جيمس دورسي /إنسايد أرابيا – ترجمة الخليج الجديد-
بالرغم أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات و(إسرائيل) أكسب أبوظبي نقاط ثمينة لدى الغرب، فقد أضرت الخطوة الإماراتية بالقوة الدينية الناعمة التي حرصت عليها.
وأثار ذلك تساؤلات حول استراتيجية الإمارات المتمثلة في استمالة علماء مسلمين بارزين مع حوافز مالية لرسم صورة عنها كنموذج للتسامح يتبنى تفسير معتدل للإسلام.
وجاءت الاستراتيجية الإماراتية في سياق منافسة عالمية على القوة الدينية الناعمة مع قطر وتركيا والسعودية وإندونيسيا.
واجهت محاولة الإمارات لحشد الدعم الديني لتطبيعها مع (إسرائيل) رد فعل سلبي عندما صدر بيان دعم على لسان "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" ومقره أبوظبي – وهو إحدى المجموعات العديدة المدعومة من الإمارات والتي تم إنشاؤها لمواجهة المؤسسات القطرية المماثلة – مما أثار احتجاجات واستقالات.
واشتكى أعضاء مجلس إدارة المنتدى من أن البيان صدر دون مناقشة في مجلس أمناء المنتدى. ويضم مجلس الإدارة وزير الأوقاف الأردني السابق "أحمد هليل" ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتي السابق "عبدالله المعتوق".
ونأى "حمزة يوسف"، نائب رئيس المنتدى والباحث الإسلامي الأمريكي الشهير الذي يرأس كلية الزيتونة - أول كلية جامعية إسلامية معتمدة في الولايات المتحدة - بنفسه عن البيان، مؤكداً أنه "لم ينخرط في تأييد أي من الاستراتيجيات أو المعاهدات الجيوسياسية وأن ولاءه كان ولا يزال دائمًا مع شعب فلسطين، مسلمين أو مسيحيين أو غير ذلك.
وبالمثل، أثناء إعلان استقالتها من مجلس إدارة المنتدى، قالت الناشطة المسلمة الأمريكية البارزة "عائشة العدوية"، مؤسسة المجموعة الحقوقية "نساء في الإسلام"، إنه "لم يكن هناك اتفاق على أي نوع من الدعم لصفقة الإمارات مع (إسرائيل).
وكذلك فعل مفتي القدس "محمد حسين" الذي حرّم على المسلمين القادمين من الإمارات زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه.
إلا أن البيان الصادر عن السياسي الموريتاني "عبدالله بن بيه"، رئيس المنتدى ورئيس مجلس الفتوى الإماراتي، اتخذ لهجة مختلفة حيث أشاد البيان بـ"حكمة" ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، مشيرا إلى أن "تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) منعها من بسط سيادتها على الأراضي الفلسطينية وأنه "وسيلة لتعزيز السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم". وأكد على أن "العلاقات والمعاهدات الدولية هي من بين الأمور التي تقع ضمن اختصاص الحاكم".
وعكس دفاع "بن بيه" عن البيان تعريف الإمارات للإسلام المعتدل باعتباره خاضع لسيطرة الدولة ويحث على الطاعة المطلقة للحاكم.
وبالرغم من العلاقات الطويلة مع عائلة "آل نهيان" الحاكمة في أبوظبي، كان "بن بيه" متحالفًا قب ذلك مع خصومهم الحاليين حيث شغل منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهما كيانان أسسهما الشيخ "يوسف القرضاوي" المقيم في قطر، والذي يُنظر إليه على أنه المرشد الروحي لـ"الإخوان المسلمين".
بدأ أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي، بمن فيهم ولي العهد ووزير خارجيته، "عبدالله بن زايد"، في مغازلة "بن بيه" في أوائل عام 2013 ثم دعوه إلى زيارة الإمارات في نفس الشهر الذي أطاح فيه انقلاب عسكري مدعوم من الإمارات بالرئيس المصري "محمد مرسي" أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً بعد ثورة 2011.
وبعد 3 أشهر، قال"بن بيه" في رسالة أرسلها إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أعلن فيها استقالته: "إن الدور المتواضع الذي أحاول القيام به نحو الإصلاح والمصالحة بين المسلمين يتطلب خطابًا لا يتماشى مع موقفي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
وكتب "بن بيه" رسالته بعد أن شجب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشدة الانقلاب المصري وأدان القمع الوحشي ضد "الإخوان". ولاحقا، نشر "بن بيه" رسالته ليثبت للقادة الإماراتيين أنه أنهى ارتباطه بالجماعات الإسلامية المدعومة من قطر.
وانبثقت مغازلة "بن بيه" عن إدراك "بن زايد" أنه بحاجة إلى قوة دينية ناعمة لتبرير استخدام الإمارات للقوة الخشنة التي بدأت مع الانقلاب المصري وتوسعت بالتدخلات العسكرية في اليمن وليبيا.
ويسلط رد الفعل العنيف الذي أشعله بيان "بن بيه" الضوء على ضعف القوة الدينية الناعمة للإمارات، على الأقل في العالم الإسلامي.
ويرى متابعون أن الفكر السياسي الإسلامي المضاد للثورة الذي يتم تطويره وترويجه من قبل "بن بيه" والإمارات يعاني من بعض المشاكل الهيكلية الأساسية التي تعني أن وجوده يعتمد بشكل غير مستقر على استمرار الرعاية الاستبدادية.
ويعتبر ثمن الرعاية الحكومية لعلماء الدين في الشرق الأوسط مرتفعا للغاية، فعليهم أن يدعموا علانية أو يلتزموا الصمت بشأن الاستبداد في بلادهم، بينما عليهم أن يتحدثوا عن الديمقراطية والتعددية وحقوق الأقليات أمام الجماهير الغربية.
ويعتبر رد الفعل العنيف على دعم المنتدى الإماراتي و"بن بيه" للتطبيع مع (إسرائيل) دليلا على وجود خلل خطير في نهج الدولة الخليجية تجاه القوة الناعمة الدينية التي أصبحت وكأنها موجهة للقوى الغربية بدلاً من المجتمع المسلم.