أحمد شوقي- راصد الخليج-
تحولت سياسات الخليج في السنوات القليلة الماضية من الالتزام بالحدود الدنيا من الثوابت العربية الى التفريط التام بها، ومن التخفي في ممارسة التطبيع والتعاون مع العدو الاسرائيلي الى الاعلان التدريجي والذي اعتبرت الخطوة الاماراتية الاخيرة المعلنة بالتطبيع مع العدو واقامة علاقات معه، تتويجاً لمسار كامل، بدأ من التهاون والتفريط وانتهى بالالتحاق بمعسكر العدو.
لا توجد شواهد تاريخية تخدم فكرة ان التطبيع يمكن ان يجلب مصالح لفلسطين ولا حتى للدول التي تعتمد هذا الخيار، فضلا عن خروجه عن الثوابت العربية وتنافيه مع كامل القيم والاخلاقيات.
شعوب الخليج هي جزء من الشعوب العربية والاسلامية والتي تمتلك وجدانا معاديا للصهاينة وتعاطفا فطرياً مع اخوة الدم في فلسطين، ولكن لم تستطع هذه الشعوب التعبير عن تضامنها بفعل الانظمة القمعية وكذلك بفعل الآلة الاعلامية التي شوهت المقاومين وشرعنت للتفريط والخيانة.
نشهد حالياً مؤشرات خطيرة على تحولات مخزية لدى اعلاميين ورجال دين كانت لهم مواقف صلبة من العدو ومن مسألة التطبيع واقامة العلاقات معه، ولكن هناك تبدل في المواقف يبرر ويسوغ ويشرعن، وهو مايلقي بظلال خطيرة حول المستقبل القريب في الخليج وحتمية بروز مواقف شعبية توقف هذا المسار الخطير والمخزي في آن.
يحاول المبررون الدخول من باب المصلحة الشخصية لأمن الخليج، بعد فشل الدخول من باب مصلحة الفلسطينيين والقضية، وذلك بعد رفض الفلسطينيين بجميع اطيافهم، وبعد نفي نتنياهو لأكذوبة وقف الضم التي حاول المطبعون ترويجها لتبرير الجريمة.
وهنا نناقش سريعاً، هل ان التطبيع سيكون في مصلحة الامارات والخليج، ومصلحة الأمن القومي الخليجي، أم أنه مصلحة اسرائيلية خالصة ووبال على الخليج وشعوبه.
مبدئيا، تقوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، على مفهوم رسم خريطة إستراتيجية للدول العربية، مقسمة إلى ثلاث دوائر إستراتيجية:
الدائرة الأولى والأهم: دائرة وادي النيل، وتقودها مصر.
الدائرة الثانية: دائرة الشام، ويتنافس على قيادتها كل من العراق وسورية.
الدائرة الثالثة: دائرة الخليج، وتشكل المملكة العربية السعودية الدولة المركزية فيها.
وقد أضاف "اريل شارون"، دائرتين أخريتين، وهما الدائرة الإسلامية: وهي الدول الإسلامية النشيطة، خاصة إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى.
والدائرة الإفريقية، وهي دائرة دول منابع النيل (شرق ووسط إفريقيا) وكذلك الدول المشرفة أو ذات التأثير على البحر الأحمر.
وتفيد التقارير الاستراتيجية بأن إستراتيجية (إسرائيل)، بالنسبة للأمن، تقوم على عدة أسس:
أ. منع التقارب والتنسيق ما بين الدول، التي تقود هذه الدوائر، وخاصة دائرتي وادي النيل والشام.
ب. محاولة تشجيع عمليات الانشقاق داخل كل دائرة، خاصة دائرة الشام.
ج. تبني إستراتيجية (إسرائيل) بالنسبة للدول الإسلامية، على أساس منع أو عرقلة حدوث أي تماس أو تنسيق، بين الدائرة الإسلامية ودائرة الخليج العربي.
والمراقب للاحداث بالمنطقة يرى تطابقا مع هذه الاستراتيجيات، وانعكاسا لها يشي بأن تنفيذها يتم بدقة وبجدية بالغة.
وقد بُنيت نظرية الأمن الإسرائيلي على عدة اعتبارات، مثل ضيق رقعة الأرض، وصغر حجم الدولة، وكذلك قلة عدد السكان نسبياً، وإحاطتها بدول معادية، وغير قابلة لوجودها.
وكذلك بعدها عن أصدقائها، وتعرض خطوط مواصلاتها معهم لردود فعل المتغيرات الدولية.
وبالتالي فالعدو يبحث عن توسع وامتلاك موطئ قدم ونفوذ في رافئ مفتوحة وتغيير ايدلوجية العداء وحرف مسار الصراع.
تفيد التحليلات الرصينة، بأن التحالف بين العدو والخليج سيفتح للعدو سوقاً عربية كبيرة، وستقيم (اسرائيل) علاقات عسكرية وأمنية، تصبح الأساس في أية علاقات عربية أو إقليمية.
وكما قالت جريدة البناء في افتتاحيتها، إن الاتفاق "يقدم للكيان فرصة تحقيق الحلم التاريخي لبن غوريون بالانتقال بمرفأ حيفا إلى مرفأ الخليج على البحر المتوسط بدلا من مرفأ بيروت.
وهذا الموضوع ليس تكهنا، فقد كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية تفاصيل مبادرة مشروع للسكك الحديدية طرحه وزير المواصلات يسرائيل كاتس على مسؤولين إماراتيين خلال زيارته للإمارات العام الماضي، وبين كاتس خلال زيارته لأبوظبي أن المبادرة تشمل ربط السعودية ودول الخليج مرورا بالأردن بشبكة السكك الحديدية الإسرائيلية وميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط.
هي منفعة في اتجاه واحد، وهو الصهيوني، فماذا سيجني الخليج من علاقته بالصهاينة غير الرضا الامريكي والسخط العربي والاسلامي وتوتر العلاقات مع الجيران والذي قد يتطور لصراع مسلح تقع اراضي الخليج بما تحمله من قواعد امريكية ومصالح صهيونية ضحية له!
حتى في مجال المنفعة العسكرية والتي حاولت الامارات اقناع شعبها بها، فقد كشفت صحيفة إسرائيلية أن اتفاق السلام بين العدو والإمارات يتضمن بنداً سرياً يتيح للإمارات الحصول على أسلحة أمريكية متطورة. لكن مسؤولين إسرائيليين أكدوا رفض بلادهم بيع الأسلحة الأمريكية المتطورة لأي من دول الشرق الأوسط!
وان كانت الامارات ستصبح حليفة للصهاينة فلمن توجه اسلحتها؟
هو عداء للداخل العربي والاسلامي دون اي منافع لشعوب الخليج غير تمزيقها بين موروثها وقيمها ووجدانها وبين فكر صهيوني دخيل يراد شرعنته دون اي مصداقية او وجاهة.
انه مسار خطير، ويزيد من خطورته الصمت الشعبي وخروج الرأي العام من اية معادلات لاتخاذ القرار.