أشرف كمال - الخليج أونلاين-
أثارت موائد الإفطار التي تقيمها الإمارات العربية العربية وتضم ممثلين عن أديان متعددة بينها اليهودية والبوذية والسيخية، تساؤلات بشأن الرسائل التي تريد أبوظبي إيصالها عبر هذه الموائد الجماعية في هذا الشهر الكريم.
وبينما كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم ساحات المسجد الأقصى وباحاته وتطلق القنابل على المصلين وتعتقلهم في نهار رمضان (الجمعة 15 أبريل 2022) كانت سفيرة الإمارات في باريس هند مانع العتيبة تناقش مع رجال دين يهود التسامح الديني والتعايش على هامش إفطار جماعي.
وقبل أيام من إفطار باريس، نظمت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري الإماراتية (10 أبريل 2022)، إفطاراً جماعياً بمشاركة ممثلين من 6 طوائف دينية مقيمة بالبلاد، السيخ والبهرة والهندوس والبوذية واليهودية والكنيسة القبطية المصرية.
وأثارت المبادرة جدلاً داخل الإمارات نفسها بين الداعمين للفكرة والرافضين لها. فبينما اعتبر البعض أن فكرة الإفطار تهدف إلى التسامح ونبذ العنصرية، رأى آخرون أن هذه الخطوة "تعد محاولة لتوثيق العلاقات مع إسرائيل على حساب المجتمع الإماراتي".
أول مبادرة من نوعها
الدكتور حمد الشيباني، مدير عام دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في الإمارات، قال إن هذه المبادرة "هي الأولى من نوعها في البلاد وفي دول الخليج العربي"، مشيراً إلى أنها "ترفع شعار الأخوة الإنسانية".
وأوضح الشيباني لصحيفة "الإمارات اليوم" المحلية (10 أبريل 2022) أن الدائرة قررت إقامة مبادرة "إفطار دبي"، يوم الأحد الثاني من شهر رمضان من كل عام، "لتكون مبادرة سنوية تكون بمثابة لقاء للأخوة الإنسانية".
ونقلت الصحيفة الإماراتية عن المشاركين في الإفطار أن المبادرة "تمثل نموذجاً للتسامح والأخوة الإنسانية وقبول الآخر.. وهو ما يحتاج إليه العالم، خاصة في ظروفه الراهنة التي تشهد الكثير من النزاعات والصراعات".
تمرير للتطبيع
في المقابل انتقدت المعارضة الإماراتية الخطوة، ووصفتها بـ"محاولة للتطبيع الاجتماعي مع إسرائيل واختراق المجتمع الإماراتي وإجباره على استضافة إسرائيليين على أرض الإمارات".
وقال الباحث الإماراتي حميد النعيمي لـ"الخليج أونلاين"، إن الإمارات تستخدم شعارات برّاقة من قبيل الأخوة الإنسانية والتسامح لتغطية أمور أخرى التي تحمل نوعاً من العدائية، مضيفاً أن وجود حاخام إسرائيلي في المأدبة يؤكد هذا الأمر.
وأضاف النعيمي أن من بين المفارقات أن تغض الإمارات الطرف عما يجري في الأراضي المحتلة من اعتداءات واقتحامات للمسجد الأقصى من قبل اليهود، ولا تحرك ساكناً لذلك، وتستقبل اليهود على موائدها، بما يؤكد أن المسألة سياسية بالأساس.
ولفت النعيمي إلى أن الإمارات دانت الهجمات التي أوقعت قتلى في "تل أبيب"، بينما لاذت بالصمت إزاء قتل واعتقال الفلسطينيين، مضيفاً: "الهدف الأساسي من هذه المبادرات هو اكتساب سمعة عالمية على حساب المسلمين وقضاياهم".
ومن بين الأهداف الأخرى لمثل هذه المبادرات هو الترويج لفكرة "الديانات الإبراهيمية" التي ترمي بالأساس لتوسيع دائرة التطبيع ومنح الإسرائيليين أفضلية على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك تسهيل دخولهم إلى البلاد مقابل وضع العقبات أمام المسلمين.
وأشار النعيمي إلى أن "تمييع الدين والتلاعب بالعقيدة الإسلامية" واحد من الأمور التي تستهدفها هذه المبادرات وغيرها من قبيل "الصلاة الجماعية"، والحديث عن أن "كل الأديان تؤدي إلى الله"، وكلها أمور تضرب أصولاً في العقيدة الإسلامية تحت شعارات التسامح والتعايش.
تناقض إماراتي
الكاتب الإماراتي أحمد النعيمي كتب على حسابه في تويتر إن حكومة الإمارات التي جمعت اليهود على موائد التسامح هي نفسها التي منعت العديد من معتقلي الرأي الإماراتيين من الإفطار مع عائلاتهم لسنوات، بسبب اعتقالهم.
كما أكد النعيمي لـ"بي بي سي" أن موائد الإفطار التي تضم أتباع ديانات أخرى ليست إلا محاولات اختراق للمجتمع الإماراتي، وإصرار على تصويره وكأنه مؤيد لعمليات التطبيع التي تقوم بها الحكومة.
وأضاف النعيمي أن "التساهل في دخول الإسرائيليين إلى الإمارات يقابله تشدد في دخول العديد من الجنسيات العربية".
وعلى مواقع التواصل كان الجدل حاضراً أيضاً، حيث انتقد مغردون هذه الموائد، واعتبروها محاولة لتمرير ما يعرف بـ"الديانة الإبراهيمية"، فيما اعتبرها آخرون دليلاً على التسامح.
دعوة للتسامح
في المقابل تقول الدكتورة رشا الجندي، كبيرة الباحثين بمركز دبي للأبحاث، إن هذه المبادرة وغيرها تهدف بالأساس لتعزيز التسامح بين أتباع الأديان المختلفة، مشيرة إلى أن الإمارات بدأت هذا المسار قبل سنوات وليس اليوم.
وفي تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أكدت أن هذه اللقاءات اتسعت بعد اتفاقات التطبيع لتشمل اليهود وغيرهم لتعزيز فكرة التسامح. وأن الانتقادات الموجهة للمأدبة "سياسية بالأساس"، وتعتبر انتقاداً لاتفاقيات التطبيع ذاتها، وليس للمأدبة، من وجهة نظرها.
وقالت الجندي إن كافة الانتقادات لن توقف محاولات الإمارات تقوية علاقاتها مع دولة الاحتلال؛ لأنها بحاجة لتعزيز هذه العلاقات من أجل مواجهة إيران، مع دنو التوصل لاتفاق نووي جديد بين طهران والولايات المتحدة، حسب قولها.
وكان ممثل الجالية اليهودية في دبي الحاخام الإسرائيلي ليفي دوشمان، قال على هامش الإفطار: إن "الانضمام إلى هذا الحدث والوجود مع أشخاص من مختلف الأديان والمذاهب يؤكد ما تمثله دولة الإمارات ودبي على صعيد ترسيخ معاني التسامح، والتعايش السلمي".
ووقّعت الإمارات، في 14 سبتمبر 2020، اتفاقاً لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ومنذ ذلك الحين تم تبادل السفراء وتدشين الخطوط الجوية المباشرة والتوقيع على الكثير من الاتفاقيات الثنائية.