هلال خاشان - جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة الخليج الجديد-
خلال زيارته إلى السعودية في مايو/أيار 2017، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن خطة لتأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، وهو مجموعة تهدف ظاهريا إلى مكافحة الإرهاب، ولكن في الواقع كانت تهدف إلى مواجهة إيران.
وكان من المفترض أن يضم التحالف مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والولايات المتحدة، ولكن بعد انسحاب مصر في عام 2019 بسبب اعتراضات على الانضمام إلى منظمة عسكرية ضد إيران، تلاشى الزخم بالنسبة للتحالف.
والآن، عاد الزخم مرة أخرى بفضل اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى. وتتوقع الولايات المتحدة أن تلعب إسرائيل والإمارات دورا مهما في التحالف الجديد، الذي من المرجح أن يجتذب دولا عربية إضافية.
ومع ذلك، فإن تعقيدات الشرق الأوسط تجعل انطلاق التحالف الجديد أمرا غير مرجح. ولا يرجع ذلك فقط إلى معارضة قوى إقليمية مثل تركيا وإيران ومصر، ولكن أيضا لأن إسرائيل والإمارات لديهما أجندات مختلفة بالنسبة للأولويات.
الإمارات والسعودية
وبعد حرب الخليج الأولى، وقع مجلس التعاون الخليجي إعلان دمشق لعام 1992 مع مصر وسوريا للدفاع عن دول الخليج ضد الهجمات الأجنبية.
لكن الاتفاق تعثر لأن السعوديين قرروا في النهاية أنه من الأفضل لهم تطوير قدراتهم العسكرية الخاصة بدلا من دعوة القوات الأجنبية إلى أراضيهم.
وأظهرت الحرب في اليمن فشل السعودية في بناء جيش كفء يمكنه الدفاع عن البلاد، ناهيك عن المغامرة خارج الحدود.
وقد تجنبت السياسة السعودية دائما التدخل العسكري خارج شبه الجزيرة العربية، وركزت بدلا من ذلك على الاستقرار الداخلي والأمن والهيمنة على مجلس التعاون الخليجي.
ومع ذلك، فإن توسع النفوذ الإيراني إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن يهدد المملكة بشكل مباشر، وقد شعرت السعودية بالقلق إزاء ذلك.
وأوضح وزير الخارجية البحريني، الذي عادة ما تعكس تصريحاته الموقف السعودي الرسمي، أن السبب الرئيسي لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل هو سعي بلاده للأمن في مواجهة إيران.
أما بالنسبة للسعودية، فعندما رفضت إدارة "ترامب" الرد على هجمات إيران على منشأتين نفطيتين لشركة "أرامكو" في عام 2019، بدأت المملكة تفكر مرتين بشأن علاقاتها الأمنية وخلصت إلى أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على الحماية الأمريكية، وبالتالي، أصبحت هناك حاجة إلى شريك جديد.
ولدى الإمارات سببان أمنيان أساسيان للتطبيع مع إسرائيل. أولا، فإن زعيمها "محمد بن زايد"، غير متأكد من مستقبل السلطة في السعودية.
وأثار ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" عداء كبار أعضاء العائلة المالكة والمؤسسة الدينية والحرس الوطني. وإذا تم إجبار "بن سلمان" على التنحي، فسيؤدي ذلك إلى انكشاف الجناح الغربي للإمارات.
ويريد "بن زايد" القضاء على هذا التهديد في مهده من خلال الشراكة مع حليف قوي مثل إسرائيل.
أما السبب الثاني بالنسبة للإمارات فهو قناعتها أن الصراع بين إسرائيل وإيران سينتهي عاجلا أم آجلا. وعندما ينتهي، سوف يستأنف البلدان علاقات الصداقة والتعاون القوية التي تعطلت بسبب ثورة إيران عام 1979، ما يجعلها مكشوفة من ناحية الجناح الشرقي؛ لأن إسرائيل تعتبر إيران قوة راسخة وتفضل تعزيز علاقة استراتيجية معها بدلا من العلاقات الصغيرة مع الدول الصغيرة. ولا يريد "بن زايد" أن يترك مصير الإمارات للقدر، ويفضل أن يكون استباقيا وليس رد فعل.
ولكي نكون واضحين، إنها مسألة أمنية إلى حد كبير. وفي الواقع، تبالغ الإمارات في الحديث عن الفوائد المالية لاتفاق التطبيع.
ومن المحتمل ألا تتجاوز المعاملات التجارية مع الإمارات 6.5 مليار دولار، وهو ما لن يضيف الكثير إلى اقتصاد الإمارات الثري.
ويشير قيام مدير المخابرات الإسرائيلية بصياغة مواد الاتفاق إلى أن الأمن هو أساس التعاون، تماما كما كان الأمر مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
الموقف الإسرائيلي
ومن الناحية الاستراتيجية، لا يضيف التطبيع الرسمي بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي الكثير للاستقرار الإقليمي؛ لأنه يشمل دولا لا تشترك في الحدود، وليست حتى في حالة حرب.
وكانت السعودية الدولة الخليجية الوحيدة الموجودة وقت قيام إسرائيل عام 1948، ولم يكن لديها وقتها حكومة متطورة ولا جيش دائم.
لكن خطوة التطبيع تبدو منطقية أكثر قليلا بالنسبة لإسرائيل، التي لم تتخلى عن مفهوم تحالف الأطراف الذي طرحه "ديفيد بن جوريون" عام 1950، والذي كان يستهدف وقتها التحالف مع تركيا وإيران وأثيوبيا.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وإيران سيئة على مدى العقود الأربعة الماضية، ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأنها ستكون سيئة إلى الأبد.
وبالرغم من تبادل التهديدات، فإن العلاقات بين إيران وإسرائيل بعيدة كل البعد عن العدائية. وتعمل عشرات الشركات الإسرائيلية، معظمها في قطاعي الطاقة والزراعة، في إيران مباشرة أو عبر شركات تابعة.
وتشتري الشركات الإسرائيلية الرخام الإيراني والمكسرات والفواكه المجففة من خلال وكلاء في تركيا والأردن. وخلال حربها مع العراق في الثمانينيات، لجأت إيران إلى إسرائيل للحصول على أسلحة.
وفي عام 1987، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إسحاق رابين" إيران بأنها "أفضل صديق لإسرائيل".
ولم تكن ملاحظته عشوائية أو بدافع من حماسة اللحظة. فالعلاقات التاريخية لا تشير إلى أن إيران وإسرائيل أعداء. وقد عاش اليهود في إيران دون انقطاع منذ تحررهم من الحكم البابلي على يد "كورش الكبير"، الذي أسس الإمبراطورية الأخمينية في القرن السادس قبل الميلاد، وسمح لهم بالعودة إلى القدس.
وساعد اليهود الإيرانيون على هزيمة المصريين في معركة بيلوسيوم عام 525 قبل الميلاد. ولا يزال 10 آلاف يهودي يعيشون في إيران يخدمهم أكثر من 100 كنيس يهودي نشط، في حين لا يُسمح لملايين السنة الذين يعيشون في المدن الإيرانية الكبرى ببناء مساجد.
ويرى المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" ضرورة تلقي الجالية اليهودية معاملة عادلة. وفي عام 2015، قال وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" إنه لا توجد مشكلة متأصلة مع إسرائيل، وإن إيران ستكون مستعدة لتبادل البعثات الدبلوماسية مع إسرائيل إذا وافقت على إقامة دولة فلسطينية.
وتنظر إيران إلى إسرائيل كممثل للغرب. ويستخدم اليهود الإيرانيون الذين يعيشون في الولايات المتحدة نفوذهم لمنع الهجمات على إيران بسبب برامجها النووية والصاروخية.
وعارض السياسي الإسرائيلي "شاؤول موفاز"، المولود في طهران، بشدة ضرب المنشآت النووية الإيرانية عندما كان وزيرا للدفاع من 2002 إلى 2006.
ولا يتعلق الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران بالاعتراف، كما هو الحال مع العرب، بل يتعلق بمساحات النفوذ القوة الإقليمية.
ويعتقد الإيرانيون أن الغرب وروسيا القيصرية قد أهانوهم على مدى القرنين الماضيين. وهم يريدون استعادة ماضيهم المجيد، وفي جوهرهم لا يعتبرون إسرائيل عدوا لهم.
ويريد عرب الخليج السلام مع إسرائيل لأنهم يخافون من إيران، ولأن هذا ما تريده الولايات المتحدة. لكن إذا اعتقدوا حقا أن إسرائيل ستدافع عنهم ضد إيران، فعليهم التفكير مرة أخرى.
وفي عام 2017، كشف وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شتاينتس" سرا معروفا عن علاقات بلاده بالدول العربية والإسلامية.
وقال إن "الطرف الآخر هو الحريص على بقاء تلك العلاقات سرية. لكن إسرائيل حريصة على إخراج هذه العلاقات إلى العلن لتصبح مقبولة لدى الجمهور. إن الحفاظ على سرية العلاقات مع العرب لعدم إحراجهم أساس جيد لتطوير الأمر إلى علاقات دائمة. لكن سوف يتصرف الإيرانيون بشكل مختلف في حالة السلام".
وعلى عكس الإمارات، تفتقر إسرائيل إلى الدافع للانخراط في الثورات المضادة في المنطقة، ولا تتوقع أن تستفيد كثيرا من توسيع معاملاتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وتهتم إسرائيل فقط بتعزيز شرعيتها في النظام الإقليمي في الشرق الأوسط من خلال تكوين صداقات وليس أعداء.
التوقعات الإقليمية
ويميل رؤساء الولايات المتحدة الذين يواجهون مشاكل في الداخل إلى التركيز على القضايا الخارجية، إما كوسيلة للإلهاء أو كطريقة لتحسين تقييمات الرأي العام لديهم.
وكثيرا ما تربط التقارير الإعلامية حملة "ترامب" للسلام في الشرق الأوسط بمحاولة لحشد قاعدة دعمه الإنجيلية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن الرغبة في الفوز بفترة رئاسية ثانية غير كافية لتفسير جهود إدارة "ترامب" من أجل اتفاقات السلام. وفي الواقع، إن هذه الحالة من الهياج من أجل توقيع المعاهدات بين إسرائيل والدول العربية المحيطية لا يتعلق بالسلام.
وبدلا من ذلك، يتعلق الأمر في الغالب ببناء تحالف عسكري لتفعيل عقيدة الموازنة الخارجية لواشنطن والتأكد من عدم ظهور أي قوة مهيمنة مناهضة لأمريكا في الشرق الأوسط.
وليس لدى الولايات المتحدة أي نية للخروج من المنطقة، لكنها تريد إعادة تحديد مصالحها الأساسية وتجنب الانتشار العسكري الكبير هناك.
وتعد التحولات السياسية الإقليمية متكررة في الشرق الأوسط، ويمكن حل التحالفات بسرعة هناك. ولا يمكن أن يتحقق السلام الإقليمي من دون إشراك إيران.
وستأتي اللحظة التاريخية الحقيقية في الشرق الأوسط عندما تحل الولايات المتحدة وإيران المواجهة بينهما، ما يمهد الطريق لاستعادة العلاقات بين إيران وإسرائيل.
ومن غير المحتمل أن تؤدي اتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي إلى استقرار الشرق الأوسط. بل يكمن مفتاح الاستقرار الإقليمي في التنسيق بين إيران وإسرائيل بالإضافة إلى تركيا.