الخليج أونلاين-
فشلت منظومة "باتريوت" الدفاعية الأمريكية في التصدي لكثير من الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت منشآت سعودية، كان آخرها استهداف محطتي "بقيق وخريص" التابعتين لأرامكو، في 14 سبتمبر 2019.
وطرح هذا الهجوم تساؤلات كثيرة حول جدوى وجود "الباتريوت"، التي فشلت أكثر من مرة في اعتراض الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثي من اليمن، وتستهدف المؤسسات والمواقع الحساسة في السعودية.
وتبادر إلى الأذهان الحديث مؤخراً عن إمكانية شراء السعودية منظومة "القبة الحديدية" من "إسرائيل"، بالتزامن مع التقارب المستمر بينهما خلال الشهور الأخيرة، ووصوله إلى مرحلة غير مسبوقة.
هجوم بقيق وخريص
السبت 14 سبتمبر، أعلنت السعودية تعرض مصفاتين تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية في المنطقة الشرقية للقصف بطائرات مسيرة وصواريخ.
وأدى الهجوم إلى إشعال حرائق في منشأتين نفطيتين (خريص وبقيق) تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية العملاقة، وهو ثالث هجوم من هذا النوع خلال خمسة أشهر على منشآت تابعة للشركة.
وأعلنت جماعة الحوثيين في اليمن مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت على لسان ناطقها العسكري يحيى سريع: إن "سلاح الجو المسير نفذ عملية واسعة بعشر طائرات مسيرة استهدفت مصفاتي بقيق وخريص شرقي السعودية".
ورغم اعتراف الحوثيين فإن الرياض وواشنطن قالتا: إن "الصواريخ المستخدمة في هجوم أرامكو لم تأتِ من جنوب السعودية، وهذا يجعل ادعاءات الحوثيين بأنهم مصدر الهجوم كاذبة"، ووجهتا الاتهام لإيران بالوقوف وراء الهجوم.
وتظهر صور الأقمار الصناعية أن السعوديين كان لديهم بعض الدفاعات بالقرب من الأهداف؛ مثل أنظمة صواريخ باتريوت المضادة، لكن معظم دفاعاتهم كانت موجهة نحو اليمن والخليج، في حين يبدو أن الهجوم جاء من الشمال.
وتمتلك السعودية أيضاً دفاعات قصيرة المدى حول البنية التحتية الحيوية، لكنها مصممة للتعامل مع الطائرات، وليس مع "الدرونز" أو صواريخ كروز التي تطير على ارتفاعات منخفضة، وفقاً لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
هجومان مُربكان!
وفي 12 يونيو 2019، أعلن التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن تعرُّض مطار أبها لـ"عمل إرهابي"؛ من خلال "مقذوف" أطلقته جماعة "الحوثي"، متهماً إيران بدعم "الإرهاب العابر للحدود".
وسبق ذلك إعلان جماعة الحوثي استهداف مطار أبها في منطقة عسير جنوبي المملكة بصاروخ كروز، وقالت إنه "أصاب الهدف بدقة"، قبل أن تنشر السعودية صوراً قالت إنها للأضرار الناجمة عن القصف.
أين الدفاعات الجوية؟
خلال السنوات الأربع الماضية، منذ بدء الحرب باليمن في مارس 2015، أطلقت مليشيا الحوثيين أكثر من 200 صاروخ باتجاه السعودية، وتقول المملكة إنها تصدَّت لها جميعاً.
لكن شظايا الصواريخ التي تم تفجيرها في الجو بعد اعتراضها تسببت في مقتل أكثر من 100 مدني، في حين أعلنت المملكة بأكثر من مرة تصدِّيها لصواريخ تستهدف مكة المكرمة.
ومع استمرار إطلاق الصواريخ ووصولها إلى عمق الأراضي السعودية يتساءل كثيرون عن أسباب فشل "الباتريوت" في صدِّها قبل أن تتعدى الحدود اليمنية.
وتقول مصادر إن السعودية تملك منظومة عملاقة للدفاعات الجوية "باتريوت" على الحدود مع اليمن، لمنع اختراق أي صاروخٍ أجواء البلاد، بمشاركة خبراء أمريكيين يساعدون في رصد تلك الصواريخ، أو الطائرات المسيَّرة.
ونقلت وكالة "رويترز " عن الخبير جيريمي بيني، محرر شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلة "جينز ديفنس" الأسبوعية المتخصصة بالشؤون العسكرية، قوله إن أقرب بطارية صواريخ باتريوت إلى مطار أبها تبعد عنه نحو 20 كيلومتراً إلى الشمال.
وأضاف: "قد يكون صاروخ كروز قادراً على أن يصل على ارتفاع منخفض بما يكفي بحيث لا يمكن اعتراضه قبل أن يبلغ هدفه".
وتساءل نشطاء على مواقع التواصل عن اختفاء "الباتريوت"، إذ تساءل مغرد على "تويتر": "أين صفقات التسليح التي قيمتها 450 مليار دولار؟! أين صواريخ الباتريوت التي أصبحت مَسخرة على يد الحوثيين؟!".
وقال آخر: "إنفاق هائل في السلاح وفي تأمين الأجواء السعودية بأنظمة الباتريوت وثاد، وفي الأخير صاروخ حوثي وطائرات من دون طيار بدائية الصنع تخترق هذه الأنظمة وتصيب هدفها بدقة. أين الخلل؟!".
وأبدى الناشط فهد القحطاني استغرابه من المليارات التي دُفعت من أجل الباتريوت، وقال في حسابه بـ"تويتر": "وين الباتريوت حق ترامب أبو 500 مليار اللي ماخذه نص ميزانيتنا وعيّشتنا في فقر!!".
"القبة الحديدية" من "إسرائيل"!
وسبق أن كشف موقع "الخليج أونلاين"، في سبتمبر 2018، عن صفقة بين "إسرائيل" والسعودية لشراء منظومة للقبة الحديدية، لتوضع على حدودها مع اليمن؛ بسبب كثافة الصواريخ التي تسقط عليها من قبل جماعة الحوثيين هناك.
وقالت مصادر خاصة إن الرياض ستقوم، خلال الشهور المقبلة، "بعمل تجربة ميدانية للتأكد من مدى نجاح أو فشل القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ التي تدخل المملكة.
وأضافت أن ذلك جاء تحديداً "بعد التقارير التي تحدثت بكثرة عن فشلها في اعتراض كثير من الصواريخ التي كانت تطلق من غزة تجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع، في مراحل التصعيد العسكري الأخيرة وحرب 2014"، تتابع المصادر الدبلوماسية حديثها.
وبينت أن السعودية سعت خلال الفترة الأخيرة إلى شراء منظومة القبة الحديدية "الإسرائيلية" المضادة للصواريخ، وأنها أقنعت الجانب الإسرائيلي ببيعها عبر وساطة قوية بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية، خلال اللقاءات الثلاثية السرية التي جرت في واشنطن.
وختمت بالقول: "في حال نجحت القبة الحديدية في مهامها باعتراض الصواريخ التي تشكل خطراً على المملكة ستكون هناك مباحثات مع إسرائيل على شراء منظومات عسكرية إضافية، وفتح باب التبادل العسكري على مصراعيه بين الجانبين".
لكن لم يعرف بعد حتى الآن ما إن كانت الصفقة قد تمت أو أن الأحداث الأخيرة وفشل "الباتريوت" ستسهم في التسريع بها، خاصة مع تصاعد دفء العلاقات بين المملكة ودولة الاحتلال.
هل فشلت "أقوى منظومة" دفاع؟
وأثار قرار الجيش الأمريكي، في سبتمبر الماضي، سحب بطاريات صواريخ "باتريوت" من ثلاث دول بالشرق الأوسط العديد من التساؤلات حول مدى فعالية تلك المنظومة في التصدي للصواريخ المعادية أثناء صراعات الشرق الأوسط.
واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال العقود الأخيرة، أن تروّج أنظمة صواريخ باتريوت على أنها قادرة على إسقاط الصواريخ والطائرات المعادية بكفاءة عالية.
لكن تجاربها الفعلية في بعض صراعات الشرق الأوسط تشير إلى أنها ربما تكون سلاحاً فاشلاً وغير قادر على مواجهة صواريخ العدو وطائراته، وفقاً لما ذكره موقع "إن دبليو أو ريبورت" الأمريكي.
ولفت الموقع إلى فشل اعتراض صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون من اليمن باتجاه السعودية، في نوفمبر 2017، مشيراً إلى أن هذا الأمر يذكر بتاريخ الـ"باتريوت" منذ تسعينيات القرن الماضي، خاصة في حرب الخليج الثانية.
وهو ما يؤكده تقرير مجلة "ناشينال إنترست" الأمريكية، الذي يقول: "هناك معلومة غير صحيحة تزعم أن منظومة باتريوت نجحت في اعتراض الصواريخ الباليستية"، مضيفة: "تم الترويج لنجاح هذه المنظومة على نطاق واسع".
وأشارت إلى أن الصواريخ الباليستية التي أطلقها العراقيون عام 1991، والتي يطلقها الحوثيون في الآونة الأخيرة، تم تطويرها بذات الأسلوب الذي تضمن زيادة طول الصاروخ وتخفيف رأسه الحربي، بما يؤدي إلى فقدان الصاروخ اتزانه، بصورة قد تتسبب بتحطمه في الجو قبل وصول الهدف، ولا يعني ذلك إيقافه من "باتريوت".
هل تشتري السعودي إس-400 الروسية ؟
ومع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي أعلن أن منظومات "باتريوت" الأمريكية المضادة للصواريخ تعمل "بنجاح متفاوت"، بدأت روسيا تروج بشكل أكبر لمنظومتها الصاروخية "إس 400".
وكتب السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف، على صفحته في "تويتر": "اعترف بومبيو بأن أنظمة باتريوت تعمل بنجاح متفاوت، ويعني ذلك أن الاعتماد عليها أمر مستحيل. ولماذا يجب شراؤها؟".
وأضاف: "ذروة العبث هي فرض العقوبات على رفض أحد شراء هذه الأنظمة الصاروخية التي تعمل بنجاح متفاوت، وبعد ذلك يمكن القول إنه لا يوجد هناك أي بديل لأنظمة إس-400 الروسية".
كما أعلن مسؤول رفيع بوزارة الدفاع الروسية أن الهجوم باستخدام طائرات مسيرة، الذي تعرضت له منشآت شركة "أرامكو" السعودية، يدل على ضعف وسائل الدفاع الأمريكية التي تحمي أجواء المملكة.
العجز الأمريكي
ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن المسؤول الذي لم تكشف عن اسمه قوله: "السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف حدث أن مثل هذه المنظومة القوية من وسائل الدفاع الجوي فاتتها عشرات من الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة؟".
ويقول المسؤول الروسي إن نظام الدفاع الجوي في المملكة العربية السعودية يشمل 88 منظومة "باتريوت"، إضافة إلى أن 3 مدمرات أمريكية مزودة بأنظمة "أيجيس" للدفاع الجوي تتمركز في مياه الخليج، في إشارة إلى عدم قدرتها على حماية السعودية.
وفي المقابل يعتقد السعوديون أن منظومة الباتريوت الأمريكية لم تقدم شيئاً لبلادهم، كما لم تحمها من صواريخ وطائرات الحوثيين، والتي استهدفت بشكل متكرر منشآت نفطية ومصالح خدمية ومدناً سعودية.
وأبدى المحلل السياسي السعودي علي التواتي القرشي، استغرابه من تصريحات بومبيو، التي قال فيها: "لقد رأينا أن أنظمة الدفاع الجوي في جميع أنحاء العالم تعمل بنجاح متفاوت. حتى بعض أفضل الأنظمة لا تصيب الأهداف دائماً"، وعلق القرشي عليها بقوله: "هذه 25 هدفاً يا بومبيو! ولا هدف واحد عن نفسنا".
التوقيت والدلالة
ظلت الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثي محط جدل منذ أول صاروخ أُطلق نحو الرياض ومدن سعودية أخرى، خلال السنوات الماضية، وبقدر ما يعتبرها الحوثيون انتصاراً في معركتهم مع السعودية، سعت الرياض إلى استغلالها كورقة سياسية وعسكرية تؤكد مشروعية تدخُّلها في اليمن وأحقيتها في الدفاع عن نفسها.
واستخدمت السعودية أيضاً تلك الصواريخ باعتبارها دليلاً يؤكد تورط إيران في دعم الحوثيين بالسلاح والعتاد، وهي تهمة لم تعد مقتصرة على اللغة الإعلامية والحديث السياسي، بل امتدت إلى داخل أروقة الأمم المتحدة، حينما قدَّمت الرياض بقايا صواريخ باعتبارها صناعة إيرانية.
ويأتي الاستهداف الأخير لمنشآت أرامكو بالتزامن مع توتر الأوضاع في منطقة الخليج بين الإمارات والسعودية وأمريكا من جهة، وإيران التي تدعم مليشيا الحوثي في اليمن من جهة أخرى.