الخليج الجديد-
حالة من القلق لايزال يثيرها الوضع الصحي الهش لأمير الكويت "صباح الأحمد الجابر الصباح" داخل الإمارة الخليجية الصغيرة التي كانت أول إمارة ترسي برلمانا منتخبا في عام 1962، خاصة بعد إعلان سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودخوله مستشفى "مايو كلينك" في رويتشستر بولاية مينسوتا.
وعزز من حالة القلق حول صحة الأمير أن سفره إلى الولايات المتحدة جاء بعد خضوعه لعملية جراحية، مساء الأحد الماضي، وصدور مرسوم أميري بالاستعانة بولي العهد "نواف الأحمد الصباح" لممارسة بعض اختصاصات الأمير الدستورية مؤقتا.
ومع تقدم سن الأمير، الذي تجاوز الـ90 عاما، وإفادة موقع "تاكتيكال ريبورت"، المتخصص في نشر معلومات الاستخبارات بالشرق الأوسط، بأنه واجه نوبة متجددة من الدوار وصعوبة في التنفس وخفقان في القلب قبل دخوله للمستشفى، باتت مسألة "خلافة الأمير" في صدارة الاهتمام، ليس فقط لمراقبي الشأن الكويتي بل والخليجي أيضا.
فالكويت التي تعاني من تكرار الأزمات السياسية وتغيير الحكومات وحل البرلمانات، لعبت مؤخرا دور بارزا في الوساطة الإقليمية، خاصة بين أطراف الأزمة الخليجية، استنادا إلى خبرة أميرها، الذي شغل، قبل ارتقائه عرش البلاد، منصب وزير الخارجية لأربعة عقود متتالية (من 1963 إلى 2003).
ويتمتع الأمير "صباح" بحس دبلوماسي عريق تغلب عليه سياسة الحياد وعدم الانحياز التي يطبقها باحترافية كبيرة وعلى وجه التحديد في منطقة الخليج العربي، مسرح التوترات الإقليمية مع إيران، التي لها تمثيل دبلوماسي في الكويت، والاحتكاكات بين قطر والممالك والإمارات البترولية الملكية المجاورة لها كالمملكة العربية السعودية.
وبينما كان مجلس التعاون الخليجي على وشك الانهيار الرسمي، عام 2017، بعد نشوب أزمة خطيرة قطعت على أثرها السعودية والإمارات والبحرين العلاقات مع قطر؛ دخل أمير الكويت على الخطوط الأمامية من المفاوضات طارحا على الطاولة كارت التهدئة ومعلنا أنه يبذل ما بوسعه لتجنب تصعيد عسكري بين الفرقاء.
وعلى المستوى الدولي، حافظ أمير الكويت، التي حررها تحالف عسكري قادته واشنطن بعد الغزو العراقي عام 1990، على تعاون مستمر مع الجيش الأمريكي، ويرتبط البلدان باتفاقية دفاع "DCA" منذ عام 1991 تحتفظ الولايات المتحدة بموجبها بأكثر من 13000 جندي في الإمارة التي تمثل نقطة عبور استراتيجية للقوات الأمريكية التي تخدم في العراق وأفغانستان.
نظام الحكم
ولذا سلطت وعكة الأمير الأخيرة مزيدا من الضوء على النقاشات حول هوية الحاكم المقبل للكويت، التي يقوم نظام الحكم فيها على توارث السلطة بين أبناء أسرة "آل الصباح" التي تحكم الكويت منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.
ويخضع اختيار الأمير في الكويت لـ3 قواعد حددها دستور البلاد الذي ينظم عملية انتقال السلطة، وهو الدستور الخليجي الوحيد الذي يعطي البرلمان (مجلس الأمة) صلاحية بأغلبية ثلثي الأعضاء لحسم مصير هوية أمير البلاد أو ولي عهده.
وتأتي تلك الصلاحية كمعيار 3 لقبول ترشيح خليفة "الأمير" بعد "اللياقة الصحية" و"التوافق العائلي"، وفي حال فقدانهما أو فقدان أحدهما يحسم مجلس الأمة الخلاف بموجب مواد الدستور الكويتي الثالثة والرابعة والثامنة.
وقد مارس المجلس هذه الصلاحية بالفعل عام 2006، عندما كان الشيخ "سعد العبدالله السالم الصباح" وليا للعهد، لكنه واجه اعتراضات من داخل أسرة "الصباح"، ترتبط بوضعه الصحي المتردي، وهو ما لقي صدى داخل المجلس، الذي اجتمع وقرر بأغلبية الثلثين تنصيب الأمير الحالي، الذي كان رئيسا للحكومة آنذاك.
وعليه فإن وجود ولي العهد على قيد الحياة ليس حاسما لتسميته أميرا بالكويت، إذ يتوجب عليه تحقيق "التوافق العائلي"، بجانب تمتعه بوضع صحي يستطيع من خلاله ممارسة صلاحيات منصبه.
"نواف الأحمد"
ووفق ما سبق، فإن تولي ولي العهد الكويتي الشيخ "نواف الأحمد الجابر الصباح" كأمير للكويت يبدو مرجحا لكنه ليس محسوما، في ظل تجاوز الثمانين من عمره، وخضوعه لعدة عمليات جراحية، ورحلات علاج داخل وخارج الكويت.
وتشير مصادر "تاتيكال ريبورت" إلى أن صحة الشيخ "نواف" جيدة حاليا، كما أن عامل كبر السن لا يعتبر عنصر سلبيا في اختيار أمير الكويت، إذ جرت عادة أفراد أسرة "الصباح" على اختياره من بين المعمرين بالأسرة في عرف يقوم على حصر وراثة المنصب في الكبار من الممارسين للعمل السياسي، ولم يشهد تاريخ البلاد السياسي الحديث تجاوزاً لهذا العرف عبر الانتقال جيل الكبار إلى من هم أصغر عمراً.
وفي هذا الإطار، جاء ترجيح عديد المراقبين لخلافة الشيخ "نواف"، ذي الـ84 عاما، لأمير الكويت الحالي، لكنهم يشيرون إلى أن اختيار "ولي العهد المقبل" ربما يشهد خلافا بين أفراد أسرة "الصباح" أكثر من منصب الأمير ذاته.
ولذا لا ترجح مصادر "تاكتيكال ريبورت" أن تتم تسوية اختيار أمير الكويت المقبل وولي عهده على الفور، إذ ربما تستمر عملية المداولات بين أفراد العائلة الحاكمة عدة أسابيع، خاصة في ظل تقدم سن الشيخ "نواف".
وعزز من هكذا ترجيح أن المصادر ذاتها نقلت عن بعض أعضاء العائلة، الأحد، أن أمير الكويت الحالي دعاهم إلى اجتماع خلص إلى مساند الشيخ "نواف" بقوة خلال المرحلة المقبلة، وهو ما وافق جميع الحاضرين عليه، لكن دون تسمية ولي العهد المقبل في حال تولي ولي العهد الحالي مقاليد البلاد.
ورغم الاعتقاد السائد بين أفراد العائلة بأن الشيخ "نواف" اتفق مع الأمير على اسم "مشعل الأحمد الجابر الصباح"، الأخ غير الشقيق للأمير، نائب رئيس الحرس الوطني، لولاية العهد المقبلة، لكن شيئا من ذلك لم يكن محل تصريح لا في الاجتماع ولا في أي من وسائل الإعلام.
"ناصر الصباح"
كما أن عدة شخصيات من عائلة "الصباح" لا تزال مرشحة لتصبح في دائرة الضوء عند اجتماع العائلة لاختيار أمير جديد للبلاد، فضلا عن ولي عهده، بينها نجل الأمير الحالي، الشيخ "ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح"، وزر الدفاع السابق.
وينظر كثير من الكويتيين للشيخ "ناصر الصباح" على أنه محارب للفساد في بلد يكافح لمواجهة تلك الظاهرة، ومع ذلك فإن ذلك لا يمنحه أفضلية في تولي قيادة البلاد، في ظل مؤشرات على أن الاعتراضات على تعيينه قد تنشأ من داخل عائلة "الصباح" ذاتها.
ويعود ذلك إلى قيام الشيخ "ناصر" العام الماضي باتهام زميله في الحكومة، وزير الداخلية الشيخ "خالد الجراح الصباح"، باختلاس مئات ملايين الدولارات إبان قيادته لوزارة الدفاع قبل الداخلية.
وبدا أمير الكويت الحالي آنذاك غير سعيد بتراشق الاتهامات بالفساد بين اثنين من أفراد أسرة "الصباح" في وسائل الإعلام، وهو ما انتهى بإقالة الحكومة ورئيسها الشيخ "جابر المبارك الصباح"، الأمر الذي رآه مراقبون خصما من فرصة الشيخ "ناصر" في خلافة الأمير.
وبإضافة وجود أخوين للأمير الحالي (الشيخ "نواف" والشيخ "مشعل") على قيد الحياة، إلى ما تعارفت عليه أسرة "آل الصباح" تاريخيا من إيثار "الأكثر خبرة"، فإن فرصة "ناصر الصباح" كمرشح لخلافة أمير الكويت تبدو مرجوحة وإن كانت قائمة.
مرشحون آخرون
ثمة تقديرات أخرى تشير إلى أن رئيس الحكومة المستقيل "جابر الصباح" من بين هؤلاء الذين يمكنهم الحصول على قبول العائلة الحاكمة، خاصة في ظل "الامتنان" الذي أبداه أمير الكويت الحالي إزاء عمله بالحكومة (طالع تغطية الخليج الجديد بشأنه).
وإلى جانب الشيخ "جابر"، فإن رئيس الحكومة الحالي، الشيخ "صباح خالد الحمد الصباح"، ورئيس الشيخ الأسبق "ناصر محمد الأحمد الجابر الصباح"، مرشحون أيضا لخلافة الأمير.
وتستند تلك التوقعات لكون تلك الشخصيات هي الظاهرة على الساحة السياسية من رجال أسرة "الصباح"، وتسلم كل منهم عدة مناصب حكومية رفيعة، ولا يُعتقد أن تضم دائرة الاختيار غيرهم.
ووفق معطيات الواقع وتسريبات الكواليس، يبدو من غير المتحمل أن تكون عملية اختيار خليفة أمير الكويت مثيرة مثلما كان الوضع في عام 2006، في ظل مؤشرات ترجيح خلافة الشيخ "نواف"، ولكنها ستكون عملية "طويلة" على الأرجح، في ظل غياب المؤشرات ذاتها فيما يخص ولي العهد المقبل.