مريم عبد الله-
بعد أسابيع قليلة على إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صعوده قطار التطبيع الخليجي العلني، انطلقت شرارة الحرب في غزة، ما مثّل ضربة كبيرة للصفقة السعودية الصهيونية، التي دفع لها الرئيس الأميركي جو بايدن. يومها، صرّح ابن سلمان أن «نجاح التطبيع مع إسرائيل سيكون أضخم اتفاق مُنذ انتهاء الحرب الباردة». لكن الحقيقة أنّ هذه الصفقة الكبرى، لن تكون سوى مجرد وهم كبير، وفق ما أوردت مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية. خُطّط لحفلة التطبيع على مدى سنوات، وجُنّد لها الإعلام الرسمي والصحافة والأعمال الدرامية، والعالم الإلكتروني، لضرب وتغييب القضية الفلسطينية من الوعي الشعبي السعودي والخليجي، إلى درجة اختراع وسم «#فلسطين_ليست_قضيتي» ونشره على قطاع واسع، بحجة السعي السعودي لتحويل الشرق إلى أوروبا جديدة، شرط الاكتفاء من الحروب وتصفير المشكلات مع العدو الصهيوني، على حد تعبير ابن سلمان. لكن تأتي رياح الشعوب بما لا تشتهي سفن الأنظمة، إذ علقت صحيفة «واشنطن بوست» على الحرب الأخيرة، بأن «الهجوم (طوفان الأقصى) كانت بمثابة صدمة للمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والسعوديين، الذين كانوا جميعاً يتطلعون إلى احتمال أن يكون الاتفاق الإسرائيلي السعودي على وشك الإعلان».
في الجولة الأولى من أيام الحرب على غزة، برز غلاف صحيفة «الوطن» السعودية، الذي حمل عنوان «المدنيون ضحايا حرب الطوفان والسيوف». ساوت الصحيفة هنا الضحية بالجلاد، متباكية على الضحايا بين جانبي الصراع. من جانبه، علق الكاتب عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط»، ملقياً اللوم على إسرائيل لوقوعها ضحية «حماس» منذ عام 2007 بسبب دعمها الانقسام الفلسطيني وصمتها عن مغادرة السلطة الفلسطينية للقطاع المحاصر، مطالبا إيّاها بـ «النظر في سياستها المعطلة لوعد أوسلو بالدولة الموعودة، وتعاملها مع السلطة الفلسطينية. ولن يكون هناك سلام واستقرار من دون حكومة شرعية فلسطينية، تملك سلطات حقيقية وممكنة من المجتمع الدولي».
و«توقّع» مشاري الذايدي، انتصار الكيان الصهيوني في مقال نشره في «الشرق الأوسط»، قائلاً إنّه «مهما غرق بعض من يقال عنهم نخب عربية في نشوة المديح وقصائد الفخر، فإن إسرائيل لن تختفي، وهي الطرف الأقوى بمراحل ومراحل، والسؤال الأكبر: هل مسار الحرب القيامية القسّامية هذه هو خيار المنطقة والعالم؟!».
التطورات الأخيرة على الأراضي المحتلة عقدت خطط التطبيع الخليجية والسعودية. خالد المالك كتب وصفة للخروج من المأزق الحالي في «الجزيرة»، قائلاً: «المطلوب الآن التهدئة، وتجنُّب التصعيد، واستثمار ما جرى من قتال للبدء في حوار جاد وصادق للوصول إلى حل الدولتين، ومن ثمَّ التطبيع مع إسرائيل». وبرّر حمود بو طالب في مقالته في صحيفة «عكاظ» التي حملت عنوان «بين مشروعية المقاومة ومجانية الدمار»، معارضته للحرب التي بدأتها «حماس» بالقول: «لسنا ضد مبدأ وحق المقاومة المشروعة، ولكننا ضد أن يكون الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في غزة، ضحيةً مجانية لعملية عسكرية غير محسوبة النتائج لدى من خططوا لها ونفذوها».
من جانبه، هدد علي الخشيبان عبر صحيفة «الجزيرة» دولة الاحتلال، قائلاً إنها «إذا لم تمنح الفلسطينيين حقوقاً مقبولة على أرض الواقع، فإنها مهيأة أن تصاب بلعنة التطبيع، فمحاولات إسرائيل المساهمة في بناء نموذج للشرق الأوسط يتناسب وأهدافها، قد يتحول إلى سلسلة من الأزمات ونمو التطرف في جميع الاتجاهات».
الجدل انتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي السعودية، فهناك من تبنّى سردية النظام في اتهام المقاومة الفلسطينية بتقويض جهود المملكة الساعية إلى السلام، وآخرون كتبوا في حبّ فلسطين ومقاومتها. علّق الناشط أمجد طه عبر موقع أكس: «ندين ونستنكر ما تقوم به مليشيات حماس الإرهابية-مرتزقة إيران في غزة بقصف القدس الشرقية واستهداف الأطفال والنساء والأماكن المدنية. تجري محادثات السلام بشكل إيجابي يخدم قضية فلسطين وتقوم السعودية بجهود عظيمة للدفع بالسلام والحصول على الحقوق، فغضب تجار القضية وأطلقوا #طوفان_الأقصى».
من جهته، علق الكاتب السعودي خالد السليمان بالقول: «نعم سيكون للعملية ثمن باهظ، لكنّ الفلسطينيين يدفعون أثمان الاحتلال والحصار الإسرائيلي والاستفزازات في الأقصى طوال عقود من دون أن يجدوا من يردع إسرائيل أو يحاسبها أو يفرض عليها حلاً سلمياً». وكانت إسرائيل قد طبعت علاقاتها مع الإمارات والبحرين إلى حد تبادل الزيارات والسفراء، في انتظار التطبيع السعودي الذي دعا إليه وزير سياحة دولة الاحتلال حاييم كاتس، بعد عودته من المملكة بالقول: «نحن نصنع صدعاً في الجدار؛ بعدنا سوف يهدم الناس هذا الجدار». لكن وهم سقوط الجدران الذي تتمناه الأنظمة الخليجية وبعض العرب، سقط على أعتاب كل مجزرة وصورة نقلها الأثير من أرض فلسطين.