متابعات-
رغم الاعتراضات الواسعة والتحذيرات المتكررة من مخاطر اتفاقية "الماء مقابل الكهرباء"، وقّعت الإمارات والأردن و"إسرائيل" مذكرة تفاهم تنص على "تسريع إنجاز دراسات الجدوى" المتعلقة بالمشروع الذي أقرته الدول الثلاث في نوفمبر الماضي.
ويأتي التوقيع بالتزامن مع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، لتولي رئاسة الحكومة في "إسرائيل" وفقاً لنتائج الانتخابات الأخيرة.
مذكرة التفاهم
وتهدف مذكرة التفاهم بين الأردن والإمارات و"إسرائيل"، للاستمرار في دراسات الجدوى، بهدف إنشاء محطة تحلية للمياه على البحر الأبيض المتوسط مقابل إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في الأردن.
ونصت المذكرة التي وقعت على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ في 8 نوفمبر الجاري "تنطوي فقط على تعبير الأطراف الثلاثة عن النية، ولا تنشئ أو تؤثر على أي حقوق أو التزامات ضمن القانون الدولي".
وجاء توقيع المذكرة بناء على إعلان النوايا الذي وقعته الأطراف الثلاثة على هامش معرض "إكسبو دبي"، في 22 نوفمبر 2021، بحضور المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون المناخ جون كيري.
ونصت المذكرة على السعي من أجل إحراز تقدم في الاستفادة من المساعدة، والدعم من الجهات الدولية ذات العلاقة والشركاء، وبشكل طوعي أو عند الحاجة، بشرط موافقة جميع الأطراف على إعداد الخطط الضرورية، وذلك بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ المقبلة في نوفمبر من العام المقبل في دولة الإمارات.
ووقع المذكرة وزير المياه والري الأردني محمد النجار، ووزيرة البيئة والتغير المناخي في الإمارات مريم المهيري، وعن الجانب الإسرائيلي وزير التعاون الإقليمي عيسوي فريج.
وكانت حكومات الأطراف الثلاث وقعت في نوفمبر 2021 "إعلان النوايا" في دبي، والذي نص على شروع الأطراف الثلاثة بدراسة إمكانية إنشاء مشروعين متقابلين ومترابطين ومعتمدين بعضهما على بعض.
رفض شعبي
ونظّم عشرات الأردنيين وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة المياه في العاصمة عمّان، للتنديد باتفاقية الماء مقابل الكهرباء مع الإمارات والكيان الإسرائيلي، محذّرين من أبعاد سياسية خطيرة لهذا الاتفاق الثلاثي.
وطالب المشاركون في الاحتجاج، الذي أقيم الأربعاء 9 نوفمبر الجاري، من الحكومة الأردنية، بإلغاء كل الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، والتي تصبّ في مصلحة "إسرائيل" على حساب مصالح الأردن وأبنائه، وإلغاء اتفاقية "وادي عربة".
وتناقلت وسائل الإعلام الأردنية مقطع فيديو يوثق مشاركة الممثلة والمخرجة جوليت عواد، بالاحتجاج وهي تبكي معربة عن تمنيها مشاركة جميع الأردنيين بهذا الاحتجاج.
وقالت عواد: "هذا الأمر له علاقة بالبلد، يخص أولادنا، المياه صارت بيد العدو يعطينا منها أو يحرمنا متى ما أراد".
وأفصحت عواد عن مخاوفها من ضياع مقدّرات الأردن، مطالبة الشعب بقول كلمته في رفض هذه الاتفاقية.
ويرى المحلل السياسي جابر باقر أن الاتفاقية التي وقعت خلال مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ، قد لقيت سخطاً شعبياً كبيراً في الأردن، بكونها قد تكون ضارة بالنسبة للمملكة.
ويضيف، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، حول سبب الرفض الأردني، أن هذا المشروع المتكون من محطة كبيرة تعمل في مجال المياه والطاقة الشمسية سيكون عائدها الأكبر عائد للكيان الصهيوني.
ويبين باقر أن الإمارات ستتحمل تمويل المشروع، ومراقبته خلال السنة، ويصف الموقف السعودي بأنه "غير واضح حتى الآن، ولكن التداعيات ستظهر في الأيام القليلة القادمة".
مخاوف جدية
ويثير الاتفاق مخاوف الكثير من الأوساط الأردنية والعربية بشأن تداعياته المستقبلية وإمكانية استغلاله لنيل مكاسب سياسية لمصلحة "إسرائيل".
وفي السياق ذاته، أكدت صباح الشعار، عضوة مجلس النواب الأردني السابق، أن الاتفاقية تشكل "استفزازاً شعبياً، في ظل وجود مخاوف من أن تعطي الاتفاقية الجانب الإسرائيلي ورقة للضغط على المواقف الأردنية تجاه القضية الفلسطينية في وقت تزداد فيه "الجرائم الصهيونية" على الشعب الفلسطيني".
ولفتت الشعّار، في حديثها لوكالة "سبوتنيك"، إلى أن توقيع الاتفاقية "يأتي في توقيت تتجه فيه "إسرائيل" إلى تشكيل حكومة يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو الذي يختزن عداء كبيراً للأردن، كما يحاول أن يجعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، غير محاولته لاحتلال الأغوار".
وأشارت الشعار إلى أن الداعمين للمشروع كان لديهم خيار أن يكون مشروع الطاقة والمياه على الأراضي الأردنية من خلال استغلال وتحلية مياه البحر الأحمر في مدينة العقبة.
ضغوط سعودية
وكشفت مصادر إسرائيلية، في نوفمبر 2021، أن الحكومة السعودية مارست ضغوطاً على الإمارات للتراجع عن الصفقة الموقعة في مجال الطاقة والمياه مع "إسرائيل" والأردن.
وأكد مسؤولون إسرائيليون لموقع "أكسيوس" الأمريكي، في 24 نوفمبر 2021، أن "السعوديين فوجئوا عندما نشر خبر الصفقة، وكانوا مستائين لأنهم شعروا أن الصفقة قوضت خطط ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لقيادة المنطقة فيما يتعلق بالمناخ من خلال رؤيته (الشرق الأوسط الأخضر)".
ونقل "أكسيوس" عن المصادر الإسرائيلية أن كبار المسؤولين السعوديين دعوا نظراءهم الإماراتيين للتراجع عن الصفقة، حتى إنهم اقترحوا صفقة بديلة سعودية - إماراتية - أردنية من شأنها تهميش "إسرائيل".
وبينت المصادر أن الإماراتيين أبلغوا المبعوث الأمريكي للمناخ، جون كيري، والجانبين الإسرائيلي والأردني بالضغط السعودي، وطالبوا بتغييرات تجميلية في لغة الاتفاقية لإرضاء السعوديين، ولم تعترض الأطراف الأخرى.
لكن ومع تجديد التوقيع مؤخراً لتسريع دراسات الجدوى، يبدو أن الإمارات قررت المضي قدماً في الاتفاق الثلاثي بعيداً عن السعودية.
تفاصيل المشروع
ومن المتوقع وفق هذه الاتفاقية أن تقوم شركة إماراتية ببناء محطة الطاقة الشمسية في الأردن لتوليد الكهرباء لـ"إسرائيل".
وتعمل المحطة بشكل أساسي على توفير الطاقة لدولة الاحتلال، فيما ستبني الأخيرة محطة لتحلية المياه على ساحل البحر المتوسط لتوفير احتياجات الأردن.
وجاءت الاتفاقية نتيجة محادثات سرية بين الحكومات الثلاث، وقد ازدادت جدية في سبتمبر 2021، ونضجت إلى مسودة اتفاق في نهاية أكتوبر، بحسب "أكسيوس".
وسيتم بناء مزرعة الطاقة الشمسية من قبل شركة "مصدر"، وهي شركة طاقة بديلة مملوكة للحكومة الإماراتية.
وتدعو الخطط إلى تشغيل مزرعة الطاقة الشمسية بحلول عام 2026 وإنتاج 2% من الطاقة الإسرائيلية بحلول عام 2030، مع دفع "إسرائيل" 180 مليون دولار سنوياً لتقسيمها بين الحكومة الأردنية والشركة الإماراتية.
وفي المقابل ستزوّد "إسرائيل" الأردن بما يصل إلى 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، حيث يعاني فقراً مائياً غير مسبوق.