الخليج أونلاين-
عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود على استراتيجية للدخول بقوة ضمن التنافس الإقليمي والدولي للوجود في البحر الأحمر، بما يحفظ لها مصالح تراها في صميم أسس استراتيجيتها للأمن القومي.
ومع احتدام التنافس وجدت "إسرائيل" من يمهد لها الطريق في السيطرة على البحر الأحمر، بعد إعلان تطبيعها مع الإمارات، التي بدأت منذ وقت مبكر بالسيطرة على الموانئ الاستراتيجية في البحر الأحمر، إضافة إلى المضي نحو توسيع عدد الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني، خصوصاً من الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
ولعل كلمة السر الإسرائيلية في البحر الأحمر كانت واضحة في السنوات الأخيرة، عبر الوجود المباشر في جنوبه بالقرب من مضيق باب المندب الذي يقع حالياً تحت سيطرة قوات يمنية موالية لأبوظبي، تماماً كما توجد "إسرائيل" في شماله، فهل ستستمح دول مثل مصر والسعودية بذلك؟
الاتفاقية الأمنية والسياسية
حمل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، الموقّع في 15 سبتمبر، ضمن معاهدة السلام بين الجانبين، العديد من البنود ذات الأبعاد الأمنية والعسكرية، التي تنص على التعاون الثنائي في هذه المجالات، وتعهدهما "باتخاذ تدابير مهمة لمنع استخدام أراضيهما لتنفيذ هجوم معاد أو "إرهابي" يستهدف الطرف الآخر.
وزادت هذه النصوص المصاغة بدقة، من الفرضيات المتعلقة بإمكانية الاستفادة الإسرائيلية من القواعد العسكرية الإماراتية في المنطقة، سواء في الخليج العربي، أو باب المندب، أو البحر الأحمر.
كما تشير إلى إمكانية أن تنشئ "إسرائيل" قاعدة عسكرية في الإمارات، فضلاً عن استفادتها من المياه الإماراتية، وإمكانية أن تمضي بهذا المسار لزيادة مواطئ أقدامها في سقطرى ومضيق باب المندب اليمني وجيبوتي على البحر الأحمر.
ويشكل مضيق باب المندب إحدى أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، فمن يصل إلى هذه المنطقة ويسيطر عليها يضع يده على أحد أهم الممرات المائية الدولية في العالم.
"إسرائيل" تتوسع
تكمن خطورة اتفاقية "إسرائيل" مع الإمارات فيما قد تمكنه الأخيرة لدولة الاحتلال في البحر الأحمر، خصوصاً أن أبوظبي عملت منذ وقت مبكر على التوسع في الدول المطلة على البحر.
وكشفت مصادر إعلامية، في أغسطس 2020، عن بدء الإمارات بالتعاون مع "إسرائيل"، بإنشاء قاعدة عسكرية في سقطرى اليمنية (في خليج عدن)، مشيرة إلى أنها ستكون قاعدة للتجسس على معظم الدول المطلة على البحر الأحمر، وكذا مراقبة السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب.
وتتيح الاتفاقية لـ"إسرائيل" الاستفادة من قاعدة عصب العسكرية في إريتريا التابعة للإمارات وكذلك من ميناء جيبوتي، مروراً بالموانئ السعودية، التي ستكون بوابة لمرور النفط الإماراتي وصولاً إلى الموانئ الإسرائيلية.
واستفادت "إسرائيل" أيضاً من علاقاتها بإريتريا لإنشاء قواعد في "رواجيات" و"مكهلاوي" على حدود السودان، كما تمتلك قواعد جوية في جزر حالب وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة دهلك حيث أقامت قاعدة بحرية.
كما أن الإمارات تكفلت أيضاً بدفع السودان نحو التطبيع، وهو ما سيمكن "إسرائيل" أيضاً من الاستفادة من موانئه المطلة على البحر الأحمر، فضلاً عن وجودها سابقاً بامتلاكها ميناء إيلات المطل على ذات البحر.
لن يمر بسهولة
يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني د.علي الذهب، أن مصر لن تقبل بأي تخادم بين الإمارات و"إسرائيل" في هذا الأمر، بما قد يزعزع استقرار البحر الأحمر، الذي يقول إن القاهرة ترغب أن يكون تحت سيطرتها الكاملة.
ويقول لـ"الخليج أونلاين": "البحر الأحمر في التعريف الجوسياسي والاستراتيجي للمنطقة، هو بحيرة عربية مغلقة، ولذلك فمهما كان للوجود الإسرائيلي من خلال إطلالته في المناطق المحتلة على خليج العقبة، أو من خلال وجوده العسكري المحدود في بعض الجزر الإريترية، فإن ذلك لن يجعل مصر تتنازل عنه".
ويرى أن الإمارات لن تتجرأ على أن تكون "غطاء للكيان الصهيوني، سواء في الوجود بمضيق باب المندب، أو أي من الجزر اليمنية التي لا يزال مصيرها غامضاً، خصوصاً أن الدولة اليمنية الشرعية قائمة ولا يزال هناك من يمثلها، وسترفض إقامة أي قاعدة إسرائيلية في جزرها".
وكشف الذهب عن تحركات مصرية يمنية، بعد زيارة رئيس الوزراء اليمني ووفد مرافق له بوجود رئيس المخابرات اليمنية، في أواخر يوليو الماضي، والتي تمثلت ببعض الاتفاقات غير المعلن عنها في المسار الأمني القومي والبحري.
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "ربما يكون هناك تعاون بين الإمارات و"إسرائيل" في البحر العربي وخليج عدن لمواجهة إيران، لكنه لن يكون في البحر الأحمر، ولن ترضاه مصر في باب المندب وجنوب البحر الأحمر لأنه يهدد أمنها".
وتابع: "مصر تنظر إلى البحر الأحمر كأهم الشواغل الأمنية في استراتيجيتها الأمنية، ولا أعتقد أن السعودية ستوافق أيضاً، بما يعني أن ثلاث دول سترفض أي تحرك نحو هذا الاتجاه؛ وهي مصر والسعودية والأردن".
"إسرائيل" والبحر الأحمر
في شهر أغسطس 2018، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إيران من أية محاولات لإغلاق الممر الملاحي لمضيق باب المندب الذي يعد ممراً حيوياً لسفن الشحن وناقلات النفط بالبحر الأحمر.
ودائماً ما تبرر "إسرائيل" رغبتها في الوجود بالبحر الأحمر، بمخاوفها الأمنية من المحاولات الإيرانية للوجود في البحر الأحمر، من خلال دعمها لجماعة الحوثي في اليمن، والتي تقول "إسرائيل" إنها تمتلك صواريخ تهدد الملاحة في هذا البحر.
وفي بحث مطول نشرته "مجلة القوات البرية السعودية"، في ديسمبر 2017، تحدث العميد الركن خالد الشيبة بتحليل مطول عن استراتيجية "إسرائيل" في البحر الأحمر القائمة على نظرية الأمن والحدود الآمنة.
ويلفت إلى أن "تل أبيب" وبعد أن ضمنت الوجود المباشر في البحر الأحمر، انتقلت لوضع خطط تأمين في البحر، ومنع أي تهديد لها منه، واستخدمت أنواعاً مختلفة من الزوارق المسلحة بالصواريخ وقذائف الأعماق لمكافحة الغواصات.
ويشير أيضاً إلى أن حوالي نصف القوات الجوية الإسرائيلية (449 طائرة قتال) توجد قريباً من البحر الأحمر في قواعد النقب، وتقوم هذه القوات بدوريات وطلعات فوق هذا البحر حتى مدخله الجنوبي.
وبحسب الشيبة فإن قوات فرقة مدرعة إسرائيلية كبيرة توجد في المنطقة العسكرية الجنوبية قريباً من البحر الأحمر، وتعمل في مجالات الاستطلاع والمساحة وتخزين الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأمريكية في المنطقة.