مهنا الحبيل- الوطن-
لقد كان الشيخ أحمد القطان منبراً مفرداً في المسار الثاني، للبعث الإسلامي وهو الوقوف في مواجهة المستبدين العرب، وتعرية مواقفهم وهو ما كان نادراً في ذلك الزمن، وتذكيره بالمضطهدين من المسلمين وخاصة الشعوب العربية، بل إنني أزعم أن الشيخ القطان كان أحد أهم منابر الثورة السورية عام 1982 في الخارج، التي اُنهيت بمجزرة حماة، بغض النظر عن سياقات النقد والأخطاء التي وقعت فيها، فكانت مذابح نظام دمشق الإرهابي تصم الآذان وتصدم النفوس.
ومع ذلك كانت محل إخفاء متواطئ في الوطن العربي، إلا في بغداد بسبب صراع أجنحة البعث القومي. لقد بعثت القصيدة النثرية «جدارُ الصامتين»، وقراءته لرسالة ضحايا الإرهاب الأسدي اللعين من حرائر سوريا، ثورة وجدان في نفس كل عربي ومسلم يؤلمه الظلم، بل كل إنسان منصف يؤمن بأن هذا الظلم والقمع، هو مركز البؤس والتعسف الذي يبطش بالمواطن العربي البريء، فكان الشيخ القطان في منبره الدفاع عن الأقصى أحد ممثلي الشعوب العربية المقموعة، كما هو صوت فلسطين المحتلة وثورة تحريرها المستمرة.
أما فلسطين فقد كان لمنبره حكاية كبرى، وقد ذكّر رحيله بأمورٍ مهمة في دور الكويت التاريخي، المناصر للقضية الفلسطينية ومسيرة الصمود أمام الاحتلال، نرتبها في هذه النقاط:
1. من بركة الشيخ أحمد القطان رحمه الله أن رحيله مثّل حركة دعم لفلسطين المباركة والمرابطين في المسجد الأقصى، وكأنه تحقيقاً تنفيذياً لعنوان منبره في جامعة بالكويت الذي أطلق عليه منبر الدفاع عن المسجد الأقصى، فعزّز رحيله معنى اللحمة العربية الإسلامية بين فلسطين والخليج العربي.
2. هذا الخليج العربي وشعبه الذي رابط في مد فلسطين وغوثها الإنساني لعقود، وكان من أحد أهم أسباب تثبيت المقاومة الفلسطينية، مثلت الكويت باتجاهها الإسلامي دوراً حيوياً فيه لا يُنكره أحد، وهذا لا يُقلل من دور الحركة القومية العربية في الكويت، ولكن في العقود الأربع الماضية مثلت الروح الإسلامية المتضامنة مع فلسطين بعثاً فكرياً مهماً في الخليج العربي بقيادة الكويت، وكان الشيخ الفقيد رمزها الكبير رحمه الله.
3. ولقد تعرضت هذه الرابطة ولا تزال لحملات تشكيك ووهن في جسد هذا التضامن، بسبب مشروع نشر الفكر الصهيوني في الخليج، وخاصة خلال الأزمة الخليجية السابقة، وما جرى من اتفاقات ضخمة مع الكيان الصهيوني، استغلت تلك التصريحات المستمرة من بعض قيادات حماس، في دعم قوة التطرف الإرهابية الطائفية الإقليمية، التي ذبحت سوريا والعراق وغيرهم من الشعوب العربية.
4. ولذلك فإن هذه العودة الجميلة اليوم، التي ذكّر بها رحيل الداعية الإسلامي المخضرم، أحمد القطان هو طيف من بركة الصالحين من دعاة الإسلام، لا تمثل الإسلاميين كاتجاه حزبي، ولكن كفكر رسالي اعتنق الدفاع عن فلسطين وقضيتها وتحرير الأقصى، منذ بزوغ حركته المعاصرة، وهو ينتمي إلى قضية قدسية اُنزلت في آيات القرآن الكريم.
5. ولذلك فلا يجوز أن يكون للخلاف بين الشعوب عليها مدخلاً، مع مراعاة الطبيعة الاجتماعية للناس، والفرق بين الفضلاء والسفهاء في كلا الجانبين، وخاصة أن قضية فلسطين في التاريخ العربي المعاصر تم استغلالها من أنظمة ومن ثقافات وشخصيات، لتبرير سياسات ظالمة أو نفوذ مادي مصلحي، فهذا لا علاقة له بموقفنا المبدئي من فلسطين.
وإن كانت القضية وكما كتبت سابقاً قد تأثرت في السنوات الماضية بغياب توازن خالد مشعل كأحد أبرز وأذكى قيادات تاريخ الكفاح الفلسطيني، بغض النظر عن موقعه الحزبي الذي لا يُمثل فارقاً يذكر، متمنين أن تعود قوة التوازن والعمق الذي عرفت به حماس، منذ كارثة غزو الكويت حتى رياح الربيع العربي.
واليوم هناك معركة ساخنة لا تهدأ، تواصل فيها الصهيونية شن حربٍ مركزية متتالية الدورات، تقوم على استثمار هذا الدعم العربي، وضمه إلى الدعم الغربي، لصناعة رصيف وجسر شرير، يُحقق نقلة لهم في مساحة القدس وفي ذات المسجد الأقصى، يواجه بقوة رباط وعزيمة كفاح عظيمة من المقدسيين والـ48 والضفة الغربية.
وواجبنا الإسلامي والعربي الكبير شحذ الهمم، ودعم القوة المدنية في الأرض المباركة، وكل غوث إنساني للقدس ولغزة ولصوت حريتها وتحريرها ليصل بأيدٍ أمينة، كان الشيخ القطان رحمه الله أحد أبرز منابرها، ليكتب الله له أجر رباط القدس وحماية أقصاها وهو في الملأ الأعلى.