الخليج الجديد-
ثمة تحولات واضحة للعيان، في المشهد الخليجي والعربي، الذي كان يهرول أبطاله، قبل شهور، نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتقرب من تل أبيب، على حساب الشعب الفلسطيني.
ويبدو الموقف الكويتي، الرسمي والشعبي، الأكثر بروزا على الساحة الخليجية، باتجاه التعاطي بإيجابية تجاه دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي خلف مئات الشهداء والجرحى، ودمر البنى التحتية بقطاع غزة.
وتتجه مؤشرات المسار السياسي إلى ما هو أكثر من ذلك، بما يعرقل مسيرة التطبيع التي قادتها الإمارات والبحرين، سبتمبر/أيلول الماضي، برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".
تحرك رسمي
اللافت أن الكويت كانت المحطة الخليجية الأولى، لرئيس الوزراء الفلسطيني "محمد اشتية" والوفد المرافق له، وسط احتفاء رسمي وشعبي كبيرين.
والثلاثاء الماضي، قال أمير الكويت الشيخ "نواف الأحمد الجابر الصباح"، إن القضية الفلسطينية "كانت ولا زالت قضية دولة الكويت الأولى، وذات مكانة مركزية في عالمنا العربي والإسلامي".
وشدد الشيخ "نواف" على "الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق سعيا لتحقيق ما يتطلع إليه من إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".
ولم يتوقف موقف الديوان الأميري عند ذلك، بل أجرى أمير الكويت اتصالين هاتفيين، مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية "إسماعيل هنية"، مؤكدا وقوف بلاده إلى جانب الحق الفلسطيني، رافضا المساس بالمسجد الأقصى.
وكان وزير الخارجية، الشيخ "أحمد ناصر الصباح"، شدد على أن "المسجد الأقصى خط أحمر، ولا أمن ولا استقرار إلا بتحريره كاملا من الاحتلال، ومحاسبة العدوان على جرائمه دوليا".
وزاد الموقف الكويتي جرأة، باستدعاء سفير التشيك "مارتن دوبفراك"، على خلفية تضامنه مع العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
وكان السفير التشيكي لدى الكويت "مارتن دوبفراك"، وضع ملصق "I Stand with Israel" الداعم لدولة الاحتلال الإسرائيلي على حسابه في موقع "إنستجرام"، قبل أن يحذفه لاحقاً.
تغليظ العقوبات
وعلى مستوى السلطة التشريعية، تحرك مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، نحو الموافقة مبدئيا على قانون يستهدف تغليظ عقوبات التطبيع مع إسرائيل، وسد الثغرات بقانون حظر التعامل أو التطبيع مع الكيان الصھيوني.
ووفق القانون الكويتي، تعد إسرائيل دولة "معادية، ويحظر على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين عقد اتفاقات أو صفقات مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها".
و"يترتب على التعامل أو إبرام الاتفاقات أو الصفقات مع إسرائليين عقوبة بالسجن المؤبد أو السجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات، والغرامة المالية".
وفي دلالة لافتة، اعتبر رئيس مجلس الأمة "مرزوق الغانم"، أن التشريع الجديد، يعد رسالة على ثبات الموقف الكويتي والتقاء الحكومة ومجلس الأمة، على الإدانة الشديدة والرفض التام للعدوان الصهيوني الأخير وكافة جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إغاثة شعبية
أما شعبيا، فقد تصدرت الكويت المشهد الخليجي، بإطلاق حملة إغاثة شعبية عاجلة لصالح الشعب الفلسطيني، تستمر شهراً، وتسعى لجمع 100 مليون دولار.
اللافت أن الحملة نجحت خلال ساعاتها الأولى في جمع أكثر من 6 ملايين دولار، وسط اهتمام إعلامي، وشعبي، بدا من خلال تنظيم وقفات واعتصامات لنصرة الأقصى والقدس.
وتستمر حملة التبرعات حتى 18 يونيو/حزيران الجاري، بمشاركة 31 جمعية خيرية، وبالتنسيق مع وزارتي الشؤون والخارجية، وستقدم 3 أشكال من الدعم "دواء، غذاء، إيواء"، وفق صحف كويتية.
وتعددت حملات الدعم لفلسطين، من حملة "فزعة للأقصى"، إلى "معك يا فلسطين"، وغيرها؛ لإعادة إعمار قطاع غزة، وصرف الأموال على المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية.
وتشمل حملة الدعم الكويتية، توفير طرود المبيت، وتجهيز المباني اللازمة للإيواء، إضافة إلى دعم الجانب الصحي والطبي، والمتمثل في توفير المستلزمات الطبية، وتجهيز المستشفيات، وغرف الطوارئ، والعمليات، وتوفير الأدوية الضرورية.
تحولات جوهرية
ولا شك أن هناك عوامل جوهرية تقف وراء ثبات وقوة الموقف الكويتي، مقارنة بالموقف الإماراتي مثلا، أو البحريني، حيث كان قطار التطبيع يسير بسرعة كبيرة خلال الشهور الأخيرة، متجاوزا الجداول المحددة له سلفا.
ويعزز هذا التحول، التغير الحاصل في رأس الإدارة الأمريكية، وغياب مهندس اتفاقات التطبيع، الرئيس السابق "دونالد ترامب" عن المشهد، وصهره "جاريد كوشنر".
ويسعى الديمقراطيون في الكونجرس إلى إجبار إدارة الرئيس الحالي "جو بايدن" على تأخير صفقة أسلحة بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل، وهي خطوة غير عادية للغاية؛ تعد تغيرا في المزاج الأمريكي تجاه الممارسات الإسرائيلية.
وفي 19 مايو/أيار الماضي، قال السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل "مارتن إنديك"، إن الاتجاه الداعم لإسرائيل يتراجع منذ سنوات، مقابل تزايد قوة المشاعر المؤيدة للفلسطينيين.
ويمكن القول أن الأحداث الأخيرة منحت الكويت، الفرصة لمواجهة الضغوط الإقليمية والدولية للانضمام إلى ركب التطبيع مع إسرائيل، بل والسير عكس البوصلة الخليجية التي كان يجري توجيهها نحو ذلك.
وترى صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أن الدول المطبعة وجدت نفسها في موقف حرج، وبدأت تتراجع عن ذلك مع تدهور سمعة إسرائيل في جميع أنحاء العالم؛ وأن اتفاقيات التطبيع التي تم عقدها قبل أشهر تبدو اليوم كأنها لا تستحق الورق الذي كُتبت عليه.
ووفق الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب "يوئيل جوجزنسكي"، فإنه نظرا لحجم الدمار في قطاع غزة، فإن الدول المطبعة اضطرت تدريجيا لإظهار دعم أكبر للفلسطينيين.
وأضاف "جوجزنسكي" أن أحداث القدس والحرب على غزة قد تزود الدول التي اختارت الجلوس على الحياد وعدم الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع، بأسباب إضافية لعدم تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مستقبلا.
ومن المرجح أن تتسبب الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في عرقلة وصول قطار التطبيع إلى محطات جديدة في العالمين العربي والإسلامي، منها الكويت وقطر.
ويرى مراقبون أن نتائج جولة الحرب الأخيرة، وصمود المقاومة الفلسطينية، عزز التوجه الكويتي والخليجي-باستثناء الإمارات- مجددا نحو دعم القضية الفلسطينية، والوقوف ضد خطط الاستيطان والتهجير القسري، ورفض التحرشات الإسرائيلية بالمسجد بالأقصى والقدس المحتلة.