الانتقادات. وقاد الفلسطينيون تقريبا زمام المبادرة في نبذ المؤتمر. ولم يكن هناك دليل يذكر على أي ارتباط جاد للورشة بمجتمع التنمية الفلسطيني والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، التي تضرر الكثير منها من خلال تدابير عقابية من إدارة "ترامب".
وبعد اختتام المؤتمر، قال الممثل الخاص للرئيس الأمريكي للمفاوضات الدولية "غيسون غرينبلات" إنه بدون دعم الجانب السياسي من الصفقة فإن الشق الاقتصادي من المؤتمر يبقى بلا جدوى.
ودفع هذا التعليق العديد من المحللين إلى استنتاج أن ورشة العمل لم تكن فعلا حول ازدهار الاقتصاد الفلسطيني بقدر ما كانت حول جذب الدول العربية، وخاصة دول الخليج، إلى عملية السلام، ما يعني تطبيعا أعمق مع (إسرائيل).
ويُنظر إلى احتلال الأراضي الفلسطينية منذ فترة طويلة على أنه عائق أمام قبول (إسرائيل) في المنطقة. لكن يوجد اليوم توافق متزايد في المصالح بين (إسرائيل) ودول الخليج العربية الرئيسية، بسبب الخوف المشترك من التوسع الإيراني، والرغبة الجماعية في التعاون الأمني.
وزادت الورشة من الحديث عن تعزيز عملية التطبيع من خلال اتباع استراتيجية "خارجية" موحدة، حيث يتم تحسين علاقات (إسرائيل) مع الدول العربية كوسيلة للضغط على الفلسطينيين للتوصل إلى تسوية، أو ببساطة أن يكون تطبيع العلاقات غاية في حد ذاته.
ومن حيث التطبيع السياسي الرسمي، فشلت "ورشة العمل" البحرينية. ولم تتم دعوة أي مسؤول إسرائيلي إلى المؤتمر، من أجل إبقاء الحدث بطابع "غير سياسي"، وكان من المفترض أن يخفف ذلك من عدم ارتياح الشركاء الخليجيين والعرب حول عدم حضور نظرائهم الفلسطينيين الرسميين.
ومع ذلك، يمكن اعتبار "الورشة" علامة أخرى على التحسن المطرد في التواصل الخليجي مع المحاورين الاجتماعيين والسياسيين الإسرائيليين، في الوقت الذي شهد فيه العالم خطوات مثيرة للجدل اتخذتها إدارة "ترامب" ألهبت الرأي العام العربي والإسلامي، وجعلت التقارب مع (إسرائيل) حتى أكثر صعوبة.
إدارة "ترامب" تعقد سرعة التطبيع
ويعكس اختيار مضيف "ورشة الازدهار لأجل السلام"، وهي البحرين، الحسابات السياسية الجديدة في الخليج فيما يتعلق بـ (إسرائيل). ورفعت قيادة البحرين الحظر المفروض على السفر من وإلى (إسرائيل)، وشجعت القيام بزيارات إلى هناك، مثل الزيارة التي قام بها وفد بحريني لتعزيز التسامح الديني والتعايش السلمي.
ويتبع هذا نموذجا رائدا في دولة الإمارات العربية المتحدة للتواصل بين الشعوب، كوسيلة لمواجهة الإسلام السياسي، مع إقامة روابط مع شخصيات دينية مرتبطة بالسياسة.
وتحدث نجل الملك البحريني، الأمير "ناصر بن حمد آل خليفة"، في حفلٍ في عام 2018، في متحف التسامح في لوس أنجلوس، الذي أنشأه الحاخام "مارفن هيير" وهو من سبق له أن قدم كلمة في حفل تنصيب "ترامب" وزار البحرين لاحقا بدعوة من الملك "حمد بن عيسى آل خليفة". وسهلت هذه الاستراتيجية تحسين مكانة البحرين في واشنطن، منذ الحملة السياسية على المتظاهرين عام 2011، بينما عززت التحالف المناهض لإيران.
وفي مقابلة بعد ورشة العمل مع "القناة 13" الإسرائيلية وهي الأولى من نوعها لمسؤول بحريني صرح وزير الخارجية البحريني "خالد بن أحمد آل خليفة" بوضوح أن (إسرائيل) جزء من تراث المنطقة. وكانت المقابلة مثالية أيضا لعدم وجود أي نقد للسياسات الإسرائيلية، سواء بذكر احتلال الأراضي الفلسطينية أو التدخل عسكريا في سوريا.
وبدلا من ذلك، ألقى وزير الخارجية باللوم على إيران، قائلا: "لو تم ترك الأمر للعرب والإسرائيليين، لكنا أقرب إلى السلام من اليوم. لكن إيران تزيد من حدة المشكلة بالمال والسلاح والميليشيات".
وكان هذا التحول في النبرة، المطمئن لـ (إسرائيل)، مع إعادة تأكيد العداء المتبادل تجاه إيران، واضحا أيضا في مقابلة أجراها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" مع "ذا أتلانتيك" عام 2018، عندما كان أول زعيم سعودي يقر بأن للإسرائيليين "الحق في امتلاك أرض خاصة بهم". ولقد تم اختيار ذلك التصريح في صدر افتتاحيات وسائل الإعلام السعودية، في تعبير عن تخل سعودي متزايد عن القضية الفلسطينية.
وأبدى مقال في جريدة "عكاظ" السعودية استنكاره لاستغلال القضية الفلسطينية من قبل خصوم السعودية، بمن في ذلك الحكومة الإيرانية و"حزب الله" و"حماس"و"الإخوان المسلمين" و"الحوثيين" وتركيا، وحث على رؤية جديدة، وأشاد بورشة العمل كخطوة مهمة في هذا الاتجاه.
لكن على الرغم من الإقبال المتزايد في المنطقة على التطبيع مع (إسرائيل)، فقد واجه فريق "كوشنر" صعوبة في تأمين المشاركة العربية في ورشة المنامة. وأعلنت الدول الرئيسية، مصر والأردن، مشاركتها في وقت متأخر، وأرسلت مندوبين دون المستوى الوزاري.
وباستثناء السعودية، التي أرسلت وفدا برئاسة وزير المالية، والوفد الإماراتي برئاسة وزير الدولة للشؤون المالية، كان تمثيل دول الخليج العربية متواضعا. وقاطعت الكويت الاجتماع بالكامل. وكان إحجام الدول العربية عن الالتزام بمستوى عالٍ من المشاركة وراء قرار إدارة "ترامب" بعدم دعوة المسؤولين الإسرائيليين، وترك المشاركة الإسرائيلية لكبار رجال الأعمال.
ويعود السبب في هذا التردد العربي والخليجي إلى السياسات الأمريكية. حيث حالت التدابير العقابية المفروضة على الفلسطينيين دون اعتناق عربي كامل لجهود الإدارة.
علاوة على ذلك، أدى اعتراف إدارة "ترامب" بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) إلى تأجيج الرأي العام الإسلامي، ورفع التكاليف السياسية للمشاركة، خاصة بالنسبة للمسؤولين عن إدارة الأماكن المقدسة، أي الأردن والسعودية. وقد أدى عدم الوضوح حول كيفية النهاية السياسية للعملية في زيادة عدم الثقة، على الرغم من أن هذا الغموض أتاح للدول العربية مساحة للمشاركة في ورشة العمل دون الحاجة إلى مواجهة حقائق سياسية غير مريحة.
إضافة إلى ذلك، أضعف اعتراف "كوشنر" عشية الورشة بأن الولايات المتحدة ستقدم عرضا أقل من طموحات مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي اقترحتها السعودية كأساس لقرار سياسي، الموقف الرسمي لدول الخليج العربية.
ردود الفعل الخليجية على ورشة المنامة
وباستثناء الدولة المضيفة، البحرين، كانت تغطية "ورشة الازدهار لأجل السلام" من قبل وسائل الإعلام الخليجية العربية متواضعة إلى حد ما. ولم يتم الإعلان عن مشاركة العديد من الوفود الخليجية. وفي الوقت الذي رفضت فيه عُمان الاعتراف بمشاركتها في الورشة بشكل رسمي، فقد انتهزت الفرصة للإعلان عن قرارها بفتح سفارة في رام الله، كأول دولة خليجية تفعل ذلك.
وفي ضوء هذا الموقف، تباينت ردود الفعل الرسمية على ورشة المنامة بين البحرين التي استضافتها، والكويت التي رفضتها كليا.
على المستوى الشعبي، وعلى الرغم من اعتناق القيادة البحرينية لدورها كوسيط للحوار مع المجتمع الإسرائيلي، توجد دلائل واضحة على أن الرأي المحلي لا يدعم الخطوات نحو التطبيع.
وواجهت الحكومة البحرينية تجربة سابقة في استضافة المؤتمر العالمي لريادة الأعمال في أبريل/نيسان، الذي دعا متحدثين إسرائيليين. واستهدف الناشطون الخليجيون في "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات" المشاركين الخليجيين في مؤتمر ريادة الأعمال على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين إياهم بمقاطعة الحدث، وقد حققوا بعض النجاح.
وأصدر مجلس النواب المنتخب، المؤيد عادة للحكومة، بيانا يدين مشاركة المتحدثين الإسرائيليين، ويدعم الشعب الفلسطيني. وردا على ذلك، نبذت الحكومة البحرينية دورها في تنظيم المؤتمر. وتم إسقاط المتحدثين الإسرائيليين من البرنامج، لكن حقيقة مشاركتهم من عدمها لا تزال غامضة.
أما هذه المرة، فقد أصدر ائتلاف موالٍ داخل مجلس النواب، بيانا رحب فيه باستضافة البحرين لورشة العمل، وأشادت بالدعم السعودي والإماراتي. في المقابل، لم يكن الآخرون سعداء للغاية. فقد أصدرت 3 جمعيات سياسية مرتبطة بالإسلاميين والقوميين بيانات رفضت استضافة المؤتمر، أو أي شكل من أشكال التطبيع.
كما عبرت المزيد من الشخصيات السياسية العلمانية عن اعتراضاتها عبر "تويتر"، كما فعل حزب الوفاق الإسلامي الشيعي، الذي حلته الحكومة البحرينية إبان احتجاجات سابقة، لكن لم تكن هناك مظاهرات كبيرة من المعارضة، التي ضعفت خلال أعوام من المواجهة والتدابير الأمنية القمعية. ولم يكن رد الفعل الأكثر صخبا من داخل البحرين، بل من العراق المجاور، حيث اقتحم المتظاهرون السفارة البحرينية في بغداد، ونزعوا علمها، واستبدلوه بعلم فلسطين.
وعلى النقيض من جيرانها، سمحت الثقافة السياسية الكويتية المفتوحة نسبيا بدعوة مفتوحة للتضامن مع الفلسطينيين. وأصدر ائتلاف واسع من جماعات المجتمع المدني بيانا مشتركا يدين عقد الورشة في دولة عربية شقيقة.
وفي تصويت بالإجماع، حث البرلمان الكويتي على مقاطعة المؤتمر. ووافق الأمير على ذلك، ورفضت الكويت وحدها، من بين جيرانها الخليجيين، إرسال أي وفد ممثل عنها. وحصل هذا على امتنان الفلسطينيين، الذين رفعوا العلم الكويتي إلى جانب العلم الفلسطيني، على طول طريق تم تسميته باسم رئيس البرلمان الكويتي الذي دافع عن القضية الفلسطينية دوليا.
لن تغير قواعد اللعبة
وأعلن وزير الخارجية البحريني أن "ورشة الازدهار من أجل السلام" من المحتمل أن "تغير قواعد اللعبة" أسوة بزيارة الرئيس المصري السابق "أنور السادات" للكنيست التي ولدت الزخم الذي أدى في نهاية المطاف لاتفاق "كامب ديفيد" للسلام. لكن هذا لا يبدو مرجحا.
وبدا وزير الخارجية نفسه غير مقتنع بهذا التقدم في اليوم التالي في مقابلة مع قناة "العربية"، التي أكد فيها الموقف العربي التقليدي بشأن فلسطين، وأصر على أن ورشة المنامة لم تكن خطوة نحو تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) قبل الوصول لتسوية سياسية.
لكن جهود التطبيع تتواصل. وفي الأسبوع التالي للورشة، استقبل الإماراتيون وزير خارجية (إسرائيل) في مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ في أبوظبي، وهو أعلى وزير إسرائيلي يزور دولة الإمارات على الإطلاق.
وبينما نفت عمان رسميا المزاعم الإسرائيلية بتأسيس مكتب أجنبي لها في سلطنة عمان، يرى الكثير من المحللين أن سفارة رام الله تعد تمهيدا لفتح العلاقات الرسمية مع (إسرائيل)، وهي وجهة نظر تلقت دفعة قوية عندما رحب السلطان "قابوس بن سعيد" برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في مسقط في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وقد تختلف الحسابات بين مؤيدي التطبيع، فمنهم من يرغب في ترسيخ جبهة مشتركة ضد إيران، مثل السعودية والإمارات والبحرين، ومنهم من يرغب في تحقيق التوازن للأغراض الدبلوماسية، مثل عمان، ومنهم من يسعى لكسب الدعم في واشنطن أو حصد فوائد التكنولوجيا الإسرائيلية، لكن اتجاه الانخراط الخليجي مع (إسرائيل) واضح اليوم أكثر من أي وقت مضى. وربما ينتظر الإعلان عن الوصول لاتفاق رسمي بين (إسرائيل) والفلسطينيين.