أندريس كريج - ميد إيست آي - ترجمة الخليج الجديد-
مع شروع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في تنفيذ خطته لضم الضفة الغربية، يتم تسليط المزيد من الضوء على العلاقات بين الدافئة بين الإمارات و(إسرائيل) في السنوات الأخيرة.
وبالرغم أن سفير الإمارات في واشنطن "يوسف العتيبة" اتخذ موقفا قويا ضد الضم المخطط له في مقال رأي نُشر في أحد الصحف العبرية، إلا أن التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب من غير المرجح أن يكون مرتبطا بسياسة (إسرائيل) تجاه الفلسطينيين.
وتتجاوز العلاقة بين الإمارات و(إسرائيل) المصالح الجيوسياسية والتجارية والأمنية العميقة، وهي أقرب إلى كونها علاقة تعاون أيديولوجي مرنة.
مواجهة إيران
في حين لا تتمتع الإمارات و(إسرائيل) بعلاقات دبلوماسية رسمية، يقدر أن حوالي 3 آلاف يهودي يعيشون في أبوظبي ودبي، والعديد منهم يحملون جنسية مزدوجة.
ومع أن الإمارات دولة بلا أي تراث يهودي، قامت الجالية اليهودية المتنامية في الإمارات بفتح حساب رسمي على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعد دلالة على العمق الذي اكتسبته العلاقات بين الإمارات والدولة العبرية خلال العقد الماضي.
ومنذ عام 2015، أصبح لـ(إسرائيل) تمثيل رسمي في الإمارات، من خلال الوكالة الدولية للطاقة المتجددة التي يقع مقرها في أبوظبي، حيث زار المسؤولون الإسرائيليون الدولة الخليجية بشكل متكرر.
وبالرغم من أنهما لا يبدوان ثنائيًا منسجما للوهلة الأولى، فإن التقارب الثنائي بين الإمارات و(إسرائيل) غالبًا ما يُفسر على أنه زواج مصالح يهدف إلى تحقيق هدف مشترك وهو مواجهة إيران.
ففي عام 2009، بعد وقت قصير من تنصيب الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، تعاونت الحكومتان الإسرائيلية والإماراتية للمرة الأولى في الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أقوى ضد الجمهورية الإسلامية.
وبعد سنوات من التفاوض عبر وسطاء، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" مع وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" في أحد فنادق نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012، وناقشا بشكل مباشر قلقهما المشترك بشأن النشاط الإيراني في المنطقة.
ولكن، في حين استثمرت أبوظبي الملايين في ممارسة حملات الضغط على إيران على مر السنين، عبر المراكز البحثية المؤيدة لـ(إسرائيل) في واشنطن أحيانًا، إلا أنها اتخذت منعطفًا في سياستها تجاه إيران في عام 2019 بعد صمت الولايات المتحدة على هجمات إيران المباشرة على البنية التحتية للنفط السعودي.
وأدركت الإمارات آنذاك أن عبء أي حرب مع الجمهورية الإسلامية سوف تتحمله دول الخليج وحدها في نهاية المطاف، وعلى هذا النحو، لا يمكن للمصالح الجيوسياسية المشتركة وحدها أن تفسر دفء العلاقات بين الإمارات و(إسرائيل).
تضامن أيديولوجي
وفيما يبدو، يعتمد الكثير من دفء هذه العلاقة على التضامن الأيديولوجي المشترك بين أبوظبي وتل أبيب في مواجهة الإسلام السياسي، والموقف المعادي لكل منهما تجاه ثورات الربيع العربي.
وكانت (إسرائيل) منذ فترة طويلة تخشى الإخوان المسلمين، مثلها مثل أبوظبي، ونتيجة لذلك، فإنها اعتبرت صعود الإسلاميين في أعقاب الثورات مصدر قلق أمني كبير.
وفي برقية أمريكية مسربة، نُقل عن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، تحفظات قوية بشأن إجراء انتخابات حر في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الديمقراطية في المنطقة ستُمكن "الإخوان المسلمون" و"حماس" و"حزب الله" على المدى القصير، وهي ذات الحجج التي يرددها السياسيون والمحللون المحافظون في (إسرائيل) مرارا وتكرارا.
ويصف المحللون العبريون الربيع العربي بأنه "شتاء عربي"، وهو يرون أن العرب كانوا بحال أفضل في ظل الحكم الاستبدادي، وهي فكرة جوهرية في السردية الإماراتية المضادة للثورات، القائمة على مبدأ "الاستقرار الاستبدادي".
وبالمثل، فإن الحملات الإعلامية الإماراتية التي تتهم قطر وتركيا برعاية الإرهاب، تحظى بتأييد واسع النطاق من قبل التيار المحافظ الجديد في (إسرائيل).
كما لعبت (إسرائيل) دورًا أساسيًا في صعود الإمارات كقوة إعلامية وسيبرانية إقليمية، ففي الوقت الذي نمت فيه العلاقات التجارية بين البلدين في مجالات مختلفة، بما في ذلك الشحن والاستثمار.
وزودت الشركات الإسرائيلية أبوظبي بقدرات متخصصة في مجال التجسس السيبراني وتحليل البيانات الضخمة للنهوض بالمصالح الإماراتية الإسرائيلية المشتركة.
وفي المقابل، دفعت دولة الإمارات مبالغ باهظة لشركات إسرائيلية مثل "دارك ماتر" و"NSO Group" للاستفادة من خبرات خبراء الإنترنت الإسرائيليين، بما في ذلك قدامى الخبراء في "الوحدة 8200" التابعة للجيش الإسرائيلي، وذلك من تعزيز قدرتها على اختراق الهواتف وجمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة الإسلاميين والمعارضين العرب وحتى قادة الخليج المنافسين.
وهكذا، ففي حين أن العلاقات العسكرية بين (إسرائيل) والإمارات لا تزال تقتصر على التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الحين والآخر، فقد تم توظيف متخصصين عسكريين وأمنيين إسرائيليين متفرغين أو متقاعدين للعمل في الشركات العسكرية والأمنية الإماراتية الخاصة.
وأصبح من كانوا في القوات الخاصة الإسرائيلية سابقًا بنادق للإيجار، لتعقب الإسلاميين في اليمن أو لمساعدة الجنرال المدعوم من أبوظبي "خليفة حفتر" في ليبيا في قتاله ضد الحكومة التي ترعاها الأمم المتحدة في طرابلس، ويصعب تصديق أن هذا يمكن أن يحدث بدون موافقة الأجهزة الأمنية الرفيعة في الدولة العبرية.
وعلى النقيض من ذلك؛ تدهورت علاقة أبوظبي مع السلطة الفلسطينية، ناهيك عن حركة "حماس"، التي تعتبرها كل من (إسرائيل) والإمارات منظمة إرهابية.
ودأب ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" على وصف "حماس" مرارًا وتكرارًا بالمنظمة الإرهابية أثناء جلساته الخاصة، رغم أن الحركة لم تصنف رسميا على قوائم الإرهاب الإماراتية، وأبدى "بن زايد" مرارا ازدراءه للقيادات الفلسطينية، في محادثات مع دبلوماسيين غربيين.
نظام إقليمي جديد
بالنظر إلى هذه الشراكة الأيديولوجية العميقة بين "نتنياهو" و"بن زايد"، فإن رغبة (إسرائيل) في أن تلعب الإمارات دورا قياديا في "مبادرة السلام" البائسة التي طرحتها إدارة "ترامب" لا تبدو مستغربة.
وليس من المستغرب أيضا أن مستشار "ترامب" وصهره، "جاريد كوشنر"، يتخذ نظرة ولي عهد أبوظبي إلى القضية الفلسطينية، كدليل على تسامح العرب مع فكرة التفريط في فلسطين.
تتناسب خطة الضم -رغم أنها لم تكتمل بعد- مع حل "كوشنر" للدولة الواحدة، وهو أمر قال دبلوماسي غربي أن "بن زايد" وافق عليه بالفعل في محادثة خاصة مع صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
وهكذا، ففي حين أن أبوظبي قد تكون متوترة بشأن الكيفية التي قد ينظر بها الجمهور المحلي إلى تأييد الضم الإسرائيلي للضفة، فإن حكامها يفهمون أن الرفض العلني للتصرفات الإسرائيلية قد يكون كافيا لحفظ ماء وجههم، دون الإضرار بالعلاقة الاستراتيجية مع دولة الاحتلال، التي ترى الإمارات أنها أكثر بكثير من مجرد زواج مصالح.