من الصحافة العبرية-
اتفاقات التطبيع بين إسرائيل واتحاد الإمارات فاجأت بصورة كاملة الكثيرين في إسرائيل، ووصفت أكثر من مرة بأنها إنجاز شخصي لرؤساء الدول الذين قاموا بحياكة التفاصيل سرا فيما بينهم. ولكن مثلما في أي عملية سياسية معقدة، التي في نهايتها الزعماء يحسمون ويقطفون الثمار، فان اشخاصا كثيرين وخطوات كثيرة مهدت الطريق منذ سنوات من أجل الوصول إلى الاحتفال الرسمي الذي سيجري في البيت الابيض.
في الحالة الخاصة لاتحاد الإمارات فان 25 سنة من الجهود الدبلوماسية الهادئة مهدت الطريق للاتفاق العلني. وخلافا للعلاقات مع الأردن ومصر، التي تجري في الغالب على أيدي جهات أمنية والتي أُهملت في المجالات المدنية، فانه هنا بنت وزارة الخارجية بهدوء وبطء أيضا علاقات مدنية مثمرة، موازية لتلك العلاقات الأمنية. الآن حيث تحولت العلاقات بين الدولتين إلى علنية فان عدد من ذوي العلاقة بهذه العمليات يمكنهم التحدث عنها بحرية أكبر.
الياف بن يمين، مدير التنسيق في مكتب مدير عام وزارة الخارجية، مسؤول عن العلاقات الخاصة بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية التي لا توجد لها علاقات رسمية معها. «كل شيء بدأ باوسلو، حيث جاء شمعون بيرس وقال لنا افتحوا الباب أمام العالم العربي» قال الياف واضاف «هناك بدأت الاتصالات. لقد بدأنا الحوارات معهم في واشنطن ونيويورك وأبو ظبي بمباركة الشخصيات الكبيرة، رويدا رويدا وبهدوء. وقد تم تشكيل طاقم خاص وكنا على الخط معهم، معظم النشاطات كانت في البداية اقتصادية من أجل أن ينمو من هناك المجال السياسي».
وأضاف الياف «في العام 2002 تم تسجيل اختراقة عندما أرادوا انشاء بورصة للألماس، وشاهدوا في بورصة رمات غان نموذجا. وقد أجرينا معهم محادثات حول ذلك وعشرات التجار الإسرائيليين دخلوا في النشاطات هناك. أكثر من أربعين تاجرا مسجلين الآن. في كل سنة هناك معرض كبير للمجوهرات ويمكن أن نرى فيه أيضا عددا غير قليل من الإسرائيليين المتدينين. هذه كانت إحدى المحطات الاولى. إضافة إلى ذلك استثمرنا هناك في المساعدة في التطوير الزراعي وفي مجال المياه. حتى بعد قضية المبحوح، انتهاء الأزمة تحول إلى فرصة. في 2017 تم فتح ممثلية لنا في وكالة الامم المتحدة للطاقة المتجددة في أبو ظبي. الموافقة كانت أن نكون هناك برعاية الوكالة. ولكن هذا شمل لافتة وعلم في الداخل. كل ذلك كان انطلاقة مهمة».
ضيوف ودبلوماسيون
الدكتور دان شوحم بن حيون هو رئيس البعثة الإسرائيلية لوكالة الامم المتحدة في أبو ظبي الآن، ومبعوث خاص للبحث التطبيقي. حتى الآن قلل من ظهوره في وسائل الإعلام بسبب الحساسية التي توجد في إقامة العلاقات. البعثة التي يترأسها كانت موطيء قدم رسمية وعلنية اولى لإسرائيل في الخليج الفارسي. وحسب قوله فان «إسرائيل أيدت إقامة الوكالة في اتحاد الإمارات. وعندما تم فتحها حصلنا على فرصة كي نفتح هناك ممثلية متشعبة. هذه فرع لمنظمة دولية مقرها في أبو ظبي. وأنا اعتقد بأننا تصرفنا بحكمة عندما حرصنا خلال كل هذه السنين على التمسك بهذا التفويض الذي منح لنا. وقد عملنا هناك بالأساس بالقدرة على عرض التكنولوجيا الإسرائيلية في الدولة في مجال الطاقة المتجددة والبناء الاخضر».
واضاف بن حيون بأن «القدم الثانية لنا كدبلوماسيين كانت أيضا فهم الدولة والثقافة وسلم الأولويات لديهم وعما يتحدثون وكيف يتحدثون. في شبكة العلاقات من المهم فهم الطرف الآخر، ما الذي يعتبره مهم، هذا ألف باء في هذا الموضوع. الأمر الهام ليس فقط ماذا أريد، بل أيضا ماذا يريد الطرف الآخر. لذلك، حضورنا العلني على الأرض كدبلوماسيين إسرائيليين إلى جانب مجال العمل في الوكالة ساهم أيضا في التعرف مباشرة وبدون وسطاء على النظام الاجتماعي والاقتصادي وكيفية اتخاذ القرارات في الدولة، كمراقبين وكمراقبين لهم. ضيوف. عندما تكون ضيف فأنت تحترم وتوافق على الشروط المرافقة لكونك ضيف ودبلوماسي».
بن حيون قال: «قدرة الطرفين على فهم بعضهما واحترام بعضها ساهم في بناء الثقة المتبادلة قبل الخطوة التالية. عندما تكون دبلوماسي جدي ومهني فأنت تبث لهم بأنه من الجيد الاستمرار. وقد رأوا بأنه يوجد لديهم حليف جدي. لقد كانت هناك صورة إسرائيلية دقيقة وحضورنا سمح لنا ولهم بالتعرف على بعضنا البعض. وفهمنا العميق لما هو هام بالنسبة لهم ساعد على بناء الإطار لعلاقات ستمكن السفارة التي ستقام من أن تكون اكثر تركيزا. على سبيل المثال، نحن فهمنا كم هي مهمة لهم مجالات الأمن والغذاء والزراعة الصحراوية. هذه المجالات هي أيضا القاعدة الآن لاتفاقات التطبيع القادمة. هذه الخطوة هامة لنا وأنا اعتقد بأنها مهمة لهم أيضا. هم يلتزمون بذلك بصورة داخلية عميقة».
بن يمين قال: «الاتفاق الحالي هو وليد هذه الجهود واندماج للفرص التي نضجت. لقد أرادوا بمبادرة منهم المزيد من الحوار معنا. معاهد البحث لديهم، مثلا، أشركتنا في الحوارات الاستراتيجية. من هذا المجال الاقتصادي تم التقدم إلى الاتصالات السياسية والعلاقات الشخصية المباشرة والأفضل مع شخصيات رفيعة ورئيسية، وحتى زيارات سرية متبادلة، أو استشارات طبية ومعرفة حميمة. هكذا فان البيان الذي جاء قبل ثلاثة اسابيع لم يولد في فراغ».
علاقات علنية
التقدم في العلاقات خلال هذه السنين كان له أيضا جوانب مكشوفة. مثلا، زيارات بعثات رياضية إسرائيلية في اتحاد الإمارات وزيارات لوزراء والمشاركة في معرض «وورد اكسبو 2020» بمشاركة دول كثيرة، الذي كان يمكن أن يقام في دبي وعرض اختراعات وتكنولوجيا رائدة في مجالات مختلفة. ولكن تم تأجيل هذا المعرض حاليا في ظل وباء كورونا. بصورة موازية، ساعدت وزارة الخارجية نحو 500 شركة إسرائيلية على الدخول إلى سوق الإمارات، منها الكثير من شركات التكنولوجيا الأمنية مثل شركة «ام.اس»او» التي تسوق برامج التجسس. جانب علني آخر في السنة والنصف الاخيرة كان الاهتمام الكبير الذي اعطته وزارة الخارجية لإعداد الرأي العام.
«طاقم الدبلوماسية العامة الرقمية في وزارة الخارجية فتح صفحة في تويتر للخليج وعملوا هناك كثيرا من أجل تحريك الرأي العام في الدولتين» قال بن يمين وأضاف «القيادة فهمت أن الرأي العام هناك مستعد لذلك بعد الكثير من سنوات بناء البنية التحتية المناسبة. الناس هناك انتظروا فقط أن يتم فتح السد. من المفهوم أن الادارة الامريكية أيضا لعبت دورها. خلال السنين كانت لنا علاقات ممتازة مع السفراء الامريكيين في الإمارات ومع سفيرهم في الولايات المتحدة. والدعوة إلى معرض «اكسبو» في أيار الماضي كانت لبنة اساسية اخرى في هذه البنية التحتية التي بنيت من قبلنا. وقد اجرينا لمدة سنتين مفاوضات حول هذه الدعوة».
على سؤال هل الرغبة في شراء طائرات «اف ـ 35» والانتخابات هي على الابواب في الولايات المتحدة، وربما في إسرائيل أيضا، لم تؤثر هي أيضا على هذه الاحداث، اجاب بن يمين: «يمكن القول بأن اتفاق التطبيع هذا اكتمل بعد أن اصطفت جميع النجوم في صف واحد. صحيح أن لهم رغبة في طائرات اف ـ 35، وهذا ليس أمر جديد. وصحيح أنه كانت هناك مسألة السيادة (على المستوطنات في الضفة)، هل ستتم أم لا، وهناك زعماء يريدون عرض انجاز ـ كل هذا صحيح، لكن كان هناك
وحسب قوله «الموضوع الاقتصادي، مثلا، يلعب دورا جوهريا جدا. أيضا كورونا خلقت فجأة مسرع مناسب للتعاون المدني العلني. هذه أسس تبنى بصبر وهدوء خلال سنوات، من الاسفل إلى الاعلى، من اجل تهيئة النفوس في البداية، خلافا لما حدث مع الأردن ومصر. فقد كنا معهم في حوارات حول تبادل معارض فنية، على سبيل المثال».
واضاف بن يمين بأن «امور كهذه لا نراها مع الأردن ومصر. وحقيقة أن لنا معهم هذه العلاقة الدبلوماسية ـ المدنية طوال هذه السنين، وهي تشمل اتصال مع الجمهور، وبالتأكيد العلاقة الاقتصادية والتجارية، والعلاقة من كلا الجانبين ـ ساعدت في تمهيد الارضية للاتفاق. رجال اعمال اثرياء وذوي اتصالات هناك جاءوا إلى القيادة وقالوا لها هيا، دعونا نتقدم». لقد رأينا ذلك أكثر فأكثر، بما في ذلك عن طريق «اكسبو» الأمر الذي يساعدنا على الاتصال مع الشركات هناك. نحن نؤمن بالخطوات من أسفل إلى أعلى وببناء بنية تحتية ـ هكذا تم خلق الأرضية الناضجة.