الخليج أونلاين-
من جديد عاد اسم النائب السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني، المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان، لتصدُّر المشهد السياسي وحلبات الصراع الساخنة في المنطقة، بعد إصدار تركيا مذكرة حمراء بحقه لدوره في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، في 15 يوليو 2016، وعلاقته بتنظيم "غولن" الإرهابي، كما رصدت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تسهم في القبض عليه.
كما قال رئيس قسم الأخبار الدولية في قناة "TRT" التركية، أوزجان تكيت، إن دحلان كان من بين الحاضرين، إلى جانب عناصر مخابرات من عدة دول، في اجتماع مع تنظيم غولن تم في صربيا قبل ستة أشهر من تنفيذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، عام 2016، لمناقشة سبل دعم التنظيم والمحاولة الانقلابية.
إجراء بعد تهديد
وأتت الخطوة التركية بعد وقت قصير من تصريحات لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، (22 نوفمبر 2019)، أكد من خلالها أن حرب تركيا ضد تنظيم غولن الإرهابي ستشمل "بعض الرعايا الأجانب الذين شاركوا في محاولة الانقلاب، مثل دحلان نفسه، وهو فلسطيني الجنسية يعمل في الإمارات".
تأتي الخطوة التركية الصارمة بعد تصريحات أدلها بها وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، لقناة "الجزيرة" الإخبارية، أواخر أكتوبر الماضي، قال فيها إن الإمارات تستضيف من سمّاه "عميل إسرائيل"، في إشارة إلى دحلان، الذي يعمل مستشاراً أمنياً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي يُنظر إليه بأنه "الحاكم الفعلي للبلاد".
ووصف الوزير التركي، القيادي الفلسطيني الهارب بـ"الإرهابي"، كاشفاً أن "أبوظبي حاولت أن تأتي به بدلاً من أبو مازن (الرئيس محمود عباس)".
وكانت مصادر فلسطينية مسؤولة في حركة "فتح" بالضفة الغربية المحتلة كشفت سابقاً لـ"الخليج أونلاين" أن "الإمارات أعادت اللعب بدورها القديم في الساحة الفلسطينية الداخلية من جديد، وتحاول جاهدة من خلال نفوذها وابتزازها المالي أن يكون لها دور في الساحة الداخلية لحساب قيادات فلسطينية معروفة ومقربة منها".
وأوضحت أن الإمارات تحاول من خلال شبكة علاقاتها الواسعة مع شخصيات فلسطينية مرموقة داخل حركة فتح، وحتى مؤسسات السلطة الفلسطينية الرسمية، أن تؤثر في صناعة القرار الداخلي، وعلى وجه الخصوص في "فتح"، التي قررت قبل سنوات فصل دحلان بأمر من الرئيس عباس.
ويرى مراقبون أن دحلان بات بمنزلة "الصندوق الأسود" للإمارات، وله يد في معظم الأزمات التي ضربت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما ذكرت تقارير عربية وإقليمية وغربية.
وتورط القيادي الفتحاوي المفصول، الذي يمتلك علاقات قوية بأجهزة الأمن الإسرائيلية، في ملفات كثيرة تعلقت بالحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، والتي نشط فيها وتخصص بالاغتيالات.
دحلان واغتيال خاشقجي
اسم دحلان تردد كثيراً في الثلث الأخير من العام المنصرم، بعد الكشف عن دور أمني جديد له في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، على يد كتيبة إعدام تتبع للمخابرات السعودية.
وكشفت صحيفة "يني شفق" التركية، (18 نوفمبر 2018)، أن فريقاً مرتبطاً بدحلان الذي يقيم بشكل دائم في الإمارات، وصل إلى تركيا قادماً من لبنان قبل يوم واحد من جريمة قتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر 2018.
الفريق المكون من أربعة أشخاص دخل القنصلية في يوم مقتل خاشقجي، وتمتلك الاستخبارات التركية صوراً تظهرهم بموقع الحادث، بحسب مصادر مطلعة للصحيفة.
ووصل الفريق المرتبط بدحلان إلى تركيا في الأول من أكتوبر 2018 بجوازات سفر مزورة، وجلبوا إلى القنصلية معدات تقنية ومستلزمات كيميائية، واقتصرت مهمتهم أيضاً على مسح الأدلة وإزالتها، ومن ثم غادروا في الرابع من الشهر ذاته.
وبعد عدة أشهر من قتل خاشقجي أعلنت تركيا، في 19 أبريل 2019، اعتقال جاسوسين فلسطينيين تابعين لدحلان؛ بتهمة التجسس لحساب الإمارات، وأمرت محكمة بسجنهما على ذمة التحقيق، قبل أن تكشف نهاية الشهر ذاته أن أحدهما وُجد منتحراً في زنزانته الانفرادية بأحد سجون مدينة إسطنبول.
دحلان والحرب اليمنية
ويُعد اليمن محطة من سلسلة محطات عربية وأجنبية ورد اسم دحلان فيها بقوة، أبرزها سوريا، والعراق، وليبيا، وحتى روسيا، وجميعها كان دحلان عاملاً مشتركاً فيها، ودائماً ما كانت تُطرح أسئلة عن دوره في تلك المناطق الساخنة، ولمصلحة من يؤدي هذا الدور.
موقع "بز فييد نيوز" الأمريكي الإخباري كشف في تقرير نشره يوم (16 أكتوبر 2018)، عن ضلوع دحلان في تسهيل الكثير من العمليات الأمنية السرية الدائرة باليمن، من خلال مسؤوليته عن جلب المرتزقة من الخارج وإيصالهم للأراضي اليمنية، لتنفيذ عمليات قتل واغتيال طالت رجال دين بارزين وشخصيات سياسية إسلامية.
تقرير "بز فييد نيوز" كان "الخليج أونلاين" قد انفرد بتأكيد بعض تفاصيله بتاريخ 19 سبتمبر 2018، حين نقل عن مصادر مقربة من لجنة الاستخبارات بالكونغرس الأمريكي، أن دحلان أشرفَ شخصياً على جلب المرتزقة الغربيين، وعلى رأسهم الكولومبيون والنيباليون، للعمل لحساب الإمارات في اليمن.
وفجّرت مصادر "الخليج أونلاين"، حينها، مفاجأة من العيار الثقيل؛ بكشفها عن إقامة معسكرات تدريب سرية لهؤلاء المرتزقة في صحراء النقب الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، بعد اتفاق الجانبين الإماراتي والإسرائيلي على ذلك، وبإشراف كامل من دحلان.
وبالنظر إلى حال اليمن تتبدى بوضوح نتائج تدخل دحلان؛ إذ انقلب المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي تدعمه الإمارات) على الحكومة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي، وسيطر على أغلب مدن الجنوب، كما قصفت طائرات إماراتية المئات من الجيش اليمني لبسط هيمنة الانفصاليين على جميع مفاصل الدولة في الجنوب.
الصندوق الأسود
تورُّط دحلان في الكثير من الملفات الساخنة والدامية بالمنطقة، وخاصةً تلك التي تكون لدولة الإمارات يد فيها، وضع الكثير من علامات الاستفهام حول دوره الأمني والاستخباراتي في خدمة حكام تلك الدولة الخليجية.
أحد المقربين منه، ويقيم حالياً بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد أن غادر قطاع غزة عقب سيطرة "حماس" على القطاع صيف 2007، يؤكد أن دحلان بالنسبة لدولة الإمارات بات "كنزاً ثميناً لا يمكن الاستغناء عنه؛ نظراً إلى حنكته السياسية والأمنية والاستخباراتية الكبيرة التي يتمتع بها منذ أن كان رئيسَ جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، وكان يعد في تلك الفترة أخطر وأقوى الأجهزة الأمنية الفلسطينية".
وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أوضح القيادي المقرب من دحلان (فضَّل عدم الكشف عن هويته)، أن الأخير أصبح الذراع اليُمنى لحكام الإمارات، وعلى وجه الخصوص ولي عهد أبوظبي، وبات بالنسبة لهم "ورقة رابحة"، من خلال الاستشارات الأمنية وتنفيذ بعض المخططات المتعلقة بالأجندات المحلية والعربية وحتى الدولية.
وتابع حديثه قائلاً: "وجود دحلان باليمن، وليبيا، وحتى سابقاً في سوريا وروسيا، قد يكون أمراً طبيعياً؛ لكون تلك الملفات مرتبطة بشكل كبير بحضور دولة الإمارات، وعادةً ما يمثلها دحلان سراً أو علانية حسب طبيعة الملفات التي يحملها، سواء كانت سياسية أو أمنية أو حتى استخباراتية".
ويضيف: "حيثما يوجد دور أمني على وجه الخصوص لدولة الإمارات، ستجد دحلان هناك"، موضحاً أن دحلان بات "الصندوق الأسود" للكثير من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، وهو يتمتع بعلاقات قوية جداً مع السعودية ومصر وفرنسا وبريطانيا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
وبسؤال "الخليج أونلاين" عن تورُّط دحلان في قضايا أمنية باليمن وجلبه مرتزقة من الخارج لتنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة ورجال دين وسياسة يمنيين، رفض القيادي في تيار دحلان الرد الصريح على السؤال، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام التكهنات حوله، حين قال: "الأوضاع في اليمن كغيرها من الدول العربية، والحرب الدائرة هناك يقودها تحالف عربي والإمارات جزء رئيسي فيه، وأعتقد أن دحلان يعمل ضمن المنظومة الأمنية الإماراتية، وحسابات الحرب والسيطرة مفتوحة على مصراعيها".
عمليات سرية
وبالعودة إلى التحقيق الذي نشره الموقع الأمريكي "بز فييد نيوز"، فقد كشف عن الكثير من تفاصيل العمليات السرية التي تجري في اليمن منذ سنوات، وضلوع شركات أمنية خاصة تعمل تحت يد الإمارات، في معظم حالات الاغتيال والقتل، وكشف كذلك النقاب عن تشكيل دحلان، بمساعدة الضابط الإسرائيلي الأمريكي المتقاعد أبراهام غولان، فريق اغتيالات وجيشاً من المرتزقة، للعمل في اليمن بتوجيهات من السلطات الإماراتية.
وذكر التحقيق أن دحلان استضاف قادة ومسؤولي "قوات المرتزقة" على مأدبة غداء في أبوظبي، بمطعم إيطالي في نادي الضباط بقاعدة عسكرية إماراتية، وهو من أبرم الصفقات مع شركة الاغتيالات الأمريكية لتعمل في اليمن، بمقابل شهري قدره 1.5 مليون دولار.
وأوضح أن دحلان يستأجر "المرتزقة" لتنفيذ مهمة أساسية؛ ألا وهي "عرقلة وتدمير" أنشطة حزب "الإصلاح" الإسلامي، الذي تعتبره الإمارات فرع "الإخوان المسلمين" باليمن.
يُذكر أن منظمات حقوقية وأممية دولية أكّدت في عدد من بياناتها، أن التحالف السعودي-الإماراتي ارتكب "جرائم حرب" في اليمن، راح ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء.
وتسلَّم دحلان رئاسة جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية بغزة، قبل سيطرة "حماس" على القطاع في عام 2007، وبقي خارج فلسطين منذ عام 2010، حيث فصلته حركة "فتح"؛ لاتهامه بـ"التورط في مؤامرة للإطاحة بالرئيس عباس".
لماذا دحلان؟
"أن يقوم دحلان بعمليات أمنية سرية في اليمن، ويشرف على جلب قوات خارجية للقتال بأي بلد عربي، تحقيقاً لمكاسب سياسية وشخصية، فهذا الأمر غير مستبعد، وهي المهمة التي بات يتقنها دحلان في الفترة الأخيرة"، يقول الكاتب والمحلل السياسي والخبير في الحركات الإسلامية مصطفى الصواف.
ويضيف "الصواف" في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين": "دحلان أراد أن يكون متعاوناً مع المخابرات العربية والدولية كافةً التي تدفع له، والحديث عن دوره الجديد في اليمن يأتي ضمن هذا التحرك الذي يسير عليه لخدمة مصالح دولة الإمارات في اليمن".
وعن سؤال حول سبب إقحام دحلان نفسه في الصراعات العربية الحساسة والدامية، يجيب المحلل السياسي: "دحلان يريد من خلال سعيه ليكون ورقة مخابرات رابحة في المنطقة، أن يحصل أولاً على المال؛ ومن ثم السعي ليكون له مكانة كبيرة ومرموقة".
ويوضح "الصواف" أن "أيادي دحلان كانت سابقاً تلعب في تركيا ومصر وليبيا، واليوم وضعها باليمن"، مشيراً إلى أن كل ذلك خدمة لدولة الإمارات، التي يعمل مستشاراً أمنياً لولي العهد فيها.
بدوره، رأى البروفيسور والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، أن دولة الإمارات تحاول "تلميع" دحلان وإظهاره كرجل قوي على الساحتين العربية والدولية، موضحاً لـ"الخليج أونلاين"، أن علاقته القوية مع الدول العربية والأوروبية وتعاونه معهم في الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة، سمحا له بالحصول على تلك المكانة.
وأشار المحلل السياسي إلى أن "السلطة الفلسطينية على الساحة العربية والدولية دورها مغيَّب بشكل كبير، ويبدو أن دحلان، وبحكم علاقته الكبيرة، يستغل هذا الأمر جيداً، بما يضمن بقاءه ضمن موازين القوى في الخارج".
الجدير ذكره أن دحلان حُكم عليه غيابياً بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية باهظة، من قِبل محكمة مكافحة الفساد برام الله في ديسمبر عام 2016، بعد إدانته مع اثنين آخرين، بسرقة أموال عامة، إلا أنه قال حينها إن المحاكمة سياسية نتيجة خصومته مع عباس، "وجاءت كمحاولة من الرئيس للتخلص من خصومه السياسيين"، بحسب قوله.
وجاءت هذه الإدانة بعد يومين من قرار الرئيس عباس رفع الحصانة النيابية عن خمسة من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، من ضمنهم دحلان؛ تمهيداً للمحاكمة.