الخليج أونلاين-
يفصح حجم الاتفاقيات والنشاطات المختلفة التي تحققت على طول فترة تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية -رغم قصر زمنها- عن أن توغلاً إسرائيلياً كبيراً يجتاح المنطقة الخليجية؛ مُبرراً بعملية السلام التي تضمن الأمان للمنطقة.
العلاقات الثنائية بين أبوظبي وتل أبيب، التي وصلت إلى مرحلة متطورة تجاوزت حدود التطبيع من أجل ضمان سلام المنطقة وبلدانها؛ فالمقارنة مع تطبيع القاهرة وتل أبيب الذي سبق تطبيع الإمارات و"إسرائيل" بأكثر من 40 عاماً، تظهر أن التطبيع الأخير فاق حدود المتوقع، بحسب تأكيدات مراقبين.
اتفاق التطبيع الذي وقعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي مناحيم بيغن، في مارس 1979، شمل وقف العداء في وسائل الإعلام، والقيام بزيارات متبادلة من قبل السياح.
وشمل أيضاً الاعتراف الكامل بـ"إسرائيل"، وقيام العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وإنهاء المقاطعات الاقتصادية والحواجز التمييزية أمام حرية تنقل الأشخاص والبضائع والاحتكام إلى الإجراءات القانونية الواجبة.
ونص كذلك على التبادل الثقافي في أقرب وقت ممكن، وفي موعد لا يتجاوز ستة أشهر بعد الانتهاء من الانسحاب المرحلي من سيناء، والدخول في مفاوضات بهدف إبرام اتفاقية ثقافية.
لكن التطبيق على أرض الواقع كان مغايراً؛ إذ لم يشهد مثل هذه التطورات وبقيت العلاقة على المستوى الرسمي، في حين أن العداء الشعبي لـ"إسرائيل" ما زال يعبر عنه المصريون حتى في أعمالهم الفنية والأدبية.
كانت هجمة شعبية وإعلامية شهدتها مصر مؤخراً شنت ضد محمد رمضان، أكثر فناني مصر شهرة وأبرزهم خلال السنوات الماضية، لمجرد التقاطه صورة مع مغنٍ إسرائيلي في الإمارات؛ يؤكد طبيعة التطبيع داخل مصر.
الأمر في الإمارات يسير في اتجاه معاكس لما هو في مصر من ناحية الوجود الإسرائيلي بأشكال مختلفة، فالعلاقة بين الإمارات و"إسرائيل" منذ توقيع اتفاقية التطبيع التي مضى عليها أقل من ثلاثة أشهر شهدت قفزات كبيرة إعلامياً وشعبياً، حيث تروج مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإماراتية بشغف للتطبيع وتدعمه.
منافع سياسية
تمتين الإمارات لعلاقاتها مع "إسرائيل" بوقت قصير، جاء في سبيل حصولها على منافع سياسية وتمكينها أمنياً، بالمقابل فإن "تل أبيب" جعلت من حاجة أبوظبي للتطبيع غاية لتحقيقها مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة في المنطقة الخليجية، وفق ما يراه مختصون.
الكاتب الإسرائيلي رفائيل أهارون، في مقال نشره على موقع "زمن إسرائيل"، يقول: إن "الوتيرة المذهلة للعلاقات الإسرائيلية العربية تلقي ضوءاً جديداً على جانبٍ أقل شهرة في التحالف بين إسرائيل والخليج عبر السلام الإقليمي".
ويرى "أهارون" أن "توقيت توقيع الاتفاقيات له قيمة جيوسياسية مهمة، حيث اتخذت إسرائيل خطوات حاسمة للحفاظ على ميزان القوى بين الدول العربية المتنافسة؛ لمنع إيران من استغلال أزمة الخليج"، مشيراً إلى أن "التنافس المشترك مع إيران هو ما يقرّب إسرائيل من دول الخليج".
وأضاف: إن "التقارب الإماراتي مع إسرائيل مدفوع في الدرجة الأولى، برغبة أبوظبي في تأمين موقعها بواشنطن".
وذكر أهارون أن "أزمة حصار قطر من بعض دول الخليج دفعت الإمارات إلى أن تعرض على إسرائيل تطبيعاً كاملاً للعلاقات الدبلوماسية، وضمن ذلك مع البحرين، مقابل دعم موقفها من قطر".
وأكد الكاتب الإسرائيلي أن "اتفاقيات أبراهام (التطبيع) أعطت محمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي) فرصة لتعزيز مكانة الإمارات في واشنطن، والتي ضعفت بسبب أجندتها الإقليمية المتشددة".
وزاد أن "الإمارات والبحرين مدفوعتان بعلاقاتهما مع إسرائيل، بشكل أساسي، بالتغير الجيوسياسي في شبه الجزيرة العربية، ومن المؤكد أن تل أبيب طالبتهما بسلام دافئ كشرط لحمايتهما".
منافع اقتصادية
منذ إعلان التطبيع مع الإمارات شهدت "تل أبيب" تنافساً محموماً لتنظيم زيارات لوفود من رجال الأعمال بمختلف القطاعات.
وفي حديث سابق لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، يشير رئيس مديرية قطاع التجارة والصناعة، دوبي أميتاي، إلى وجود اهتمام منقطع النظير من قِبل كبار رجال الأعمال اليهود بالتبادل التجاري مع الإمارات.
وأكد أن صناعة الألماس أحد المجالات ذات الإمكانات الكبيرة للأعمال التجارية مع الإمارات والخليج.
وبحسب "أميتاي" فإن من المجالات الأخرى ذات الإمكانات التجارية التي يمكن تسويقها بالخليج وأبوظبي، "الزراعة الصحراوية والري واستغلال المياه".
من جانبها تقول طالي سينغر، المختصة باقتصاديات التنمية والتي عملت بصندوق سيادي لحكومة دبي، في حديثها لصحيفة "غلوبس" الإسرائيلية، التي تُعنى بشؤون التجارة والأعمال، إن الإمارات تعتبر من الناحية العملية، مركزاً تجارياً حراً يربط دول الخليج بالعالم بأسره.
وأضافت: "هنا تكمن الإمكانات الهائلة، فمركز دبي الدولي للأعمال من أكثر الأماكن ودية في العالم للأعمال والتمويل والتجارة، وعليه فإن إمكانية تأسيس شركة وفتح حساب مصرفي بجواز سفر إسرائيلي ستمثل راحة كبيرة للشركات الإسرائيلية".
تطبيع العلاقات بين "تل أبيب" وأبوظبي فتح السدود أمام مئات من الشركات والصناعات الإسرائيلية وآلاف من رجال الأعمال الإسرائيليين، على الإمارات المعروفة بأنها ذات إمكانات وقدرات كبيرة.
شهر عسل
علاقات الإمارات و"إسرائيل"، بحسب وصف شبكة "سي إن إن" الأمريكية، هي "شهر عسل" تخطى مجرد التطبيع، خلافاً لاتفاقيات السلام التي وقَّعتها سابقاً كل من مصر والأردن.
ونقلت الشبكة عن مسؤول كبير كان مسافراً مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الشهر الماضي، قوله للصحفيين: إن "العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تزدهر".
في تحليل نُشر الخميس (4 ديسمبر 2020) لكبير المراسلين الدوليين في الشبكة، قال بن ويديمان، إن اتفاقيات التطبيع مع كل من الأردن ومصر لم تكن عملية التطبيع فيها بهذه السرعة، ومتابعتها بحماسة متبادلة، كما هو الحال بين "إسرائيل" والإمارات، ويبدو أن الأخيرة تخلَّت، من الناحية العملية، عن أي اعتراضات على احتلال "إسرائيل" للأراضي العربية.
واستعرضت الشبكة عدداً من الخطوات التعاونية بين "تل أبيب" وأبوظبي، منها استضافة الإمارات مجموعة من قادة المستوطنين الإسرائيليين، واستيرادها النبيذ الذي تنتجه الشركات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة، وتمويل مشروع "تحديث" نقاط التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإعفاء متبادل من تأشيرة الدخول.
وقالت: إن "إسرائيل والإمارات تشتركان في القلق من النفوذ الإيراني بالمنطقة"، بعد أن شهدت الأخيرة نمو نفوذها، لا سيما منذ أن أطاح التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بالرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003.
وشددت على أن الوحدة والتضامن العربيين ذبُلا منذ سنوات؛ فقد أصبحت القضية الفلسطينية، التي كانت ذات يوم مقدسة، مصدر إزعاج لدول الخليج خاصة، فيما "إسرائيل"، التي كانت ذات يوم العدو اللدود الرسمي للدول العربية، تم استبدالها بآخر.