أنيل شلين- ستيتكرافت – ترجمة الخليج الجديد-
انطلقت موجة من التعليقات في أعقاب إعلان 13 أغسطس/آب بشأن تطبيع العلاقات بين الإمارات و(إسرائيل)، حيث ناقش المراقبون مدى كون الصفقة تاريخية كما زعمت إدارة "دونالد ترامب"، وتأثيرها على القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها، حال اتخذت دول أخرى خطوات مماثلة.
بدأت التحليلات بالحديث عن استطلاعات الرأي العام حول الصفقة، حيث يرى الأكاديمي الأمريكي "جيمس زغبي" أن قضية فلسطين أصبحت أقل حضورًا بين الجمهور العربي من استطلاعات الرأي السابقة. وذكر أن "المواقف في جميع أنحاء العالم العربي شهدت تغيرًا جذريًا في السنوات القليلة الماضية".
عند النظر في مسألة الرأي العام ردًا على الصفقة الإماراتية الإسرائيلية، من المهم إدراك أن المشاركين في الاستطلاع قد يشعرون بأنهم مضطرون للتعبير عن دعمهم للصفقة. على سبيل المثال، أخبرني صديق في السعودية أنه تلقى مكالمة تطلب رأيه في الصفقة، ورد صديقي بأنه مشغول للغاية، لأنه يعلم أن النقد يمكن أن يغضب السلطات السعودية.
وبالرغم من المخاطر، تؤكد استطلاعات الرأي العام السعودية معارضة قوية للتطبيع مع (إسرائيل)، مما أثار شكوكًا في أن السعودية سوف تطبع في أي وقت قريب، بالرغم من ضغوط "ترامب" و"كوشنر".
وقد يتردد المواطنون الإماراتيون الذين يعارضون الصفقة بشكل خاص في التعبير عن استيائهم، بسبب إدراكهم لاحتمال توجيه الاتهامات إليهم في دولتهم الصغيرة التي تخضع لرقابة شديدة.
بالرغم من عزو قرار الإمارات بالتطبيع مع (إسرائيل) إلى مخاوفها بشأن التهديد الذي تشكله إيران، إلا أن هذا لا يبدو السبب الرئيسي وراء بيع "محمد بن زايد" الفلسطينيين فالشاغل الأساسي له ليس إيران، فهو يمتلك أفضل جيش في المنطقة، بصرف النظر عن الجيش الإسرائيلي، ويعلم أنه من غير المرجح أن تجرؤ إيران على مهاجمة أراضيه بشكل مباشر.
يكمن قلق "بن زايد" الأساسي في التهديد الداخلي الذي تشكله الجماعات الإسلامية، وخاصة جماعة "الإخوان المسلمين". وتفسر هذا الكراهية تجاه الإسلاموية قرار الإمارات دعم عدوها السابق، نظام "الأسد" في سوريا، ضد الجماعات الإسلامية العاملة هناك.
كما دفع معاداة الإسلاموية الإمارات إلى دعم الجنرال "خليفة حفتر" ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والتي تدعمها تركيا، وهنا فإن مشاركة الإمارات في ليبيا تدور حول معارضة الرئيس التركي ذي التوجهات الإسلامية.
في أعقاب الانتفاضات العربية، برزت الجماعات الإسلامية باعتبارها أهم اللاعبين السياسيين القادرين على الاستمرار في الصمود أمام عقود من هجمات الحكومات الاستبدادية على المجتمع المدني العربي. وخوفا من تمدد نفوذهم، عملت الإمارات مع السعودية لضمان عدم وصول "الإخوان المسلمين" إلى السلطة الحقيقية في مصر، بالرغم من توليهم الرئاسة لفترة وجيزة.
واستخدمت الإمارات القوة العسكرية لمواجهة الجماعات الإسلامية من ليبيا إلى سوريا إلى اليمن، مما يدل على تصميم "بن زايد" على منع مثل هذه الجماعات من الوصول إلى مناطق نفوذ إضافية. بخلاف "حماس" في فلسطين، لا تسيطر أي جماعة تابعة للإخوان المسلمين أو مستوحاة منها حاليًا على حكومة في المنطقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى جهود الإمارات.
ولكن لا تزال فلسطين قضية محورية للإخوان المسلمين وأنصارها وفروعها المحلية المختلفة التي تمتد من المغرب إلى اليمن.
لطالما استخدم الحكام العرب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كمنفذ مناسب لشعوبهم للتنفيس عن الغضب والاستياء. وكانت حرب عام 1967 التي شنتها الحكومات العربية ضد (إسرائيل) في أحد أسبابها نتيجة لإذكاء القادة نيران الرأي العام ضد (إسرائيل) إلى أن أصبحت الحرب حتمية.
اكتسبت جماعة الإخوان شعبية لارتباطها بقضية فلسطين. بالنسبة لـ"بن زايد"، فإن القضاء على قضية فلسطين كموضوع يوحد الجماهير العربية، غالبًا ضد حكامهم، هو أمر مرغوب فيه لحاكم مهتم في المقام الأول باحتمال الاضطرابات الداخلية. كما أن المستبدين العرب الآخرين سوف يستمتعون بالمثل بفرصة نزع ورقة قوة الإخوان المسلمين، والتي يرتبط دعمها جزئيًا بإشارات الجماعة المتكررة إلى قضية فلسطين.
حتى الآن، قد تؤدي جهود "بن زايد" لتقويض الإخوان المسلمين، عبر القضاء على القضية الفلسطينية إلى بقاء "بن زايد" معزولا. فقد كانت أصابع الاتهام تشير في البداية إلى السودان والبحرين وعُمان ودول أخرى على أنها قطع الدومينو المحتملة في السقوط، لكنها لا تبدو على استعداد للتطبيع رسميًا مع (إسرائيل). ومع ذلك، أصبحت العلاقات السرية مع (إسرائيل) الآن هي القاعدة السائدة في معظم أنحاء المنطقة، ومن المرجح أن تتعزز.
أصبحت الشعوب العربية على دراية بتيار التطبيع الزاحف، وبعضهم لم يعد يشعر بالقدرة على التنفيس عن غضبه بتوجيه الاتهام إلى (إسرائيل). ومن خلال عدم تزويد جماهيرهم بهدف آخر لغضبهم، يغامر المستبدون العرب بفرصة بقاء (إسرائيل) منفذا لتنفيس الغضب.
عندما لا تستطيع الشعوب إلقاء اللوم على (إسرائيل)، فمن المرجح أن يلوموا حكامهم على انتشار الفشل والفساد. وإذا واجهت الأنظمة حالة أخرى من الاضطرابات الجماهيرية، والتي من المحتمل أن تحدث نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط وتغيير العقود الاجتماعية خاصة في دول الخليج، فقد يندم "بن زايد" وغيره من الحكام على استعدادهم لبيع الفلسطينيين.