أشرف كمال - الخليج أونلاين-
لا تبدو العلاقات الإماراتية الإسرائيلية في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة كما كانت عليه في ظل حكومته السابقة التي أبرمت اتفاق التطبيع مع أبوظبي، وهو ما يعكس اتساع هوة الخلاف بين الجانبين بسبب عدد من القضايا.
كانت العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب لافتة خلال عام التطبيع الأول، واشتملت على عديد من أوجه التعاون التي لم تنفذ الإمارات مثلها مع دول عربية، لكن الأمور سرعان ما تغيرت مع عودة نتنياهو للحكم أواخر 2022 على رأس حكومة توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة الاحتلال، وفي ظل متغيرات إقليمية ودولية كبيرة.
آخر تجليات الخلاف الإماراتي الإسرائيلي، ما نقلته "هآرتس" العربية (22 مارس 2023)، بشأن عزم وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، على زيارة تل أبيب، مع توجه لخفض الدبلوماسي.
حديث عن تخفيف التمثيل
الصحيفة العبرية نقلت عن مسؤولين لم تسمهم، أن وزير خارجية الإمارات سيزور دولة الاحتلال؛ من أجل التعبير لرئيسها يتسحاق هرتسوغ، عن إدانة أبوظبي لتصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتيرتش الأخيرة التي وصف فيها الفلسطينيين بأنهم "كذبةٌ" عمرها 100 سنة.
وكانت أبوظبي من أوائل الدول التي دانت تصريحات سموتيرتش، واعتبرتها تحريضاً على الكراهية، كما دانت الخريطة التي ظهرت خلفه وهو يتحدث في باريس، والتي أظهرت الأردن والضفة الغربية المحتلة ضمن حدود "إسرائيل" المزعومة.
هذه الأنباء عن فتور العلاقات الإماراتية الإسرائيلية تتزامن مع محاولات حثيثة لتقريب وجهات النظر الخليجية الإيرانية في ظل تزايد احتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى طهران، على خلفية برنامجها النووي.
خلال الأيام القليلة الماضية، اتفقت السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية، وأكدت الإمارات أنها لن تجعل أراضيها منطلقاً لاستهداف الدولة الفارسية، فيما نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي (22 مارس 2023)، عن مصادر أن "تل أبيب" عازمة على ضرب طهران في حال خصبت اليورانيوم بأكثر من 60%.
وفي موقف مخالف لما تريده تل أبيب، رحبت دول الخليج بالاتفاق السعودي الإيراني، وقال اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الذي عُقد في الرياض (22 مارس 2023)، إنه يأمل أن يكون الاتفاق خطوة على طريق حل خلافات المنطقة عبر الحوار.
هذه التهدئة الخليجية الإيرانية تمثل برأي خبراء، طعنة في خاصرة نتنياهو، الذي كان يعول على توسيع دائرة التطبيع لتشمل الرياض، مستنداً إلى تزايد المخاوف من "التهديدات الإيرانية".
لا يبدو الفتور الإماراتي تجاه "إسرائيل" خروجاً عما هو سائد في عموم دول المنطقة التي أعربت مراراً عن تمسكها بمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وفي الوقت نفسه أبدت رفضاً لأي عمل عسكري قد يجر المنطقة كلها إلى نقطة اللاعودة.
تبدو مشكلة الإمارات الأساسية حالياً مع تل أبيب، في التطرف غير المسبوق الذي تتعامل به حكومة نتنياهو مع الملفات كافةً التي تمثل الأسس التي بنت عليها أبوظبي اتفاق التطبيع وروّجته، خصوصاً في ما يتعلق بفتح باب المفاوضات لحل القضية الفلسطينية.
تشدد إسرائيلي
فمنذ عودته للحكم، يواصل نتنياهو ووزراؤه المتطرفون التصعيد المتواصل ضد الفلسطينيين ومحاولة محو وجودهم بالقوة، إلى جانب مواصلتهم تعريض المنطقة لخطر حرب -ربما يمكن تجنبها- لتحقيق مكاسب انتخابية، فضلاً عن الخطاب العنصري الذي وصل لحد دعوة وزير إسرائيلي إلى محو قرية حوارة الفلسطينية من على وجه الأرض.
ليس هذا وحسب، هناك أيضاً أمور تخص الإمارات نفسها، وفقاً لـ"هآرتس"، التي قالت إن الإماراتيين غاضبون بسبب تصريحات وزيرة نقل الاحتلال ميري ريغيف، أمام مؤتمر بـ"إسرائيل" في وقت سابق من العام الجاري، وقالت فيها إنها لم تحب إمارة دبي عندما زارتها وإنها لن تكرر الزيارة، رغم أنها أثنت على "ما بنوه خلال ست سنوات".
ورغم محاولات وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين، تصحيح خطأ وزيرة النقل، بإظهار ولعه بدبي، فضلاً عن تبرير ريغيف حديثها لاحقاً بأنه "مزحة"، فإن الصحيفة العبرية تتحدث عن رد فعل إماراتي غاضب.
ووفقاً للصحف العبرية، لم يتضح ما إذا كان الوفد الذي يزور دولة الاحتلال برئاسة وزير الخارجية سيلتقي نتنياهو، أو وزير خارجيته، أو لا. لكن صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية قالت إن الخارجية الإماراتية طلبت من السفير محمد الخاجة عدم مقابلة أي مسؤول حكومي إسرائيلي.
ونقلت الصحيفة أن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، قال لمسؤولين إسرائيليين، إنه لن يتمكن من العمل بشكل مشترك مع نتنياهو حتى يتأكد من أن الأخير لديه حكومة يمكنه السيطرة عليها.
وأكدت الإمارات في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء (22 مارس)، "ضرورة تراجع إسرائيل عن المصادقة على قانون يسمح بعودة المستوطنين إلى أربع مستوطنات".
وشددت على أهمية الالتزام بما ورد في الاتفاق الأخير من حيث "عدم مناقشة إسرائيل أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأي بؤر استيطانية لمدة 6 أشهر"، لافتة إلى ضرورة الوقف الكامل للأنشطة الاستيطانية التي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
فقد كشف موقع "أكسيوس" أوائل مارس الجاري، أن زيارة نتنياهو التي كانت مقررة لأبوظبي أوائل يناير الماضي، أرجئت بسبب مخاوف إماراتية من إثارة توترات مع إيران. ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين -لم يسمهم- أن لدى الجانبين اختلافات في ما يتعلق بالموقف من طهران.
ووفقاً للموقع، فقد أراد الإماراتيون أن تركز الزيارة على الاحتفال باتفاقات التطبيع التي وقعها الجانبان أواخر 2020، في حين كان نتنياهو يريد استغلال الزيارة لإرسال إشارة علنية إلى إيران من أبوظبي.
وكانت هذه هي المرة الخامسة التي يتم فيها إرجاء زيارة نتنياهو لأبوظبي منذ توقيع اتفاق التطبيع.
داخلياً، تخوض حكومة نتنياهو حرباً واسعة على الفلسطينيين في الضفة الغربية عبر اقتحامات متواصلة لمخيمات وقرى الضفة الغربية وتوسيع نطاق الاستيطان بل وتمرير قانون يسمح بالعودة إلى مستوطنات سبق أن خرج المستوطنون منها بالضفة، في تصعيد لاقى انتقادات دولية.
هذه السلوكيات التي تسلكها تل أبيب رغم عقدها قمماً في مصر والأردن واتفاقها على وقف التصعيد، تتناقض تماماً مع حديث الإمارات عن تطبيعها العلاقات رغبة في تسهيل مفاوضات السلام وتخفيف الأوضاع على الفلسطينيين.
هناك عديد من التسريبات الغربية والعبرية التي تعكس صدمة الإمارات في مواقف نتنياهو وإصراره على المضي قدماً في مخططاته السياسية بغض النظر عما يمكن أن يطال الحلفاء من أضرار أمنية أو سياسية.
وكانت صحف غربية كثيرة أكدت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو 2021، والذي ردت عليه المقاومة بقصف تل أبيب مباشرة، أن اتفاقات التطبيع "لا تساوي الحبر الذي كتبت به"، كما قالت "الإندبندنت" البريطانية آنذاك.
تغير الأوضاع
لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ أن طبعت الإمارات علاقاتها مع دولة الاحتلال وحتى اليوم، وقد جرفت في طريقها عديداً من الأمور التي بدت كأنها مسلّمات آنذاك، خصوصاً في ما يتعلق برغبة "إسرائيل" في التعايش، واحتمالية قبول الخليجيين للتعامل معها، فضلاً عن الاعتماد على التخويف من إيران لدفع مزيد من العواصم نحو تل أبيب.
الحرب الروسية الأوكرانية أيضاً أحدثت تغييرات جذرية في سياسات المنطقة والعالم، وخلقت حالة عالمية وشرق أوسطية من إعادة التموضع وفق حسابات أمنية وسياسية واقتصادية جدية.
المحلل السياسي الفلسطيني وسام أبو عفيفة، يرى أن علاقة الإمارات بـ"إسرائيل" تتجاوز التطبيع إلى ما هو أكثر، مشيراً إلى أن التغيرات الحالية تعود في الأغلب إلى الدور الذي تحاول أبوظبي القيام به في المنطقة.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال أبو عفيفة: إن "الإمارات تحاول لعب دور أكبر من قدراتها في المنطقة، وترى أنها كلما اقتربت من دولة الاحتلال كانت قادرة على لعب هذا الدور، ومن ثم فإنها تحاول خدمة مصالحها من خلال اتخاذ مواقف معينة".
ويرى المحلل الفلسطيني أن أبوظبي تحاول إحداث اختراقات في ملفات إيران وسوريا بما يحقق مصالحها ومصالح الحليف الأول لها الولايات المتحدة، من خلال إعادة تموضعها مع عدد من الدول، لكنه أكد أن علاقتها مع "إسرائيل" تعتبر علاقة شراكة.
وخلص إلى أن الإمارات لا تخطط لتحجيم علاقاتها مع "إسرائيل" ولا حتى فتورها، لكنها فقط تعبّر عن رفض وإدانة لبعض المواقف دون أن يعني هذا تراجع الشراكة؛ "لأنها مرتبطة بمصالح كبرى".