علاقات » اسرائيلي

معهد إسرائيلي: هل تمهد المصالحة الخليجية لتحالف إقليمي أوسع؟

في 2021/01/24

آري هيستين ويوئيل جوزانسكي/ معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – ترجمة الخليج الجديد -

كانت قمة 5 يناير/كانون الثاني 2021، في العلا السعودية، بمثابة اجتماع للمصالحة التي دعمتها الولايات المتحدة وبوساطة كويتية بين قطر والرباعية العربية. ولكن من المهم النظر في سياق كل من الحصار وقرار المصالحة من أجل فهم الآثار المحتملة للصفقة بشكل أفضل.

يُعتقد أن حصار قطر بدأه ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد". وفضلا عن دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين، فإن هناك قضايا أخرى دفعت لقرار الحصار؛ منها الثأر الشخصي بين القادة، وعلاقات قطر مع إيران، والنفوذ الإقليمي المتنامي لقطر.

وكانت الأزمة هي الأهم منذ تأسيس مجلس التعاون في عام 1981. ووفقًا للرياض وأبوظبي والمنامة، كانت قائمة المطالب الـ 13 تهدف إلى "تحقيق الوحدة" على النحو المنصوص عليه في ميثاق تأسيس مجلس التعاون الخليجي. وبالنسبة إلى الدوحة، كانت هذه المطالب بمثابة إملاءات من قبل الجيران الذين يسعون إلى تحويل قطر إلى دولة تابعة.

ومع ذلك، سرعان ما وجدت الرياض وأبوظبي نفسيهما غير قادرتين على تهديد مكانة الدوحة الاقتصادية أو السياسية إلى مستوى يدفعها للرضوخ. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ثروة قطر الهائلة بصفتها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

وسمحت الموارد المالية لقطر بإيجاد مصادر بديلة للسلع والخدمات التي تلقتها سابقًا من جيرانها الخليجيين، وتعزيز بعض الطاقة الإنتاجية المستقلة، والحصول على الدعم السياسي من الجهات الفاعلة الخارجية.

وفي غضون ذلك، اقتربت قطر من تركيا، التي تشكل ضامنًا بديلاً للأمن الإقليمي يتماشى بشكل وثيق مع سياسة الدوحة الخارجية. وقد أثار ذلك قلق الخصوم الخليجيين لأنه يشير إلى أن قطر لا تميل إلى التنازل، وقد يشير ذلك إلى ظهور محور إسلامي هائل تقدم فيه قطر الأموال وتوفر تركيا القوة على الأرض.

ويُنظر إلى المصالحة التي تقودها السعودية مع قطر، في غياب قبول الدوحة للمطالب الـ 13، على أنها اعتراف بأن الحصار كان بمثابة مسار سياسي فاشل. وهناك مجموعة متنوعة من الأسباب المحتملة لسعي السعودية إلى إنهاء الحصار بشكل عام، ولماذا ربما كانت تعتبر يناير/كانون الثاني 2021، لحظة مناسبة بشكل خاص للقيام بذلك.

لم يكن من المرجح أن يؤدي الحصار إلى استسلام قطر الكامل على المدى القريب، وربما تكون الرياض قد حسبت أنها كانت تدفع ثمنًا غير مقبول بسبب جمود سياستها (من التكاليف المهمة الصورة السلبية للمملكة بسبب التغطية القاسية التي تلقتها من شبكة الجزيرة حول بعض القضايا مثل الدور السعودي في اليمن). وقد تكون الرياض قد شعرت أيضًا بأنها أقل ميلًا إلى اتباع موقف أبوظبي المتشدد ضد تركيا وقطر، بعد انسحاب الإمارات من جانب واحد من الحملة التي تقودها السعودية في اليمن.

وربما نظرت الرياض إلى اللحظة الحالية على أنها فرصة فريدة للمصالحة؛ بسبب التغيير في واشنطن والحاجة إلى إرسال رسالة إلى إدارة "جو بايدن" أن ولي عهد السعودية "محمد بن سلمان" يمكن أن يكون شريكا مهما للولايات المتحدة في المنطقة. وقد ينتهي الأمر بكلمات "بايدن" القاسية حول العلاقات الأمريكية السعودية، خلال حملته الرئاسية لعام 2020، إلى خطاب فارغ، لكن من المؤكد أنها تثير قلق السعوديين نظرًا للدور المهم الذي لعبته الضمانات الأمنية الأمريكية تقليديًا في المفهوم الأمني ​​للرياض.

بالتوازي مع ذلك، مارست إدارة "ترامب" المنتهية ولايتها، ضغوطًا كبيرة لإصلاح الصدع الخليجي قبل انتهاء ولاية  "ترامب"، وقد اتضحت أهمية ذلك من خلال حضور مستشاره "جاريد كوشنر" للقمة في العلا.

بالإضافة إلى ذلك، نظرًا للمخاوف من أن "بايدن" سيرفع العقوبات عن إيران بعد عودته المخطط لها إلى الاتفاق النووي، قد ينظر "بن سلمان" إلى حل الأزمة الخليجية باعتباره طريقًا لسياسة موحدة بشكل أكبر من مجلس التعاون الخليجي بشأن النشاط الإيراني في المنطقة. ومع ذلك، من المرجح أن تواصل قطر التحوط بين السعودية، جارتها الخليجية الأكبر التي تشترك معها في معبرها البري الوحيد، وإيران، التي تشترك معها في أكبر حقل غاز في العالم.

وهكذا، في حين أن "بن زايد" ربما يكون قد قاد الرباعية نحو الحصار، فيبدو أن "بن سلمان" يقود الطريق للخروج. وبالرغم أن التفاصيل الكاملة لاتفاقية المصالحة غير معروفة، فإن تأثير الصفقة سيتحدد من خلال الشروط وتنفيذها.

سيناريوهات لاصطفاف إقليمي محتمل

وتعد مسألة التنازلات القطرية، ودعم الإمارات للمصالحة، مهمة لأنها يمكن أن تكون مؤشرات على إعادة اصطفاف إقليمي محتمل. ويبدو أن هناك 3 سيناريوهات محتملة لكيفية تطور الأحداث:

إذا قدمت قطر تنازلات إقليمية كبيرة، واتخذت الإمارات إجراءات بناء ثقة كبيرة في المقابل، فقد يشير ذلك إلى إعادة تنشيط دول مجلس التعاون الخليجي وتآكل المحور التركي القطري. ونظرًا لأنه يُعتقد حاليًا أن الدوحة تمول أنشطة تركيا الإقليمية في ليبيا وسوريا وغيرهما، فمن الممكن بعد المصالحة، أن تجد أنقرة نفسها في وضع يتجاوز طاقتها وتعود إلى سياسة إقليمية أكثر محدودية.

الاحتمال الثاني أن تواصل السعودية المسار التصالحي مع قطر دون انتزاع أي تنازلات كبيرة من الدوحة، وفي هذه الحالة قد يصبح ذلك الأمر مصدرًا للخلاف في العلاقة السعودية الإماراتية. وسيكون ذلك مظهرًا آخر من مظاهر اختلاف الأولويات بين الرياض وأبوظبي، في أعقاب التوترات المتعلقة بوسائل وغايات الحملة في اليمن. وفي حين أن كلا البلدين يعتبران إيران والإخوان المسلمين تهديدات كبيرة، يعطي السعوديون الأولوية للتهديد الإيراني، بينما يعطي الإماراتيون الأولوية للإخوان المسلمين.

ومن خلال مصالحتها مع قطر، قد تعيد السعودية وضع نفسها بعيدًا عن الجلوس بشكل مباشر في المعسكر الإماراتي المصري المناهض للإسلاميين، والعمل عن كثب مع دول مثل تركيا وقطر، عندما يناسب ذلك احتياجاتها لمواجهة إيران. وقد ترى الرياض أن هذا يتناسب مع نهج أبوظبي تجاه طهران، حيث أن الإمارات لديها أيضًا تعاون محدود مع إيران عندما يناسب ذلك احتياجاتها.

ويتمثل الاحتمال الثالث في أن تكون المصالحة قصيرة الأجل. فلم تتطور أزمة 2017 من فراغ، بل كانت في الواقع الثالثة في سلسلة أحداث مماثلة ناجمة عن الاحتكاك بين قطر وجيرانها على مدى العقدين الماضيين. وقد تعود قطر إلى أسلوب عملها السابق (الذي وجده جيرانها خطيرًا ومزعزعًا للاستقرار) بعد نجاحها في التغلب على الحصار في نهاية المطاف؛ ما يعني أن هناك احتمال لنشوب خلاف دبلوماسي آخر.

من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن أي حل للأزمة الخليجية يؤدي إلى مزيد من توحيد مجلس التعاون الخليجي سيساعد على تحسين التوازن الاستراتيجي. ويمكن أن تكون الآثار المترتبة على مثل هذا التطور جبهة موحدة بشكل أكبر لمواجهة "النشاط الخبيث" لإيران في المنطقة وتفكيك المحور الإسلامي (التركي القطري) الذي يهدد بزعزعة استقرار جيران إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، قد تجد إسرائيل أنها الآن أكثر قدرة على تنمية علاقات تعاون مع الدوحة، حيث لم تعد تواجه ضغوطًا من الشركاء الخليجيين الآخرين لاتخاذ نهج معاد لقطر.

ومع ذلك، بالنظر إلى التفاصيل غير الكاملة التي نُشرت حتى الآن بشأن المصالحة، يبدو منطقيا أن الدوحة لا تنوي إعادة صياغة سياستها الخارجية بشكل كبير. وفي هذه الحالة، يمكن أن يظهر الخلاف من جديد أو قد يتحول النهج السعودي تجاه قطر بطريقة تزيد من الفجوة في تصورات التهديد بين أبوظبي والرياض.

وبينما انتشرت شائعات منذ فترة طويلة بأن الحصار المفروض على قطر يقترب من الحل، يبدو أن تخوفات السعودية من إدارة "بايدن" وفّرت الزخم اللازم للمضي قدمًا. وبالمقارنة بالقضايا الأخرى التي من المرجح أن تستهدف واشنطن ولي العهد السعودي بسببها؛ مثل مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وقمع الحريات السياسية في المملكة، والحرب في اليمن، فإن هذه القضايا تبدو أكثر تعقيدًا بكثير من حل القضية القطرية.

وبالنظر إلى الماضي، فلن يؤدي الاتفاق الجديد بالضرورة إلى حل الخلافات الأعمق، وسيظل انعدام الثقة يلقي بظلاله على علاقات قطر مع جيرانها.