إنسايد أرابيا -
لا تربط دولة الإمارات العربية المتحدة و(إسرائيل) علاقات دبلوماسية رسمية. ولا يمكن، في الواقع، لحاملي جوازات السفر الإسرائيلية حتى زيارة الإمارات. ولا تعترف أبوظبي علنًا بـ(إسرائيل) كدولة. ومع ذلك، فإن تعاملاتهما السرية، لا سيما في مجال التجسس الإلكتروني، قد أنشأت علاقة فريدة وذات منفعة متبادلة بين البلدين خلال العقد الماضي.
وبدأت العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية السرية منذ نحو 20 عامًا، مع وجود علاقة تقوم إلى حد كبير على مبيعات الاستخبارات والأسلحة، وفقًا لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
والآن، يجرى التقارب بينهما وسط مخاوف مشتركة، مثل نفوذ إيران الإقليمي. ويفسر هذا العامل أيضًا علاقات (إسرائيل) المتزايدة مع دول الخليج الأخرى، وخاصة المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، لقد سبقت الإمارات باقي دول الخليج في تطوير علاقة أمنية مع (إسرائيل). وقد عزز اكتساب (إسرائيل) لخبرة كبيرة في التكنولوجيا والأمن السيبراني قدرات المراقبة المحلية والإقليمية لدولة الإمارات.
ووسط زيارة وفد إسرائيلي من المراهقين لـ"أولمبياد الروبوتات" في دبي، في نوفمبر/تشرين الثاني، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بالزيارة، وألمح إلى المصالح السرية بين البلدين.
وقال "نتنياهو": "لقد ذهبنا إلى هناك (الإمارات) لأجل فعاليات الروبوتات والتكنولوجيا، لكن السبب وراء إقامة (إسرائيل) لعلاقات مع العديد من البلدان في المقام الأول هو أن لدينا تقنيات وقدرات نستخدمها ضد عدو مشترك في المجالين الأمني والمدني على حد سواء"، في إشارة إلى إيران.
ومنذ عام 2013، سعت الإمارات إلى الحصول على نفوذ إقليمي أكبر، ودعمت الجهات الفاعلة السياسية المفضلة لديها في اليمن وليبيا ومصر والصومال، وغيرها من المناطق، من أجل الهيمنة الجيوسياسية في هذه البلدان. وغالبا ما كانت تتصرف جيدًا بشكل عملي، حتى في الانخراط مع إيران والحوثيين في اليمن، في الوقت الذي تسعى فيه لاحتواء خصومها. كما صعّدت الإمارات من القمع ضد المعارضة في الداخل منذ الربيع العربي، حيث احتجزت وسجنت عددًا لا يحصى من الناشطين والمعارضين المحليين، سعيًا إلى القضاء على أي تحدياتٍ قد تواجه نظامها.
ومع ذلك، ولتحقيق أهدافها الإقليمية المتمثلة في مكانة سياسية ونفوذ سياسي أكبر، احتاجت الإمارات إلى عنصر أساسي، وهو قدرات مراقبة قوية. وكان من شأن الافتقار إلى هذه القدرات أن يعوق طموحاتها.
وعلى الرغم من أن الإمارات حليفٌ إقليميٌ وثيق للولايات المتحدة، ولديها قدرات بحثية واسعة في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن واشنطن لا تشارك معلوماتها الاستخبارية مع أبوظبي. وساعد اكتساب الإمارات للخبرة الأساسية من قبل مزودي الأمن السيبراني في ملء هذا الفراغ بسرعة، تمامًا كما كانت أبوظبي تنفجر بسرعة على الساحة السياسية.
وكانت الإمارات تعتمد في السابق على العديد من الموظفين الأمريكيين العاملين في شركة الأمن الإماراتية "مشروع رافن". ومع ذلك، أصبح العديد من هؤلاء الموظفين ينتقدون الطبيعة الخبيثة للشركة في مراقبتها المحلية والدولية، خاصةً بعد اكتشاف أن العديد من أهداف المراقبة الخاصة بها أمريكيون.
وتم إغلاق "مشروع رافن" في نهاية المطاف عام 2016، وتم دمجه في شركة إماراتية جديدة تسمى "دارك ماتر"، تأسست عام 2015. وانتقل معظم الموظفين الأمريكيين إلى مكان آخر. وهنا ملأت (إسرائيل)، وهي ممثل إقليمي آخر له اهتمامات مشتركة مع أبوظبي، هذه الفجوة الحاسمة.
وقد جذبت "دارك ماتر" الجدل؛ فلقد حظرت المؤسسة "جوجل" و"فايرفوكس". ويحذر الناشطون من أنها قد تستهدف ناشطي حقوق الإنسان في الإمارات. كما حاولت اختراق الأهداف الغربية وناشطي حقوق الإنسان والصحفيين في الداخل والخارج. واستهدفت شخصيات إعلامية عربية بارزة من معارضي النظام، بمن فيهم مؤسس صحيفة "العربي الجديد"، "عزمي بشارة"، ورئيسها التنفيذي "عبدالرحمن الشيال"، كما حظرت وسائل إعلام عدة في دولة الإمارات.
وتقدم شركة "دارك ماتر" نفسها كشركة خاصة لأمن الإنترنت، ولكن حتى الرئيس التنفيذي "فيصل البناي" يعترف بعلاقاته الوثيقة مع السلطات الإماراتية.
وسرعان ما أدرك "البناي" فوائد اكتساب الخبرة من (إسرائيل) في مجال الأمن السيبراني لتوسيع "دارك ماتر". وقال للصحفيين الذين زاروا الشركة في أوائل عام 2018: "إن الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بأمان قوي في مجال الأمن السيبراني هي (إسرائيل). بخلاف ذلك، لا يوجد أحد".
وفي أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن شركة "دارك ماتر" كانت تعمل بنشاط على البحث عن خريجين من وحدة الاستخبارات التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي في وحدة 8200، لتجذبهم بمرتبات شهرية ضخمة تبلغ 100 ألف دولار، ومكافآت إضافية، ومنازل فاخرة في قبرص. ويعمل هؤلاء الخريجين كمصممي برامج لمكاتب "دارك ماتر" في قبرص وكندا. ويدير المبرمجون الإسرائيليون أيضًا مكتب الشركة في سنغافورة، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز". ومن الواضح أن تقديم المكافآت المالية المغرية قد عزز قدرة الإمارات على المراقبة، بينما واجهت الوحدة 8200 منذ ذلك الحين نزيفًا عقليًا.
وبينما توسعت قدرات "دارك ماتر" بفضل هؤلاء الإسرائيليين ذوي الخبرة، تعاقدت الإمارات عام 2014 مع شركة "إن إس أو" الإسرائيلية، لاستخدام برنامجها "بيجاسوس" لاختراق أجهزة "الأيفون" لكل من أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني"، والأمير السعودي "متعب بن عبدالله"، ورئيس الوزراء اللبناني السابق "سعد الحريري". كما تم استهداف مئات آخرين، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء السابق في تركيا "محمد شيمشك"، ورئيس الشؤون الخارجية العماني "يوسف بن علوي بن عبدالله".
وتلقى الأهداف مثل هؤلاء الهجمات عبر رسالة نصية بها رابط ملغّم؛ حيث يؤدي نقر هذا الرابط إلى تنزيل "بيجاسوس" على الجهاز. ويتيح ذلك لمستخدم البرنامج الوصول إلى جميع تفاصيل الاتصال والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والبيانات من المنصات عبر الإنترنت، مثل "فيسبوك" و"سكايب" و"واتس آب" و"فايبر" و"وي شات" و"تيليجرام"، مما يتيح له مراقبة أنشطة الأهداف وتلقي المعلومات حول اتصالاتهم.
وتم استخدام برنامج تجسس "إن إس أو" أيضًا في استهداف "أحمد منصور"، الناشط الإماراتي الرائد في مجال حقوق الإنسان، لتفعيل هذا الرابط، الأمر الذي أدى في النهاية إلى سيطرة الإمارات على جهاز "أيفون 6" الخاص به. وتمكنت السلطات الإماراتية بعد ذلك من تتبع كل حركة لـ"منصور". وبعد المطالبة بإجراء إصلاحات في السياسة الإماراتية على وسائل التواصل الاجتماعي، في مايو/أيار 2018، تم الحُكم عليه بالسجن لمدة 10 أعوام، حيث يبقى في ظروف غير إنسانية في أبوظبي. ومن المرجح أن التكنولوجيا الإسرائيلية جعلت من السهل على السلطات الإماراتية مراقبة "منصور" ومن ثم استهدافه.
ومنذ ذلك الحين، أقام مواطن قطري، وصحفيون مكسيكيون، دعوى قضائية ضد "إن إس أو" بعد استخدام برنامج "بيجاسوس" ضدهم، مما أثار قلقًا حول قدرة دولة الإمارات على استهداف أي مواطن أجنبي تعتبره تهديدًا.
وفي أغسطس/آب، شوهدت طائرات تجسس تقلع من قاعدة الظفرة الجوية في أبوظبي. وحصلت "هآرتس" على مستندات تتعلق بها، حيث كشفت عن صفقة بين المسؤولين الإماراتيين ورجل الأعمال الإسرائيلي "ماتي تسفي كوتشافي"، مؤسس "إيه جي تي إنترناشيونال". وتبلغ قيمة صفقة تسليم طائرات التجسس، وفقًا لصحيفة "هآرتس" 3 مليارات شيكل، أي 860 مليون دولار وفقًا لسعر الصرف الحالي، وهو ما يعزز القدرات الإماراتية في مراقبة المنطقة وخصومها.
وقدم "كوتشافي"، المقرب من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التكنولوجيا المحلية الأساسية إلى أبوظبي، بما في ذلك كاميرات المراقبة والأسوار الإلكترونية وأجهزة الاستشعار، لمراقبة البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط.
علاوة على ذلك، ساعدت شركته أيضًا في تعزيز "السلطوية" الإماراتية. ووفرت الشركة شبكة مراقبة مدنية واسعة في أبوظبي، بحيث "تتم مراقبة كل شخص من اللحظة التي يتركون فيها عتبات منازلهم إلى أن يعودوا إليها".
وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تجنبت التعليق على وجه التحديد على مثل هذه العلاقات مع الشركات الإماراتية، مثل "دارك ماتر"، تجني (إسرائيل) فوائد من هذا أيضًا، إلى جانب العائدات الاقتصادية الواضحة.
وتستخدم الإمارات التقنيات والأرقام الأمنية الإسرائيلية، ليس فقط للتجسس على الخصوم الإماراتيين مثل قطر، ولكن أيضًا ضد إيران وحزب الله. وعليه، تُمكّن علاقات الأمن السيبراني (إسرائيل) من الحصول على مزيد من المعلومات حول الأخيرين، وهما خصمان إقليميان رئيسيان.
ومن المفارقات أن أبوظبي تتجنب الاعتراف العلني بهذه العلاقات التكافلية أو الاعتراف بـ (إسرائيل)، لأن القيام بذلك لا يمكن فقط أن يشوه صورتها بشأن القضية الفلسطينية، ولكن قد يثير أيضًا معارضة من قبل المواطنين الإماراتيين.
ومع ذلك، لا تزال الإمارات تستفيد من الشراكة متزايدة الأهمية، حتى عندما تستخدم علاقات الأمن السيبراني هذه لأغراض خبيثة بشكل واضح.