حسين إبراهيم-
لا يتوقّف نظام الإمارات عن السعي إلى نقل بلاده كلّياً إلى صفّ إسرائيل، مشاركاً إيّاها في كلّ احتفالاتها، بما في ذلك حفل تأبيني على أراضي الأولى لكلّ الجنود الإسرائيليين الذين سقطوا في الحروب مع العرب، وإرسال مقاتلات للمشاركة في عرض عسكري تقيمه دولة العدو في ذكرى «استقلالها»، ونكبتنا، في عام 1948، إلى حدٍّ استفزّ حتى الجيران في السعودية، الذين لا يستطيعون حذْو حذوها، ولكنهم يقلقون من «المزايا» التي تحصدها أبو ظبي من كونها الوكيل الحصري للعدو في الخليج وعلى مقربة من إيران
صارت إسرائيل الرهان الوحيد والملاذ الأخير لحكّام الإمارات. فأن تحتضن الدولة الخليجية احتفال العدو بذكرى نكبتنا، وتؤبّن قتلاه الذين سقطوا وهم يرتكبون المجازر فينا، فهذا يعني أنها انتقلت كلّياً إلى صفه. لم يَعُد لدى حكّام أبو ظبي متّسع من الوقت للمداراة؛ فالنظام لا يحتمل لحظة فراغ واحدة من دون رعاية وحماية. لا يستطيع العيش مع القلق القاتل في الوقت الأميركي الضائع، وإلّا فإن الدولة التي صنعتها بريطانيا بعد أن سيّدت حكّام أبو ظبي على الإمارات الستّ الأخرى، وآل نهيان وآل مكتوم على كلّ القبائل، قد تتفكّك وتتبعثر بالسرعة نفسها التي دُمجت فيها عام 1971. ولذا، فإن ما تعيشه الإمارات حالياً هو الانتقال من كونها قاعدة بريطانية، ثمّ أميركية في الخليج، إلى كونها قاعدة إسرائيلية فيه.
وليس صحيحاً أن الإمارات تَغيّرت؛ فهي لم تكن يوماً ضدّ إسرائيل، ولم تقف يوماً مع العرب في صراعهم معها. وحتى في عزّ سيادة الموجة القومية العربية، لم تتذكّر مرّة ضحايا المجازر الإسرائيلية من العرب، وهم بمئات الآلاف. والنظام الإماراتي لا يفعل سوى إظهار وجهه الحقيقي، حينما يؤبّن الجنود الإسرائيليين القتلى الـ24068 فرداً فرداً، إلى جانب 4216 ممَّن يسمّيهم العدو مدنيين ولكنّهم في غالبيتهم مستوطنون، في احتفال أقيم في سفارة العدو في أبو ظبي. وهؤلاء سقطوا في الحروب مع العرب، منذ عام 1860 - العام الذي تقول إسرائيل إنه شهد أولى الهجمات بعد أن أسّس الصهاينة أوّل حيّ خارج أسوار البلدة القديمة في القدس -، «أثناء أداء واجبهم» في ارتكاب المجازر، من دير ياسين، إلى مقتلة الجنود المصريين الأسرى بالثياب الداخلية في سيناء، ثمّ صبرا وشاتيلا، وصولاً إلى قانا وغيرها من المجازر التي ارتُكبت في لبنان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولأن هذا هو الوجه الحقيقي لحكّام الدولة، لا تعود مستغربة الوقاحة التي بلغت مداها حين اتّخذ ذباب الإمارات الإلكتروني صفة الهجوم، متخلّياً عن الصمت الذي كان يلوذ به في مثل هذه المواقف، ليَظهر اليوم مَن يقول «إنّنا منذ 70 سنة ونحن نتبرّع في قضية خاسرة... وفي المقابل لم نجد سوى السبّ والشتم والطعن في الظهر من الفلسطينيين. أعطونا صناديق تبرّعات لدعم إسرائيل أرحم».
النظام الإماراتي لا يفعل سوى إظهار وجهه الحقيقي، حينما يؤبّن الجنود الإسرائيليين القتلى
مستوى الأسرلة الإماراتية استفزّ بعض الجيران الذين وجدوا أدوارهم تُسرق من أمامهم، وتحديداً السعودية التي ثبت حتى الآن أنها لا تستطيع التطبيع بسبب عدم إمكانية تقبُّل الشعب السعودي لإسرائيل، ولا يمكنها في الوقت نفسه ترك نظام الإمارات يحصد «مزايا» التطبيع التي تعطيه أدواراً تفوق حجمه. فكلام تركي الفيصل الذي اعتبر فيه أنه «لا يوجد أيّ دليل على الإطلاق على أن استرضاء إسرائيل سيغيّر موقفها»، بدا أنه ينطبق على أبو ظبي تحديداً، ولا سيما أن الدولة الخليجية الصغيرة سبق أن برّرت توقيع «اتفاقات أبراهام» مع العدو، بالقول إنها «تصبّ في مصلحة الفلسطينيين». والأمير السعودي الآتي من عالم المخابرات لا يعبّر عن حرص مبدئي على رفض التطبيع، فهو نفسه من أوائل المطبّعين مع العدو على المستوى الشخصي، وإنّما عن خشية من السبق الإماراتي للاستفادة من «المزايا» التي تتيحها العلاقة مع إسرائيل.
وإذ ستسجّل الإمارات سابقة أخرى بمشاركتها، بطائرات عسكرية هذه المرّة، في العرض الجوّي الذي يقيمه العدو في ذكرى تأسيس الكيان - في وقت يتعرّض فيه المسجد الأقصى في القدس للاستباحة يومياً من قِبَل الإسرائيليين -، بعدما شاركت بطائرات مدنية في عرض أقيم عام 2021، لا يبقى إلّا أن تنخرط عسكرياً في الحرب ضدّ الفلسطينيين حتى تتماهى كلّياً مع الاحتلال. فمن يجرؤ، في ضوء سرعة مسار التطبيع الإماراتي، على استبعاد احتمال كهذا؟ إذ بالنظر إلى الطبيعة الوظيفية للدولة منذ التأسيس، يصبح كلّ شيء مباحاً، سواءً كان مشاركة في العدوان على اليمن الذي استدعت إليه أبو ظبي الطيران الإسرائيلي المسيّر الذي مكّنها من تحقيق الاختراق في شبوة في الأشهر الماضية قبل أن يعيدها القصف اليمني للعمق الإماراتي إلى عقلها، أو بوضع أصبعها في كلّ ساحة من الساحات العربية المشتعلة، من ليبيا إلى العراق، أو حتى الاستثمار مالياً هنا أو حجب الاستثمار هناك.