يوآف ليمور- إسرائيل اليوم-
صباح أمس، في مطار الرياض، توجهت لإجراء تسجيل السفر إلى تل أبيب عبر إسطنبول. تناولت الموظفة جواز السفر، نظرت، فحصت مرة أخرى بالحاسوب ودعت المسؤول عنها. نظرا نظرة متفاجئة. “تل أبيب؟” سأل. قلت نعم. “تملك تأشيرة؟”.
لا تزال السعودية تفحصنا، نحن الإسرائيليين. ومثل زيارتي السابقة إلى المملكة في السنة الماضية، المعقول أكثر للإنسان البسيط أن يلتقي كائناً فضائناً في الشارع من أن يلتقي إسرائيلياً. عندما يحصل له شيء كهذا، يتراوح رد الفعل إجمالاً بين الدهشة وعدم التصديق. هذا هو السبب الذي يمكن للمرء أن يتحدث عنا بحرية بالعبرية في الشارع، في السيارات العمومية والمطاعم: هذه لغة غريبة تماماً عليهم، لا ترن في الأذن كأي شيء معروف آخر.
عند الدخول إلى المملكة أيضاً، في مطار جدة، نظر موظف الهجرة إليّ نظرة غريبة. يبدو أن الحاسوب عرفه بأني سبق أن كنت هنا. ابتسم، بعث بي إلى المسؤول الذي سارع إلى التوقيع والإذن بالدخول إلى المملكة. لم يأتِهم شيء بالمفاجأة: في الطلب للتأشيرة، طُلب مني أن أشير صراحة إلى عنوان السكن الكامل والهاتف والمهنة.
في زيارتي السابقة، نشرت في “إسرائيل اليوم” واقتبست بتوسع في أرجاء العالم، عرف السعوديون بالضبط من أنا. وبمجرد الإذن الذي أصدروه لي للعودة إلى هنا، نعلم أنهم يستقبلون الإسرائيليين بالترحاب، وثمة من يتجولون هنا في الفترة الأخيرة – بجوازات سفر أجنبية بالطبع –يمثلون جملة شركات إسرائيلية من التكنولوجيا العليا والزراعة وحتى الأمن. الانفتاح على إسرائيل جزء واحد من المسيرة المتسارعة التي يمررها ولي العهد محمد بن سلمان على بلاده. وتبرز هذه المسيرة بشكل خاص في معاملة النساء. مقارنة بالسنة الماضية، هناك عدد أكبر من النساء في الحيز العام، والكثير منهن بوجه مكشوف ومتزين. كل شيء نسبي، بالطبع: لا تزال السعودية دولة محافظة جداً: يمنع تعاطي الكحول، ولا موسيقى في الأماكن العامة، ومعاملة النساء تمييزية جداً. لكن الميل واضح، ويستهدف بث انفتاح متزايد على الغرب – وفي الداخل أيضاً، للجيل القديم الذي وجد صعوبة بداية في قبول الثورة الهادئة التي يتصدرها ولي العهد.
المطالب السعودية
تبدو هذه المسيرة محتمة. وإن كانت في السياق الإسرائيلي متعلقة بمتغيرات عديدة. من محادثات أجريتها في الأيام الأخيرة مع بضع جهات مطلعة على تفاصيل الحوار الحساس الجاري الآن في مثلث السعودية – الولايات المتحدة – إسرائيل، هناك إرادة مشتركة للوصول إلى توافقات في الفترة القريبة القادمة قبل أن تجتذب الولايات المتحدة إلى حملة الانتخابات الرئاسية. الرئيس جو بايدن هو الدافع الأساس للاتفاق الذي أساسه السعودية – أمريكا، وبعضه يتعلق بإسرائيل.
بايدن يريد الاتفاق كإنجاز قبيل الانتخابات، لكن أيضاً لترميم الحلف التاريخي بين الدولتين، وليدق إسفيناً في العلاقات المتحسنة بين السعودية والصين (واستمراراً لذلك بين السعودية وإيران). لهذا الغرض، هو مستعد ليس فقط ليغفر لبن سلمان تصفية الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول، بل السير بعيداً جداً لمطالب السعودية: مظلة دفاع أمريكية (مثل التي منحتها الولايات المتحدة للهند والتي عرفتها كـ “شريك أمني مركزي”)، وسلاح أمريكي متطور للمملكة، وإنتاج ذاتي للسلاح في السعودية، وبرنامج نووي مدني يتضمن تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
عقيدة بيغن؟
“الحوار الأمريكي – السعودي يجري بكثافة كبيرة في الأسابيع الأخيرة”، قال أحد المحافل. كجزء من هذا، كانت زيارة وزير الخارجية بلينكن ورئيس مجلس الأمن القومي سوليفان إلى السعودية. إسرائيل في صورة تفاصيل هذا الحوار باستمرار، وتجري حواراً داخلياً موازياً. هكذا، أجريت مؤخراً بضع مداولات سرية بمشاركة مجموعة ضيقة من كبار المسؤولين – رئيس الوزراء نتنياهو، وزير الدفاع غالنت، الوزير ديرمر، رئيس مجلس الأمن القومي هنغبي، وبضعة كبار مسؤولين في الجيش وفي الموساد وفي لجنة الطاقة الذرية – بحثوا في ثلاث مسائل مركزية تنبع مباشرة من الاتفاق، وهي: النووي، والسلاح المتطور، وحلف الدفاع.
المسألة الأكثر دراماتيكية تتعلق بالنووي. فالسياسة الإسرائيلية التقليدية، كجزء من “عقيدة بيغن”، هي عدم السماح لأي دولة في الشرق الأوسط بحيازة قدرة نووية. قال أحد المسؤولين إن الميل الذي ينعكس في المداولات هو عدم رفض الموضوع رفضاً باتاً، بل “البحث عن حلول تسمح لإسرائيل بالتعايش معه بسلام”. مصدر آخر، لم يشارك في المداولات، لكنه مطلع على مضمونها، قال إن “هذا سيكون جنوناً. سيفتح سباقاً نووياً في المنطقة، وبعدها ستأتي مصر وتركيا ولم لا. وفضلاً عن هذا، السعودية اليوم مستقرة تحت بن سلمان، لكن من يضمن لنا ألا يحصل له شيء ما، وعندها نكتشف حكماً محافظاً، متطرفاً، يحوز المفتاح لسلاح نووي؟”.
في كل ما يتعلق بتعاظم قوة السعودية بسلاح متطور، ستطرح القدس على واشنطن قائمة مطالب تبقي تفوق إسرائيل النوعي الأمني. بقدر ما هو معروف، ينشغل الجيش بهذا الموضوع الآن، انطلاقاً من فهم بأن الحديث يدور عن فرصة لمرة واحدة لتعاظم قوة كمية ونوعية وكذا للدفع قدماً بصفقات مستقبلية وجداول زمنية لصفقات قائمة. كجزء من هذا، إسرائيل كفيلة أن تطلب بتثبيت المساعدة الأمنية الأمريكية لفترة أطول من خمس سنوات.
إشارة لإيران
في زيارة ديرمر إلى واشنطن الأسبوع الماضي، عني أيضاً بمسألة “حلف الدفاع”. وفيه تبدو الآراء في إسرائيل منقسمة بين مؤيد ومعارض. يميل محيط نتنياهو لتأييد حلف دفاع مشابه لذاك الذي يمنح للسعودية، أساساً كإشارة لإيران. وبالمقابل، تعتقد جهات بأن حلفا ًكهذا لن يخدم إسرائيل، بل سيقيدها في إمكانية العمل بشكل مستقل.
إدارة بايدن تحتاج التأييد الإسرائيلي للاتفاق كي تمرره سياسياً في واشنطن أيضاً، كي تسمح من خلاله باتفاق تطبيع إسرائيلي – سعودي يتحقق كاتفاق مصالحة بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي. لإسرائيل مصلحة كبيرة في ذلك لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية، لكنها ستكون مطالبة بتنازلات في المسألة الفلسطينية. ألمحت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة بأنه ستكون “تنازلات طفيفة”، لكن جهة مطلعة على التفاصيل قالت إن بن سلمان – الذي يرى نفسه زعيم العالم العربي والإسلامي – “لا يمكنه أن يلقي بالفلسطينيين تحت العجلات، وسيطلب شيئاً ما ذا مغزى بالمقابل”. في هذا الوضع، ليس واضحاً كيف ستتصرف إسرائيل، باعتبار تركيبة الحكومة الحالية التي هي الأخرى كفيلة بعرقلة التقدم بالصفقة.
“كل الأطراف تريد هذه الصفقة. لكن هناك واحداً سيكسب جداً منها، وهو السعودي”، قال هذا الأسبوع مصدر غربي يزور الرياض بتواتر عالٍ. “كي تحصل، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل مطالبتان بقطع شوط طويل وتنفيذ تنازلات أليمة. ليس مؤكداً أنهما قادرتان على ذلك”.
في السعودية، كما يخيل، يركضون إلى الأمام الآن، لا في هذا السياق فقط؛ فحلم بن سلمان في “رؤية 2030” لجعل بلاده رائدة عالمياً في كل مكان ممكن، تتجسد الآن. الهدف المعروف لكن غير المعلن هو جلب المونديال إلى بلاده في هذه السنة. قائمة النجوم الطويلة الذين انضموا مؤخراً إلى الفريق السعودي، تستهدف تهيئة التربة لذلك، ومع كل الاحترام للسلاح النووي، فهذا يهم المواطن العادي في السعودية بقدر أكبر. في أسواق جدة والرياض تعلق قمصان كريستيانو رونالدو وكريم بنيزما، وسيضاف قميص نيمار قريباً. التاريخ يتجسد في الملاعب أيضاً: كل بطاقات مباريات الفرق الكبرى بيعت مسبقاً حتى نهاية الموسم.
من زيارة قصيرة، يصعب تقدير جهة تقدم هذه المسيرة. الجدية والنوايا هنا، وهي ظاهرة في كل خطوة وزاوية. بن سلمان يريد أن ينقل السعودية من المحافظة إلى الانفتاح، ولهذا الغرض هو مستعد لقطع شوط بعيد. في الأشهر القريبة القادمة، سيتبين إذا كانت إسرائيل ستكون جزءاً من هذا التاريخ أم أن العلاقات بين الدولتين – الجارية في سلسلة مجالات تتجاوز ما يمكن للعين أن تراه – ستبقى في المستقبل أيضاً من تحت الرادار.