علاقات » اسرائيلي

ما الفخ الذي نصبته “قبيلة بن زايد” لـ”بني إسرائيل” في شرم الشيخ؟

في 2022/03/26

كارولين جليك- إسرائيل اليوم-

في مقابلة مع شبكة “فوكس” هذا الأسبوع، شرح رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بأن الصراع الذي خاضه ضد الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015 كان أساس العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والدول السُنية، والتي ولدت اتفاقات إبراهيم. وقد شاهد العرب إسرائيل تخوض صراعاً عنيداً لمنع اتفاق يعرضهم للخطر بقدر لا يقل عن تعريض إسرائيل للخطر، وفهموا بأن إسرائيل هي الحليف الأقوى والأكثر مصداقية.

في نظرة سطحية، كانت قمة شرم الشيخ، الثلاثاء، بين رئيس الوزراء نفتالي بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، استمراراً مباشراً لاتفاقات إبراهيم. وفي ضوء الاتفاق النووي الجديد والأخطر من الاتفاق السابق الذي تقوده إدارة بايدن، يبدو أن العرب سيرغبون في توثيق العلاقات مع إسرائيل.

ولكن ثمة أسباب تستدعي القلق من لقاء شرم الشيخ، وهو قلق نابع من شكل تفكير قبلي في العالم العربي. ففي مقال نشر في وكالة الأنباء اليهودية JNS هذا الأسبوع، شرح المستشرق د. ديفيد فيرنيسر، بأن الصراع في نظر العرب بين السُنة والنظام الشيعي هو نزاع دموي بين القبائل. وتعتبر الولايات المتحدة على مدى السنين كالقبيلة الأقوى وكلية القدرة التي حمت السُنة من إيران.

وفق النظرة العربية، فإن سياسة الإدارة المؤيدة لإيران والتي تمنح شرعية للمشروع النووي الإيراني مضافاً إليها المقدرات اللازمة لخوض حرب إقليمية، هي خيانة “بني أمريكا” (القبيلة الأمريكية) للقبائل السعودية والإماراتية واليهودية (بني إسرائيل). في هذا الوضع، أمام السعوديين والإماراتيين ثلاثة بدائل، وفقاً لديفيد فيرنيسر: الشطب من قبل إيران؛ والانبطاح أمام الإيرانيين والوصول إلى سلام على حساب قبيلة أخرى – لنقل هي إسرائيل؛ أو استبدال الولايات المتحدة بإسرائيل.

وشرح فيرنيسر بأن أمام إسرائيل بديلاً واحداً فقط في وضع الهجر الأمريكي، وهو أن تأخذ على عاتقها مكانة الحصان القوي الذي كان لواشنطن. فإيران من ناحيتها لا تعتزم تركنا لحالنا، أما نحن فليس لدينا رغبة في الفناء.

هذا هو الواقع الذي عقدت فيه قمة شرم الشيخ.

الوهم الأمني الأكبر

حسب تقارير وسائل الإعلام، فإن المسألة المركزية التي بحثت هناك كانت رغبة بن زايد في ترميم علاقات الجامعة العربية مع نظام الأسد في سوريا. وقد عرضت المبادرة كوسيلة لدق إسفين بين الأسد وإيران، لكنها نظرة مضللة. فبن زايد وشريكه ولي العهد السعودي محمد بن سليمان، يدركان أن الأسد ليس لاعباً مستقلاً؛ فهو دمية إيران. ليس للأسد لا نظام ولا وجود إلا ومتعلق بنظام طهران.

مبادرة بن زايد تهكمية وذكية؛ فهو يعرف بأن أجيالاً من جنرالات الجيش الإسرائيلي وسياسيين من اليسار أوهموا أنفسهم أنه يمكن الفصل بين الأسد – الأب، والابن والروح القدس الأمنية – وإيران، من خلال تنازل إسرائيلي عن هضبة الجولان. في الجيش الإسرائيلي كان هناك من حاول منع اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان في 2019.

منذ حل بايدن ورفيقه محل إدارة ترامب، يتقدم السعوديون والإماراتيون بخطة حذرة نحو طهران لبحث إمكانية سلام منفرد مع القبيلة القوية الجديدة. هذا هو السياق الذي ينبغي فيه فحص محاولة بن زايد إقناع بينيت بإسناد خطوته حيال الأسد.

تأتي مبادرة بن زايد المتهالكة في الوقت الذي يصعب فيه على القيادة الأمنية في إسرائيل فهم الخطر. فالقيادة الأمنية التي أخطأت على مدى سنين بالنسبة لسلالة الأسد، تسيطر اليوم على السياسة الأمنية للحكومة. وكمؤشر على انعدام التعلم في أوساط أعضاء القيادة الأمنية، وفقاً لتقارير الإعلام، كان رد فعل بينيت ورفيقه على اقتراح بن زايد إيجابياً.

التحفظ الوحيد الذي كان فيه التأييد الإسرائيلي لمبادرة بن زايد هو اعتراض الإدارة الأمريكية على الخطوة.

بينيت يتوسط مرة أخرى

ثمة مشكلة خطيرة أخرى؛ بينيت ورجاله لا يفهمون تفكير العرب أغلب الظن، بل ولا يفهمون سياسة إدارة بايدن تجاه إيران. لقد رأى نتنياهو سياسة إدارة أوباما المؤيدة لإيران (والتي تعد إدارة بايدن استمراراً لها) مثلما رآها العرب – كهجر وكخيانة. رؤية نتنياهو هذه هي التي دفعته ليكافح ضد اتفاق أوباما بكل قوته، وبالمناسبة نجح في إقناع العرب بأن إسرائيل قد تؤدي دوراً رائداً وقوياً ومصداقاً في المنطقة.

أما بينيت ولبيد وغانتس، فلا يرون الواقع كما يراه العرب ونتنياهو. فهم لا يرون سياسة بايدن كهجر أو كخيانة، بل كخلاف عادي. وأسوأ من ذلك، فقد سحب بينيت لبيد وغانتس البساط من تحت أقدام الصراع ضد الاتفاق النووي عندما قالوا إن نتنياهو أخطـأ حين أقنع ترامب بهجر الاتفاق.

إن احتجاج بينيت وشركائه الحالي ضد نية الإدارة إخراج الحرس الثوري من قائمة منظمات الإرهاب، يفوت الأمر الأساس. فالمشكلة الأساس هي الاتفاق الذي يشق طريق إيران إلى ترسانة نووية وهيمنة إقليمية. إذا بقي الحرس الثوري في قائمة منظمات الإرهاب فإن “إنجاز” بينيت ولبيد وغانتس لن يقلل الخيانة في شيء، ولن يخفف من خطر وجودي لهذا الاتفاق على إسرائيل.

إن التقارير القائلة بأن بينيت يتوسط بين الإماراتيين والسعوديين وبين الإدارة، هي دليل على انغلاق حسه على الواقع الاستراتيجي الذي يعمل فيه حيال العرب وحيال واشنطن على حد سواء. فوليا العهد السعودي والإماراتي يرفضان اللقاء أو التحدث مع رجال الإدارة لأنهما يدركان بأن بايدن ورجاله هجروهما. فإذا كان الأمريكيون يريدون ترميم العلاقات، فإن واشنطن ملزمة بتغيير الاتجاه. ويبدي بينيت انغلاق حس تجاه مشكلتهما – التي هي مشكلتنا أيضاً – عندما يعمل كمروج إدارة معادية. وفي ظل ذلك، فإنه يبرد اهتمامهما بعقد حلف إقليمي مع إسرائيل ضد إيران ويعزز أوراق طهران حيال العرب.

ادعى بينيت هذا الأسبوع بأن لا معنى لخوض صراع ضد الاتفاق النووي، لأنه بات قصة منتهية. خطأ آخر. فإدارة بايدن أقل قوة من إدارة أوباما، وغير قليل من الديمقراطيين يعارضون الاتفاق. الصراع ليس ضائعاً مسبقاً.

وماذا إذا كان الصراع ضائعاً؟ إسرائيل ستكسب منه في كل حال. صراع إسرائيلي جدي ومصداق سيجند مؤيدي إسرائيل ضد سياسة بايدن. كما أنه سيظهر جدية وقوة في نظر العرب في اللحظة الحرجة التي يكونون فيها أمام اختيار بين إيران وبيننا، الولاء أم إدارة الظهر لليهود والهدنة مع إيران.

ثمة إمكانية لصعود إدارة جمهورية في 2025 تعمل على ترميم مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكن إسرائيل لا تعول على هذا. وبغياب مظلة أمريكية، ليس أمامنا سوى بديل واحد، وهو الدخول إلى الدور القيادي الرائد في الشرق الأوسط، الذي تركته واشنطن لمصيره.