تريد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحليفها الأبرز في دولة الاحتلال الإسرائيلي رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو أن تجر أكبر عدد ممكن من الدول العربية للتطبيع مع تل أبيب حتى تصبح هذه المسائل شبه المستحيلة قبل سنوات أمراً واقعاً.
وتجري واشنطن جهوداً دبلوماسية سياسية وغير سياسية لتحقيق التطبيع بين العرب و"إسرائيل"، وإن كان لا يوجد علاقات دبلوماسية رسمية بين تل أبيب والدول العربية إلا مع مصر (1979) والأردن (1994)، فيما تبقى بعض الدول تسير نحو ذلك بشكل متسارع، كما يجري مع الإمارات والسعودية والبحرين.
ويبدو أن ترامب، الذي طرح خطته للسلام في الشرق الأوسط باسم "صفقة القرن" بحضور نتنياهو من العاصمة الأمريكية واشنطن في (28 يناير 2020)، وشكره الكبير لسفيري الإمارات والبحرين على وجودهما أثناء ذلك، يدل على الاختراق الأمريكي للدول العربية التي كانت ترفض التطبيع مع "إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني ولو ظاهرياً، لكنها باتت تنفذ مطالب ترامب بشكل استباقي.
ابتزاز المغرب
وتعمد واشنطن عبر سياساتها القوية في العالم العربي إلى ممارسة ضغوط كبيرة على بلدان بعينها لجرها نحو التطبيع وبناء علاقات سلام مع "إسرائيل"؛ ولا سيما مؤخراً المغرب والسودان.
فقد كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي، يوم الاثنين (3 فبراير 2020)، أن "إسرائيل والولايات المتحدة تناقشان اتفاقاً من شأنه قيام واشنطن بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل أن يتخذ المغرب خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
ولفت الموقع إلى أن "أهمية الاتفاق السري تكمن في محاولة تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير للملك المغربي محمد السادس، وتعزيز مكانة بنيامين نتنياهو".
وقال الموقع إن "نتنياهو سيحظى بزيارة عامة رفيعة المستوى للمغرب، على الرغم من الأوقات السياسية المحفوفة بالمخاطر"، مضيفاً أن "الاتفاق سيحقق هدف إدارة ترامب في تقريب الكيان الإسرائيلي مع الدول العربية، ولكنها أكدت أن هذه الخطوة المثيرة للجدل تتعارض مع الإجماع الدولي".
ولفت إلى أن "الاتصالات بين نتنياهو والمغاربة قد بدأت بالتسارع بعد لقاء سري مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريتا، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018".
وكان هذا الاجتماع نتيجة لقناة خلفية بين بوريتا ومستشار الأمن القومي لنتنياهو، مئر بن شبات، بمساعدة رجل الأعمال ياريف الباز، وهو أحد تجار التجزئة الرئيسيين للمواد الغذائية في المغرب، بحسب الموقع.
وتعد قضية الصحراء الغربية وسيطرة جبهة "البوليساريو" عليها مشكلة كبيرة لدى المغرب، ويسعى لحلها وإغلاق هذا الملف الشائك الذي مضى عليه قرابة الـ 47 عاماً.
يشار إلى أن "البوليساريو" اختصارٌ إسباني (Polisario) لـ (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، وهي حركة مغربية (انفصالية) أُسست في 20 مايو 1973، وتسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تراه استعماراً مغربياً، وأُعلن تأسيس دولة مستقلة جنوب المغرب وغرب الجزائر وشمال موريتانيا تحت اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
لكن الأمم المتحدة لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ولا تعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة وعضو أممي؛ فيما تعترف بالجبهة كمفاوض للمغرب.
ورغم أن تقريراً للقناة 13 الإسرائيلية تحدث، يوم الاثنين (3 فبراير 2020)، عن أن الرباط تشعر بالإحباط الشديد بسبب استغلال نتنياهو لصفقة الصحراء المغربية للنجاة من تهم الفساد التي تواجهها، فإن الصفقة يبدو أنها مستمرة.
والأحد (2 فبراير) كشف موقع "إنتليجنس أونلاين" الفرنسي عن أن المغرب حصل على ثلاث طائرات استطلاع مسيّرة إسرائيلية الأسبوع الماضي، بموجب صفقة عسكرية مع إسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن تسليم الطائرات الثلاث للمغرب يأتي ضمن صفقة وقعها المغرب مع "إسرائيل" لشراء أسلحة وأدوات عسكرية بـ48 مليون دولار، من دولة الاحتلال.
الضغط على السودان
والأمر لا يتوقف على المغرب، بل يبدو أنه طال السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية بعد إسقاط نظام الرئيس عمر البشير في انقلاب عسكري على إثر حراك شعبي هو الأكبر في البلاد في أبريل 2019.
ويظهر أن واشنطن ضغطت على مجلس السيادة السوداني (يضم عسكرييين ومدنيين)، الذي يقود المرحلة الانتقالية، لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ولكن في مقابل التطبيع مع "إسرائيل".
ففي (3 فبراير الجاري)، كشف نتنياهو، عبر حسابه في تويتر، عن لقائه عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني في مدينة عنتيبي الأوغندية، قائلاً: إنهما اتفقا على إطلاق تعاون سيؤدي إلى تطبيع العلاقات بين السودان و"إسرائيل".
وأضاف نتنياهو أن "البرهان يريد مساعدة بلاده في الدخول في مرحلة تطوير وتحديث عبر إخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم"، على حد تعبيره.
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) عن وزير الثقافة والإعلام الناطق باسم الحكومة الانتقالية، فيصل محمد صالح، قوله إنه "لم يتم الإخطار أو التشاور معنا في مجلس الوزراء بشأن اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة رئيس مجلس السيادة".
ونقلت صحيفة "ذي تايمز أوف إسرائيل" العبرية، الثلاثاء (4 فبراير 2020)، عن مصدر سوداني (طلب عدم الكشف عن اسمه)، أن الإمارات رتبت اجتماع البرهان ونتنياهو، وعلمت به "دائرة صغيرة" فقط من كبار المسؤولين في السودان، وكذلك السعودية ومصر.
وبيّن المصدر أن البرهان وافق على لقاء نتنياهو لأن المسؤولين ظنوا أن ذلك سيساعد على "تسريع" عملية إخراج السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية.
من جانبها، ذكرت قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية أن نتنياهو التقى مع الرئيس الأوغندي يوري موسفني، وزعماء دول أفريقية أخرى كانوا في البلاد، دون مزيد من التفاصيل.
المعلق السياسي في قناة "كان"، عميحاي شتاين، قال إن "ثمة أهدافاً أخرى لزيارة نتنياهو إلى كمبالا تتجاوز توطيد العلاقات مع أوغندا"، مضيفاً أنه "كثيراً ما تحدث نتنياهو خلال العام الأخير عن تقصير مدة رحلة الطيران من إسرائيل إلى قارة أمريكا الجنوبية".
وأشار إلى أن "الطريق إلى هذا التغيير يمر عبر قارة أفريقيا، وبشكل أكثر دقة: السودان وتشاد ومالي والنيجر".
وأردف المحلل أن "إسرائيل" لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية إلا مع واحدة من هذه الدول وهي تشاد، مضيفاً: "خلال الفترة الأخيرة تحدثت تقارير عديدة عن اتصالات لاستئناف العلاقات، أو على الأقل ظهور العلاقات العلنية مع باقي تلك الدول".
وتردد تطبيع السودان لعلاقاته مع "إسرائيل" خلال الفترة الماضية بشكل كبير، خصوصاً مع سعي مجلس السيادة لإزالة اسم سودان من اللوائح الأمريكية في دعم الإرهاب، وهو ما استغلته واشنطن في ضغوطها، رغم تأكيد المتحدث باسم المجلس السوداني، محمد الفكي، أن الخرطوم ملتزمة تجاه القضية الفلسطينية، وأنها لا تقوم بشيء بمعزل عن الإجماع العربي، بحسب مقابلة له مع وكالة "الأناضول"، في سبتمبر 2019.
كما أن شكر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للبرهان على قيادته السعي للتطبيع مع تل أبيب يشير إلى وجود ضغوط أمريكية على الخرطوم.
يضاف إلى ذلك دعوة بومبيو، في بيانه الصادر الثلاثاء (4 فبراير 2020)، رئيس مجلس السيادة السوداني إلى زيارة واشنطن للقائه في وقت لاحق من العام.
إقبال دول الحصار
لكن وفي ظل تعرض تلك الدول لضغوط أو ابتزازات من قبل الولايات المتحدة أو من قبل دول خليجية بقطع المساعدات عنها، قد يدفعها للخضوع، كأبوظبي التي بدت كعراب اللقاء بين نتنياهو والبرهان.
وتُظهر الشهور الماضية إقبالاً خليجياً مبالغاً (السعودية والإمارات والبحرين) للتطبيع مع "إسرائيل"، ونسج علاقات تتجاوز تلك التي في مصر والأردن أيضاً.
وقطار التطبيع لهذه الدول مع "إسرائيل" لم يتوقف في الفترة السابقة؛ من نشاطات رياضية وثقافية واقتصادية، وبالطبع سياسية، وصولاً إلى بناء أبوظبي لأول "كنيس" يهودي في جزيرة العرب.
كما أن حضور سفيري أبوظبي والمنامة لإطلاق "صفقة القرن" من واشنطن يحمل دلالات على ضلوع هذه الدول في تمرير الصفقة وتمويلها على حساب معاناة الشعب الفلسطيني وحقه في استعادة أراضيه.
وتتضمن الخطة، التي يرفضها الفلسطينيون، إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة "أرخبيل" تربط بينه جسور وأنفاق، بلا مطار ولا ميناء بحري، وعاصمتها "في أجزاء من القدس الشرقية"، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة مزعومة لـ "إسرائيل".
ورغم غياب السعودية عن إعلان "صفقة القرن" فإنها كانت حاضرة عبر بياناتها التي أيدت جهود ترامب في صفقته تلك، داعية الأطراف إلى الحوار على عكس الموقف الذي يجب أن تخرج به دولة بثقلها في المنطقة، متخلية عن مبادرة السلام العربية التي طرحت في بيروت عام 2003، والتي دعت لاستعادة الأراضي الفلسطينية على حدود 67، وإيجاد حل عادل للاجئين الفلسطينيين وإعادة الجولان المحتل.
كما أن هذه الدول لا تتخذ مواقف مقربة من دولة الاحتلال سياسية فقط، بل تمارس أدواتها الإعلامية ترويجاً مبطناً للتطبيع على مدار 24 ساعة وبشكل يومي، ويرجح أن يكون لها دور مركزي في الضغط على دول عربية أخرى للتطبيع مع "إسرائيل" بما يخدم ترامب الساعي لحيازة فترة رئاسية ثانية، ونتنياهو الملاحق بتهم فساد.