علاقات » اسرائيلي

بعد عامين من إطلاقها، اتفاقات ابراهام للسلام تؤتى ثمارها

في 2022/10/27

محمــد ماهــر- معهد واشنطن- 

خطت اتفاقيات أبراهام للسلام المُبرمة بين الإمارات وإسرائيل خطوات مهمة نحو التعاون الاقتصادي والسياسي الإقليمي.

وفي سبتمبر الماضي يكون قد مرٌ عامين، على اتفاق السلام الإبراهيمي بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وبالرغم انه لا توجد احتفالات صاخبة في عاصمتي الدولتين، إلا أن تلك الاتفاقات في الواقع أدت إلى إعادة تشكيل الديناميات في الشرق الأوسط. كما أن الاتفاق التاريخي بين أبو ظبي وتل أبيب مهد الأجواء لاتصالات علنية للمرة الأولى بين الدول العربية الأخرى وإسرائيل، ولعل القرار السعودي الأخير بفتح المجال الجوي للمملكة امام حركة الطيران المدنية الإسرائيلية هو أحد الاشكال للشرق الأوسط الجديد الذي مهدت له اتفاقات السلام.

وللمرة الاولى تسود أجواء التقارب العربي – الإسرائيلي المنطقة. على وجه الخصوص، مهدت اتفاقات ابرهام للسلام الطريق لشراكات كاملة في القضايا المتعلقة بالأمن والأعمال والبيئة والابتكار والسياحة وغير ذلك الكثير. كما تسيٌر الخطوط الجوية رحلات مباشرة بين تل أبيب وأبو ظبي ودبي، والمنامة، والدار البيضاء، ومراكش.

وبالطبع، يكمن التعاون الاقتصادي المتزايد بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين في صميم هذه الديناميات الجديدة، وسط توقعات بأن تساهم اتفاقية السلام الإماراتية – الإسرائيلية في خلق 4 ملايين وظيفة جديدة و1 تريليون دولار في النشاط الاقتصادي الجديد خلال العقد المقبل، الامر الذي يساهم بقوة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في المنطقة والتي مازالت تحاول التعافي من اثار جائحة كوفيد 19، والغزو الروسي لـ أوكرانيا. وفي الوقت عينه، سيساهم إنشاء الصندوق الإبراهيمي بقيمة 3 مليارات دولار بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل والولايات المتحدة في تعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، في إطار مبادرات الاستثمار والتنمية التي يقودها القطاع الخاص لتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي والازدهار في الشرق الأوسط.

وبشكل عام، اتسعت مجالات التعاون بين أبو ظبي وتل أبيب، لتشمل مجالات طبية وتكنولوجية وبيئية وفضائية وعسكرية قد يكون لها عظيم الأثر خلال السنوات القليلة المقبلة، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل اتسع ليشمل تعاونا إقليميا ودوليا من نوع اخر، ويعد منتدى النقب، الذي يضم الإمارات وإسرائيل بالإضافة إلى مصر والبحرين والمغرب والولايات المتحدة الامريكية نموذجا للعلاقات الإقليمية الجديدة التي بدأت تتشكل معالمها نتيجة الاتفاق الإبراهيمي.

التعاون الاقتصادي

 كان البعد الاقتصادي والتنموي، حاضرا وبقوة في اتفاقية السلام الإماراتية – الإسرائيلية حيث نص البند الخامس من الاتفاقية على " انه من أجل دفع قضية السلام والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وإطلاق العنان للإمكانات العظيمة لبلدانهما والمنطقة، يبرم الطرفان اتفاقيات ثنائية في المجالات التالية في أقرب وقت ممكن عمليا: الرعاية الصحية، العلوم والتكنولوجيا والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، والسياحة والثقافة والرياضة، والطاقة، والبيئة، والتعليم، والترتيبات البحرية، والاتصالات والبريد، والزراعة والأمن الغذائي، والمياه."

خلال مقابلة اجريتها مع السفير الإماراتي بواشنطن، السفير يوسف العتيبة، في اعقاب اتفاقية السلام الإماراتية – الإسرائيلية 2020 قال لي: "دولة الإمارات كانت تريد سلاماً دافئاً، يحمل في ثناياه تحولاً إيجابياً حقيقياً، تنعم به الأجيال المتعاقبة في المنطقة"، موضحا: أن التعاون بين البلدين سوف يطلق مبادرات الاستثمار والتنمية التي يقودها القطاع الخاص لتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي والازدهار في الشرق الأوسط، والذي بدوره سوف يعزز التجارة الإقليمية، ويمكّن مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية، ويزيد من أمن الطاقة من خلال توفير إمكانية الحصول على الكهرباء بشكل موثوق وميسّر."

وقد أفادت بيانات رسمية أن حجم التبادل التجاري الإماراتي الإسرائيلي بلغ نحو 1.154 مليار دولار أمريكي في 2021، وهذا رقم ضخم للغاية إذا ما وضعنا في الاعتبار، انها مجرد أول سنة سلام بين البلدين، وتشير التوقعات إلى تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما أكثر من 2 مليار دولار خلال العام الجاري. ومن المفارقات أن حجم التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل اللتان سبق ووقعا اتفاقية سلام في 1979، بلغ نحو 122.4 مليون دولار فحسب خلال النصف الأول من عام 2021، وتشير الترجيحات إلا أن حجم التجارة بين البلدين لا يتجاوز الـ 330 مليون دولار سنويا، فيما تدور أرقام التجارة بين الأردن وإسرائيل واللتان وقعتا اتفاقية سلام عام 1994، حول نفس القيمة تقريبا.

ويعد حجم التبادل التجاري السلعي بين الإمارات وإسرائيل، الأكبر بين أي دولة عربية أخرى شملتها اتفاقات. وبمقارنة عام 2020 عندما وقع البلدان على الاتفاقية، قفزت التجارة الثنائية بين إسرائيل والإمارات بنسبة 510٪ في عام 2021، ومن المتوقع أن تستمر في الصعود. وفي النصف الأول من عام 2022، بلغ حجم التجارة الثنائية 1.2 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة ٪117 في التجارة عن النصف الأول من عام 2021.

اتفاق التجارة الحرة 

وفي ذات السياق وقعت الإمارات وإسرائيل في دبي، في مايو الماضي اتفاق تجارة حرة ضمن شراكة اقتصادية شاملة، وهو يعتبر الأول من نوعه بين تل أبيب ودولة عربية، حيث نصت الاتفاقية على استثناء 96٪ من الرسوم الجمركية على جميع السلع فورا أو تدريجيا، ومن المتوقع أن تحفز اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل التدفقات التجارية بين الدولتين وصولاً إلى 10 مليارات دولار سنوياً في غضون 5 أعوام، كما ستضيف نحو 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات خلال الفترة نفسها، وستصب في تحقيق زيادة سنوية ملموسة في قيمة الصادرات غير النفطية للدولة.

ولعل أحد أبرز اشكال التعاون الثنائي بين البلدين في مشروعات يمكن أن تؤثر على شكل الحياة في الشرق الأوسط، تلك الاتفاقية التي تم توقيعها في نوفمبر ٢٠٢١ بين الإمارات وإسرائيل والأردن تحت اسم اتفاقية "المياه مقابل الطاقة" والتي ستقوم بموجبها شركة إماراتية ببناء محطة للطاقة الشمسية في الأردن لتوفير الكهرباء لمحطة إسرائيلية لتحلية المياه، والتي بدورها سترسل المياه إلى الأردن. كما وقع الشهر الماضي أيضا، مركز الأبحاث والابتكار التابع لشركة مكابي لخدمات الرعاية الصحية الإسرائيلية، ومنظمات الصحة الإماراتية، سلسلة من الاتفاقيات الشاملة لتعزيز البحوث الطبیة المشتركة والابتكار التكنولوجي، بھدف تطوير الطب الشخصي مع التركيز على الابتكار الطبي وإنشاء نظام إقليمي من شانه دعم الأنشطة البحثية المشتركة، واجراء بحوث مشتركة حول امراض السرطان وأمراض القلب وغيرها.

منتدى النقب 
إلى جانب الابعاد الاقتصادية التي حملتها الاتفاقات، أطلقت الاتفاقات مبادرات واعدة لمزيد من التكامل والتعاون الإقليمي. ففي يونيو الماضي، اتفقت الإمارات العربية المتحدة، ومصر وإسرائيل والبحرين والمغرب بالإضافة إلى الولايات المتحدة، على إنشاء اطار جديد للتعاون الإقليمي تحت اسم " منتدى النقب"، حيث كشفت الخارجية الأمريكية، في بيان صادر عنها، انه بعد قمة النقب في سديه بوكير، في إسرائيل في مارس الماضي، تقرر تشكيل إطار للتعاون الإقليمي (منتدى النقب)، حيث قامت حكومات البحرين ومصر وإسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة بكبار المسؤولين من وزارات خارجية هذه الدول، بعقد الاجتماع الافتتاحي للجنة التوجيهية لمنتدى النقب في المنامة في البحرين في يونيو 2022، موضحه، أن الهدف الرئيسي للمنتدى هو زيادة تنسيق الجهود الجماعية وتعزيز رؤية مشتركة للمنطقة. 

كما أُعلن بيان وزارة الخارجية الأمريكية عن تشكيل ستة "مجموعات عمل"، للدفع قدما بالمبادرات التي تشجع التكامل والتعاون والتنمية على المستوى الإقليمي وبما يحقق صالح شعوب المنطقة عبر مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك المبادرات التي تعزز الاقتصاد الفلسطيني وتحسن نوعية حياة الفلسطينيين، وتشمل مجموعات العمل، مجموعة الطالقة النظيفة، والتربية والتعايش، وأمن الغذاء والمياه، والصحة، والامن الإقليمي، والسياحة. ومن المتوقع ان يلعب المنتدى، دورا كبيرا خلال الفترة المقبلة في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة، لاسيما مع الاستراتيجية الامريكية الرامية إلى الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، وتركيز الجهود والموارد على مواجهة التحديات في المحيط الهادئ، وصعود الصين، وتداعيات الغزو الروسي لـ أوكرانيا.

إضافة إلى ذلك، تم في يوليو الماضي تأسيس التكتل الدولي I2U2 ، والذي يضم دول الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل والهند والولايات المتحدة الامريكية، للعمل معا في مجال الأمن الغذائي والطاقة النظيفة والتكنولوجيا والتجارة، وللنهوض بالتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وجنوب اسيا، ولتعزيز الاستثمار المستدام بين شركاء I2U2.

بشكل عام، تبدوا النتائج المدهشة التي تحققت على الأرض بعد مرور عامين فحسب على السلام الإماراتي – الإسرائيلي سواء اقتصادية أو سياسية قد تجاوزت بالفعل التأثيرات المحلية والإقليمية. وعلى الرغم من أن القضية الفلسطينية مازالت تمثل تحديا كبيرا للنظام الإقليمي الجديد الذي بدأت تتشكل معالمه في اعقاب معاهدة السلام بين أبو ظبي وتل ابيب، بيد أن معاهدة السلام الإبراهيمي نفسها خلقت واقعا جديدا في الشرق الأوسط، ومسارا اخر لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة.

وفي النهاية من المؤكد أن اتفاقات ابرهام للسلام لن تحل جميع مشاكل المنطقة، أو تغير الواقع المضطرب التي تعيشه اغلب دول إقليم الشرق الأوسط، لكنها ستبقي بارقة امل مهمة للغاية للأجيال المقبلة في الشرق الأوسط، ونواة يمكن أن تشكل مسارا تاريخيا مختلفا للمنطقة التي انهكتها النزاعات والصراعات والاضطرابات، وذلك إذا ما انضمت باقي دول المنطقة إلى هذا المسار، فقد يكون للاتفاقات السلام تأثير دائم على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.