الخليج أونلاين-
في حوار أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مع الملك السعودي الراحل، فيصل بن عبد العزيز آل سعود، وجه المذيع له سؤالاً: ما هو الحدث الذي ترغب أن تراه في الشرق الأوسط؟ فأجاب: "زوال إسرائيل".
هكذا عُرف عن الملك فيصل بن عبد العزيز (تولى الحكم بين 2 نوفمبر 1964 و25 مارس 1975) دفاعه المستميت عن عروبة وإسلامية فلسطين، ودعوته للخلاص من الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يكن يدعو للخلاص من "إسرائيل" وتحرير القدس بالكلام فقط؛ بل سعى إلى ذلك من خلال بث الرعب في أوروبا، وداخل البيت الأبيض، مقر حكم أقوى بلدان العالم، على الرغم من أن السعودية لا تملك صناعة عسكرية، ولا أسلحة مدمرة، ولا جيشاً يصد هجمات أمريكية في الجو أو البحر أو البر إن ردت واشنطن على إصرار الملك فيصل.
لكن السلاح الوحيد الذي امتلكه فأحسن استخدامه الملك السعودي الراحل هو النفط، الذي يعتبر شريان الاقتصاد العالمي، مهدداً بقطعه عن العالم.
الملك فيصل يهدد أمريكا و"إسرائيل"
في حرب أكتوبر 1973، هدد الملك فيصل بوقف تدفق البترول للغرب في حال قدم أي مساعدة لـ"إسرائيل"، وهو ما فعله حقاً حين أمدت واشنطن "إسرائيل" بالسلاح.
دول أوروبا وأمريكا شهدت غلياناً داخلياً لما تسبب به توقف تدفق النفط من خسائر اقتصادية، وشهدت بعض الدول خروج مظاهرات غاضبة ضد حكوماتها.
تلك الخطوة أجبرت الرئيس الأمريكي -حينذاك- ريتشارد نيكسون، على أن يجري زيارة عاجلة إلى السعودية، واستقبله الملك فيصل في مطار جدة، ودار بين الزعيمين حوار في اجتماع مغلق.
وكان الملك فيصل طلب أن يُوضع إناءان؛ أحدهما يحتوي على لبن، والآخر يحتوي على التمر، وعند دخولهما مقر الاجتماع قال الملك فيصل مخاطباً الرئيس نيكسون وهو يشير إلى اللبن والتمر: عاش آبائي وأجدادي على هذا الذي أمامك، وأيضاً كان شعبي، ولا أمانع من العودة إليه.
فرد الرئيس الأمريكي سائلاً العاهل السعودي: "ألا تخشى من تجميد أموالكم الموجودة في بنوكنا؟".
فأجاب: "لك ما تشاء"، مستدركاً: "ولكن ما هو رأي شعب الولايات المتحدة الأمريكية وأيضاً حلفائكم؟".
الوقائع تشير أيضاً إلى أن الملك فيصل لم يرد على طلبات زعماء الغرب باستئناف ضخ النفط، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير بأسعار النفط، بل إنه رد على وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، حين زاره يطالبه باستئناف ضخ النفط قائلاً: "عيد الأضحى القادم يجب أن تسلمني مفاتيح القدس، فإني أنوي أن أصلي العيد في الأقصى".
وأضاف: "لا يهمني الرأي العام الأمريكي الذي تتشدقون به، فقد صبرت عليكم ثلاثين عاماً اتُّهمت فيها وبلادي من جميع العرب بالرجعية والتخلف والعمالة، ولم أعد أحتمل أبداً صداقة لا فائدة لبلادي من ورائها، ولا تحقق غير المواعيد التي لا تُنفّذ".
وتظهر تقديرات الإنفاق على الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، بحسب متابعة لـ"الخليج أونلاين"، بأنها تتراوح بين 85 ملياراً و760 مليون دولار، إلى 87 ملياراً و560 مليون دولار، بما لا يشمل الخسائر غير المباشرة المتعلّقة بتراجع الاستثمارات في السعودية على وجه التحديد، والزيادة في الإنفاق العسكري، والنقص في احتياطي النقد الأجنبي.
وفي استعراض سريع للبيانات التي تُظهر تأثّر اقتصاد السعودية بالحرب نجد أن السعودية رفعت قيمة إنفاقها العسكري في العام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 2013، 59.6 مليار دولار فقط.
علاوة على هذا فقد أعلنت شركة "آي إتش إس" للأبحاث والتحليلات الاقتصادية أن مشتريات السعوديّة من السلاح قفزت بمعدل كبير، لتصبح المملكة المستورد الأول للسلاح على وجه الأرض في 2015، بقيمة 65 مليار دولار.
ولم تستثمر هذه الأسلحة في قتال الإسرائيليين، ولا أثمانها في دعم المسلمين المضطهدين في دول أخرى، أو العرب المهجرين الذين يسكنون في خيام بعدة دول، وهو ما يشير إلى تخلي السعودية عن دورها العروبي والإسلامي الذي أدته خلال حكم الملك فيصل بن عبد العزيز.
ليس هذا فحسب؛ بل إن النفط السعودي بات يُضخ بشكل مضاعف دون أن يتراجع إنتاجه؛ وفق توصيات ورغبات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي طلب من المملكة بعيد حظر تصدير النفط الإيراني زيادة ضخ النفط، وهو ما نفذته على الفور.
كما يصر ترامب على تذكير السعودية مراراً بأن عليها أن تدفع لتستمر الحماية الأمريكية لحكمها، وهو ما كرره ترامب يوم الاثنين (16 سبتمبر 2019)، بعد يومين من الهجمات على أرامكو.
السلاح السعودي في خطر
منذ أن تعرضت منشآت نفطية سعودية لضربات جوية، في 14 سبتمبر الجاري، استشعرت السعودية خطراً داهماً؛ حيث إن النفط -سلاحها الأقوى عالمياً- معرّض لزوال قوته.
فالهجوم الذي تعرض له عملاق النفط في العالم "أرامكو" أدى -وفق ما نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة مصادر مطلعة- إلى تعطل الإنتاج النفطي السعودي وصادرات المملكة، حيث شمل الهجوم أكبر وثاني معملين لتكرير النفط في العالم.
وأثرت الهجمات التي تبنتها مليشيا "الحوثي" اليمنية المدعومة إيرانياً في إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة، بحسب أحد مصادر الوكالة.
ووفقاً لوكالة "رويترز" فإن عودة "أرامكو" إلى مستويات الإنتاج الطبيعية "قد تستغرق شهوراً"، بينما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مصادر، إن الرياض تدرس تأجيل طرح "أرامكو" للاكتتاب العام، وذلك بعد الهجوم الذي استهدف منشآتها النفطية.
تلك المعلومات التي أدلت بها هذه المصادر تشير إلى مصير خطير ينتظر السعودية؛ إذ يصيب اقتصادها في مقتل، ويأتي بموازاة توقع صندوق النقد الدولي، مؤخراً، ارتفاع عجز موازنة المملكة إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مقابل 5.9% في 2018.
لكن هذا التوقع صدر قبل أيام من الهجوم الذي أوقف نحو نصف إنتاج السعودية من النفط يومياً، المتوقع له أن يستمر لستة أشهر، هذا إن لم تتعرض المنشآت النفطية في المملكة إلى هجمات مماثلة.