الخليج أونلاين-
في ظل حالة التوتر التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط واحتدام التنافس الإقليمي والدولي، وخاصة الإسرائيلي، على الحضور في البحر الأحمر، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في منتصف يناير 2020، قاعدة "برنيس" العسكرية الكبرى في المنطقة.
ويعد البحر الأحمر منطقة استراتيجية للاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع وجود دور إيراني للتوسع به ومحاولة التحكم في حركة السفن التجارية التي تعد أيضاً شرياناً اقتصادياً للاحتلال مع شرق آسيا ودول أفريقيا.
وتقع القاعدة، التي افتتحها السيسي بحضور ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي تقود بلاده موجة تطبيع غير مسبوقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، على ساحل البحر الأحمر بالقرب من الحدود الدولية الجنوبية شرق مدينة أسوان.
وتبلغ مساحة القاعدة العسكرية 150 ألف فدان، وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكرياً وعدداً من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة، ورصيفاً بحرياً.
برنامج "ما خفي أعظم"، الذي بثته قناة "الجزيرة الإخبارية"، مساء الـ13 من سبتمبر 2020، قال إن قاعدة "برنيس" المصرية التي افتتحت بدعم إماراتي وبتنسيق إسرائيلي، جاءت لوقف أي دعم لغزة ومقاومتها.
واستعرض البرنامج الاستقصائي تفاصيل التحالف الأمني والعسكري بين "تل أبيب" ودول عربية لخنق المقاومة في قطاع غزة، وقطع خطوط إمدادها وتجفيف مصادر تسليحها.
باب المندب
وإلى جانب هذه القاعدة سبق أن أنشأت "إسرائيل" قواعد في "رواجيات" و"مكهلاوي" على حدود السودان، بهدف الوصول إلى كامل البحر الأحمر وخاصة باب المندب الذي استأجرت قربه جزيرة "دهلك" وأقامت عليها قاعدة عسكرية.
ويفصل مضيق باب المندب البحر الأحمر عن خليج عدن والمحيط الهندي، كما يفصل قارتي أفريقيا وآسيا، وتحدّه من الجانب الأفريقي جيبوتي، ومن الجانب الآسيوي اليمن.
وتأتي أهميته من أنه تمر منه غالبية الصادرات من الخليج، وتدفَّق عبره نحو 4.8 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات النفطية المكرَّرة في 2016؛ صوب أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وتعتبر الطبيعة الجغرافية للمضيق إحدى نقاط الضعف فيه، بحيث تجعل استهداف السفن التي تمرّ فيه سهلاً، حيث لا يتجاوز عرضه 20 كيلومتراً، في ممرّ يربط البحر الأحمر ببحر العرب، والمضيق ممرّ رئيسي يؤدي إلى قناة السويس، التي يمر منها 12% من حجم التجارة العالميَّة.
مصالح إسرائيلية
القناة الـ"12" الإسرائيلية لم تخفِ في منتصف يناير الفائت، أن قاعدة "برنيس" العسكرية المصرية على ساحل البحر الأحمر، ستسهم في حماية أمن "إسرائيل".
ويصف محلل الشؤون العربية للقناة العبرية، إيهود يعاري، افتتاح السيسي للقاعدة عند شواطئ البحر الأحمر، بـ"الحدث التاريخي" إلى جانب بدء ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر.
ويقول يعاري: "لدى إسرائيل وجود محدود للغاية في تلك المنطقة الحساسة، وتوسيع الوجود المصري هناك من شأنه أن يساعد أيضاً في الحفاظ على أمن السفن من وإلى إسرائيل".
وتهدف القاعدة العسكرية المصرية، بحسب يعاري، إلى تأمين السيطرة الاستراتيجية المصرية على طرق الملاحة من مضيق باب المندب حتى قناة السويس.
وبحسب المحلل الإسرائيلي، فقد خصصت قاعدة "برنيس"، لمنع إيران من أن تحاول عبر حلفائها الحوثيين باليمن، تهديد مسار السفن المؤدي أيضاً إلى العقبة (الأردنية) وإيلات (الإسرائيلية)، وهو ما يعد مهماً جداً لـ"إسرائيل".
ووفق "يعاري"، فإن هناك حالة من السخط بين المصريين ناجمة عن إنفاق المليارات على شراء الأسلحة خلال السنوات الأخيرة.
وأحد أسباب بناء قاعدة "برنيس" هو رغبة مصر في إرضاء الصين التي ضخت عشرات مليارات الدولارات في استثمارات بمصر خلال السنوات الماضية، وتخشى على أمن الملاحة في البحر الأحمر الذي يعد أحد الطرق الرئيسية لخطة "الحزام والطريق" التي تتبناها بكين.
وحول الجهة التي مولت بناء القاعدة، يؤكد محلل الشؤون العربية للقناة العبرية، أن مصر حصلت على مساعدات من السعودية والإمارات لإقامة القاعدة العسكرية، كجزء من خطوات تتخذها الدولتان لنشر القواعد العسكرية على طول سواحل البحر الأحمر.
سخط روسي
الخبير العسكري يوسف الشرقاوي يتفق مع يعاري حول خدمة القاعدة العسكرية المصرية الضخمة، عند البحر الأحمر، للأمن القومي الإسرائيلي.
ويعد إنشاء السيسي للقاعدة العسكرية عند شواطئ البحر الأحمر، حسب حديث الشرقاوي لـ"الخليج أونلاين"، خدمة متقدمة من قبل الرئيس المصري لـ"إسرائيل" للدفاع عن مصالحها، خاصة في منطقة باب المندب، في ظل وجود الحوثيين إحدى أذرع إيران العسكرية في تلك المنطقة.
وتشير تقديرات الشرقاوي إلى أن القاعدة العسكرية المصرية ستخلق نوعاً من السخط الروسي في المنطقة، لكونها أصبحت دولة ذات دور إقليمي في الشرق الأوسط، ومن ثم فإن وجود تلك القاعدة سيعزز من التعاون الأمريكي المصري ضد الإيرانيين في منطقة البحر الأحمر.
ولا يستبعد الشرقاوي أن تكون الإمارات والسعودية هي من تكفلت ببناء القاعدة العسكرية المصرية الجديدة؛ وذلك في ظل خشيتهم من الوجود الإيراني في البحر الأحمر، والتأثير على نقل النفط إلى العالم.
نوايا قديمة
العميد الركن في الجيش السعودي خالد الشيبة، نشر في مجلة القوات البرية السعودية تحليلاً مطولاً عن استراتيجية "إسرائيل" في البحر الأحمر، القائمة على نظرية الأمن والحدود الآمنة.
وانتقلت "إسرائيل"، وفق بحث الشيبة، لوضع خطط تأمين في البحر الأحمر ومنع أي تهديد لها منه، واستخدمت أنواعاً مختلفة من الزوارق المسلحة بالصواريخ وقذائف الأعماق لمكافحة الغواصات.
وبحسب الشيبة فإن قوات فرقة مدرعة إسرائيلية كبيرة توجد في المنطقة العسكرية الجنوبية قريباً من البحر الأحمر، وتعمل في مجالات الاستطلاع والمساحة وتخزين الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأمريكية في المنطقة.
ولم يخفِ الإسرائيليون نيتهم الاستفادة من السيسي في تأمين مصالحهم في البحر الأحمر، حيث نشر الجنرال في جيش الاحتلال الإسرائيلي، شاؤول شاي، تحليلاً في صحيفة "إسرائيل اليوم"، مطلع أكتوبر 2017، أشار فيه إلى أهمية التطورات الأخيرة في البحر الأحمر من وجهة نظر "تل أبيب".
وخلص مقال شاي إلى أن "إسرائيل" تفضل أن يبقى البحر الأحمر تحت تأثير "التحالف السني الذي تقوده السعودية ومصر، في مواجهة التهديدات الناتجة عن السيطرة الإيرانية عليه".
ويضع الجنرال الإسرائيلي الاعتبارات المشتركة بين "إسرائيل" والتحالف السني في عدد من المواضيع الاستراتيجية، وعلى رأسها مقاومة الوجود الإيراني في البحر الأحمر والسيطرة عليه.
وجاء افتتاح القاعدة بعد نحو أسبوع من إعلان السعودية توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
وتم التوقيع من قبل 8 دول هي: السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن، بهدف التنسيق والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، في ظل تحديات متزايدة في المنطقة في إطار حفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة الأخطار المحدقة.