علاقات » اسرائيلي

ستنتقل ملكيتها للسعودية.. ما هي أهمية جزيرة "تيران"؟

في 2022/07/19

أشرف كمال - الخليج أونلاين-

في خطوة لإغلاق ملف انتقال ملكية جزيرتي "تيران وصنافير" للمملكة العربية السعودية بشكل كامل، أعلنت الولايات المتحدة عزمها سحب قوات حفظ السلام الدولية في "تيران" نهاية العام الجاري، تمهيداً لنقل ملكية الجزيرتين للرياض.

وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن القرار يوم (الجمعة 15 يوليو 2022)، بعد مشاورات أجراها مع كبار المسؤولين السعوديين عقب وصوله إلى جدّة في أول زيارة له منذ توليه الرئاسة عام 2021.

ولطالما كانت جزيرتا تيران وصنافير في البحر الأحمر نقطة خلاف بين مصر والسعودية بسبب موقعهما الاستراتيجي عند مصب خليج العقبة الذي يضم موانئ تابعة للبلدين، بالإضافة إلى "إسرائيل" والأردن.

ولم يتحدث البيان الأمريكي السعودي المشترك عن جزيرة "صنافير" التي تنازلت عنها مصر إلى جانب "تيران" للجانب السعودي عام 2016، لكن يبدو أنها مشمولة بالاتفاق، لكونها امتداداً طبيعياً للجزيرة الأكبر (تيران)، التي تحتل الأهمية الأكبر.

صفقة تاريخية

وقال الرئيس الأمريكي بعد مشاورات مع الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد: "لقد أبرمنا صفقة تاريخية لتحويل نقطة اشتعال في قلب حروب الشرق الأوسط إلى منطقة سلام".

وأضاف: "الآن نتيجة لهذا الاختراق، ستكون هذه الجزيرة مفتوحة للسياحة والتنمية الاقتصادية، مع الاحتفاظ بجميع الترتيبات الأمنية اللازمة وحرية الملاحة الحالية لجميع الأطراف".

جاء التنازل المصري عن الجزيرتين في إطار اتفاقية لترسيم الحدود مع السعودية أثارت اضطراباً في الشارع المصري، وأدَّت لاحتجاجات واعتقالات، بعدما أبطل القضاء قرار التنازل عن الجزيرتين.

ووفقاً لبيان البيت الأبيض، فإن الرياض وافقت على احترام جميع الالتزامات والإجراءات القائمة حالياً في المنطقة، وتعهدت بالإبقاء عليها، وهي الترتيبات الناجمة عن اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر و"إسرائيل" عام 1979، والتي تنص على نزع السلاح من الجزيرتين والإبقاء عليهما تحت قوة حفظ سلام دولية.

لكن المملكة العربية السعودية رفضت وجود القوات الدولية في المنطقة بعد نقل ملكيتها إليها، وتعهّدت بضمان حرية الملاحة للجميع، ومن ضمنهم "إسرائيل".

وقال البيت الأبيض إن قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات "ستطبق ترتيبات بديلة لضمان حرية الملاحة لجميع الأطراف، ومن ضمنها إسرائيل".

أهمية الجزيرتين

وتبعد جزيرة تيران البالغة مساحتها 61.5 كيلومتراً مربعاً قرابة 6 كيلومترات عن الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء، حيث تقع مدينة شرم الشيخ، أما جزيرة صنافير، التي تبلغ مساحتها 33 كيلومتراً مربعاً، فتبعد 2.5 كيلومتر شرق تيران.

وبقيت الجزيرتان غير المأهولتين تحت السيادة المصرية منذ 1950، وقد احتلتهما "إسرائيل" أثناء حرب السويس التي خاضتها ضد مصر مع فرنسا وبريطانيا عام 1956، والمعروفة بـ"العدوان الثلاثي".

ومن هاتين الجزيرتين انطلقت شرارة حرب يونيو 1967؛ بعد أن نشرت مصر قواتها فيهما، وأغلقت مضيق تيران.

واستعادت مصر السيطرة على الجزيرتين الهامتين عام 1982 بموجب معاهدة السلام الموقعة مع "إسرائيل"، قبل أن يوقّع الرئيس عبد الفتاح السيسي أمراً في 2016 تنازل بموجبه عن الجزيرتين رسمياً للرياض.

كانت الجزر موطناً لقوة حفظ سلام صغيرة متعددة الجنسيات منذ عام 1979 بعد اتفاق سلام بين مصر و"إسرائيل". وتستضيف تيران مطاراً تستخدمه هذه القوات.

تقع تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة، حيث يوجد ميناء "إيلات" الإسرائيلي وميناء "العقبة" الأردني، وهو الميناء الوحيد الذي تمتلكه المملكة الأردنية قليلة السواحل. وقد أدَّى إغلاق الرئيس المصري جمال عبد الناصر لمضيق تيران عام 1967 إلى قطع الوصول إلى هذين الميناءين.

لذلك، يُنظر إلى الحفاظ على وضع الجزيرتين دون سلاح على أنه ركيزة أساسية لتحقيق السلام في المنطقة.

ومنذ اتفاقية 1979 وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجزر بعد ثلاث سنوات، مُنعت القاهرة من وضع قوات هناك كجزء من اتفاقية سيناء الأوسع لنزع السلاح.

نزاع تاريخي

يمكن القول إن النزاع على ملكية الجزر يعود إلى أكثر من 100 عام، ففي عام 1906، رسمت الإمبراطورية العثمانية حدودها الشرقية ووضعت تيران وصنافير، خارج الأراضي المصرية.

في وقت لاحق من ذلك العام، وقعت مصر (التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية رسمياً ولكنها تتمتع بحكم ذاتي إلى حد بعيد) اتفاقية أخرى شملت الجزيرتين.

على مدى العقود القليلة التالية، انهارت الإمبراطورية العثمانية واستولى البريطانيون وحلفاؤهم العرب على أراضيها، بمن فيهم السعودية التي أُعلن تأسيسها عام 1932.

وفي عام 1949، اندلعت الحرب الأولى بين "إسرائيل" والدول العربية، وفي نهاية المطاف، تم التوصل لاتفاقية "رودس" للهدنة التي سلمت السيادة على جزر البحر الأحمر إلى مصر.

ومع ذلك، ووفقاً للوثائق التي استشهدت بها الحكومة المصرية في عام 2016، فقد عارضت المملكة العربية السعودية ملكية مصر للجزر.

لكن بسبب ضعف البحرية السعودية في ذلك الوقت توصلت المملكة إلى اتفاق مع مصر على أن تواصل الدولة إدارتها، دون التنازل عن مطلب السعوديين الأساسي بملكية الجزيرتين.

لاحقاً، نشأت خلافات أخرى بشأن الجزيرتين، حيث لجأت السعودية للأمم المتحدة لإبطال سيادة مصر للجزر (في عهد جمال عبد الناصر) مستشهدة بمرسوم 1906 الصادر عن العثمانيين كدليل على حقيقة ملكية الرياض للجزيرتين.

ومع ذلك، استمرت مصر في إدارة الجزيرتين واستخدامهما كأصول استراتيجية وتجارية وعسكرية رئيسية، حتى عام 1967، عندما احتلتهما "إسرائيل" خلال الحرب مع مصر، وحتى إعادتهما سنة 1982، بناء على "كامب ديفيد".

في عام 1979، كجزء من معاهدة "كامب ديفيد" بين "إسرائيل" ومصر، تم إنشاء قوة متعددة الجنسيات من المراقبين لضمان حرية الملاحة في مضيق "تيران"، وكان سحب هذه القوة حجر عثرة في طريق المفاوضات، لأنه يتطلب موافقة "إسرائيل".

على الرغم من أن "تل أبيب" أشارت إلى موافقتها في الماضي، فإنها في المقابل تريد ضمانات معينة تشمل تعاوناً أمنياً مع السعودية، وقد نقلت موقع "أكسيوس" (الخميس 14 يوليو 2022)، أن حكومة الاحتلال وافقت على القرار الأمريكي.

وسيسمح الاتفاق للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي للمملكة في الرحلات المتجهة شرقاً إلى الهند والصين.

إنهاء حالة التوتر

الكاتب الفلسطيني وسام أبو عفيفة، قال إن قرار نقل السيادة على الجزيرتين كان مصرياً سعودياً، إلا أنه لم يتحقق بسبب رفض دولة الاحتلال التي تستند إلى معاهدة السلام بينها وبين مصر.

وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال أبو عفيفة إن "تل أبيب" حاولت الاستفادة من هذا الموقف الدولي لفتح قنوات اتصال مع السعودية، مشيراً إلى أن الرئيس بايدن حاول تحويل نقل ملكية الجزيرتين للسعودية إلى مكسب سياسي خلال الزيارة.

ويرى أبو عفيفة أن المملكة "ربما أجرت مشاورات سرية في هذا الشأن لأنها كانت ترغب في إتمام سيطرتها على المنطقة"، مشيراً إلى أن سحب القوات الدولية من الجزيرتين يعني تحول المنطقة إلى حالة هدوء.

وخلص إلى أن سحب القوات الدولية من المنطقة يعني أنه لم يعد هناك تهديد عسكري من قبل الأطراف المرتبطة بالجزيرتين، وهو أمر يدعمه قرار فتح أجواء المملكة أمام الطيران الإسرائيلي.

وعلى صعيد الجغرافيا، لفت أبو عفيفة إلى أن "تيران" تقطع طريق دولة الاحتلال في البحر الأحمر، وهي ميزة كانت تحظى بها مصر تاريخياً، ومن ثم ستؤول هذه الميزة إلى السعودية، لكنه يرى أن الولايات المتحدة لا يمكنها تمرير الاتفاق دون ضمان حرية الملاحة في المنطقة.

ولفت المحلل الفلسطيني إلى أن الولايات المتحدة ضمنت خلال إعلان الاتفاق حرية الملاحة للجميع في المنطقة، مشيراً إلى أن البيان أكد التزام الرياض بتوفير حرية الملاحة في المنطقة "للجميع".

أما فيما يتعلق بمصر فإن الأخيرة تمتلك خليج السويس الذي يوفر لها حرية الحركة من البحر الأحمر لقناة السويس والعكس، ومن ثم فإن قناة السويس المصرية لن تتأثر بنقل ملكية الجزر للرياض، وإن كانت الدولة قد تنازلت عن ميزة استراتيجية عسكرية في البحر الأحمر.