كمال صالح - الخليج أونلاين-
تحضر دول الخليج بقوة في هذه المرحلة من الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب "القسام"، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ضد مستوطنات وثكنات الاحتلال في غلاف غزة.
وعند الحديث عن الموقف الخليجي لا بد من الإشارة إلى مستويين؛ الأول المستوى العام ممثلاً بموقف مجلس التعاون، والذي كان صريحاً وواضحاً في انحيازه للشعب الفلسطيني، ورفضه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، واستنكاره الشديد لجرائمه في غزة.
المستوى الثاني يتمثل في مواقف دول الخليج منفردة، عبر تصريحات وبيانات صدرت عن قيادات تلك الدول، ووزاراتها المعنية، ومؤسساتها الرسمية والأهلية، وهنا كان ثمة تباين واضح، بحسب سياسة تلك الدول، وقربها من طرفي النزاع؛ المقاومة و"إسرائيل".
في هذا التقرير، نتتبع المسار العام والفردي، لنتلمس مواطن الاتفاق والتباين، في مرحلة فارقة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والذي لا يبدو أن دول الخليج ستكون بكل الأحوال بعيدة عن نتائجه وتداعياته على المدى العاجل والمتوسط والبعيد.
مجلس التعاون
تدريجياً تحوّل قطاع غزة إلى قطعة من الجحيم، من جراء العدوان والقصف العنيف الذي نفذه جيش الاحتلال جواً وبحراً وبراً على المنازل والأحياء، ما أدى إلى مسح قرابة ربع المناطق السكانية في القطاع من الوجود، وفق تقديرات المرصد الأورومتوسطي في أحدث تقاريره.
وبعد يوم واحد من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، سارع مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لإدانة ذلك العدوان، على لسان الأمين العام للمجلس جاسم البديوي، والذي دعا إلى وقف التصعيد وحماية المدنيين الأبرياء.
البديوي، في بيان نشره الموقع الرسمي للمجلس يوم 8 أكتوبر، حمّل الاحتلال مسؤولية تدهور الأوضاع، مؤكداً أن الاعتداءات الإسرائيلية، تمثل "انتهاكاً صارخاً للمواثيق والقوانين الدولية وتعرقل جهود عملية السلام لحل القضية الفلسطينية".
وجدد دعوته إلى مؤسسات المجتمع الدولي "للتدخل بقوة وسرعة لإعادة إحياء جهود تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في إقامة دولته على أراضي عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية لتحقيق السلام والاستقرار المنشود في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وبشكل منفصل تصدر دول الخليج بيانات عدة لإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة واستهداف المدنيين وقطع المساعدات عنهم، فيما طالبت الإمارات والبحرين "الجانبين" بخفض التصعيد وعدم استهداف المدنيين.
توافقات
ومع تطور الأحداث ميدانياً وتفاقم المأساة الإنسانية في غزة، وتوحش آلة القتل الإسرائيلية، عقد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، دورته الاستثنائية الثالثة والأربعين للمجلس الوزاري، لبحث التصعيد في غزة، يوم الثلاثاء 17 أكتوبر في مسقط، بناء على طلب من سلطنة عُمان.
وفي البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري في مسقط، طالب الوزراء "بالوقف الفوري لإطلاق النار والعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وإنهاء الحصار الإسرائيلي غير القانوني، وضمان توفير وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والاحتياجات الأساسية واستئناف عمل خطوط الكهرباء والمياه، والسماح بدخول الوقود والغذاء والدواء لسكان غزة".
وشدد المجلس على "دعم ثبات الشعب الفلسطيني على أرضه، والتحذير من أي محاولات لتهجيره"، مبدياً عزمه على تفعيل عملية إغاثة إنسانية عاجلة لمساعدة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث تم الإعلان "عن تقديم دعم فوري للمساعدات الإنسانية والإغاثية بقيمة مئة مليون دولار".
كما أكد المجلس الوزاري الخليجي على "دعم مبادرة السعودية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط بالتعاون مع مصر والأردن".
من جهتها، كشفت مصادر دبلوماسية كويتية رفيعة عن "توافق خليجي كبير تجاه الوضع الحالي" في قطاع غزة، وقالت إن بيان اجتماع مسقط يعبر عن ذلك.
نقلت صحيفة "الراي" الكويتية، الاثنين (16 أكتوبر)، عن المصادر قولها إن "كل التحركات الحالية تسعى لوقف وفرملة غزو غزة أو الاجتياح البري وعمليات القصف والحرب العشوائية".
وتعليقاً على موقف دول مجلس التعاون، يقول الأكاديمي والباحث العماني، عبد الله باعبود، إن الموقف الخليجي العام تجاه التصعيد في الأراضي المحتلة واضح؛ من خلال البيان المشترك لاجتماع وزراء الخارجية لدول الخليج.
وأشار، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الموقف الموحد لدول الخليج "يقف بجلاء مع العدالة الدولية، ومع حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، ووقف الحرب، والعودة إلى مفاوضات السلام، لكنه لفت إلى وجود بعض التباين على المستوى الفردي لتلك الدول".
تباين الموقف الفردي
البيانات والتصريحات والمواقف الصادرة عن قيادة مجلس التعاون لا تتطابق كلياً مع المواقف الأحادية لدول المجلس، والتي تتباين وفقاً لموقف الدول من طرفي النزاع، حركة "حماس"، و"إسرائيل"، أو اتخاذ موقف الحياد.
واجتمعت دول الخليج على رفض الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة، وطالبت بسرعة إدخال المساعدات، كما تكرر دائماً مطالبها بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
فيما رفضت كل من الإمارات والبحرين استخدام العنف تجاه المدنيين في "إسرائيل"، ورفضت العملية التي نفذتها كتائب القسام وشملت احتجاز رهائن إسرائيليين، وعادة ما تطالب "كلا الطرفين" بوقف العنف، وهو الموقف الذي واجه انتقادات شعبية عربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في المقابل، أطلقت جميع دول الخليج حملات لجمع المساعدات لغزة، كما شهدت مسيرات أو حشوداً تضامنية مع القطاع المحاصر، باستثناء السعودية والإمارات التي لم تشهد مثل تلك التجمعات.
وعلى مدار الساعة، نشطت جميع دول الخليج، قادة ومسؤولين، في لقاءات واتصالات رفيعة المستوى مع دول العالم؛ في محاولة لوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية، وبرز اسم قطر كوسيط سبق أن ساهم في خفض التصعيد.
وبينما يتحدث الأكاديمي والمحلل السياسي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، في تدوينة على حسابه بمنصة "إكس"، عن وجود "موقف خليجي موحد وقوي، وموقف رسمي عربي موحد وواضح، وموقف شعبي عربي موحد وحازم لأول مرة"، يرى الأكاديمي العُماني عبد الله باعبود، أن هناك تبايناً بين مواقف كل دولة على حدة.
وأشار باعبود، في تصريحاته لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن هناك بيانات أحادية واضحة التنديد، وبيانات أخرى كانت هادئة نوعاً ما، وبعضها أقل حدة، مع وجود موقف عام مناهض لسياسات "إسرائيل" وما ترتكبه من جرائم في غزة.
وقال الأكاديمي العُماني: "للأسف الشديد ليس هناك موقف خليجي موحد، كما أنه ليس هناك موقف عربي موحد مثلما هو معروف، هناك بعض الدول طبعت مع "إسرائيل"، ولديها اتفاقات أمنية وغير ذلك مع دولة الكيان، وهذا يجعل موقفها مرتبكاً نوعاً ما، وبعض دول الخليج تتردد في لوم "إسرائيل"، وتتخفى وراء المطالبة بتنفيذ القوانين الدولية".
الضغط الشعبي
ولفت إلى أن هنالك تبايناً أيضاً ما بين دول الخليج فيما يتعلق بالضغط الشعبي، مضيفاً: "في بعض دول الخليج تجاوب شعبي مع ما يحصل لإخواننا في فلسطين، وبعض الشعوب الخليجية لا تستطيع أن تصنع هذا الشيء؛ لأن أنظمتها لا تسمح لها".
وقال إن هذه الضغوط الشعبية، حتى وإن كانت بسيطة، "لها دور كبير داخلياً وخارجياً"، مشيراً إلى أن الحكومات الخليجية بإمكانها أن تستفيد من هذا بالضغط على الولايات المتحدة وحلفاء "إسرائيل" وأصدقائها في الدول الغربية، وترجمة هذا الضغط الشعبي إلى ضغط سياسي، ولكن للأسف هذا لا يحصل"، حسب قوله.
وأشار الأكاديمي باعبود إلى أن "دول الخليج عامة، تسعى لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وفقاً للقوانين الدولية، إلا أن هناك تبايناً فيما بينها، خصوصاً الدول المطبّعة، والتي أصبحت اليوم أقرب إلى الموقف الإسرائيلي منها إلى الموقف العربي".
وأضاف أنه "من الضروري الأخذ في الحسبان أن بعض دول الخليج لديها حساسية مفرطة تجاه الحركات الإسلامية، كـحماس والجهاد الإسلامي"، وهذا - حسب قوله - يجعل تلك الدول مترددة بعض الشيء، في حين أن بعض الدول الأخرى ليس لديها هذا التحفظ، "بل ترى أن هذه القوى الإسلامية هي من المكونات الفلسطينية، وأنه في النهاية هذا حق فلسطيني، وهذه قوانين دولية لا بد أن تطبق".
غياب التوافق الإعلامي
رئيس مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات، وعضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن، عبد العزيز العنجري، ذهب في هذا الاتجاه، نافياً وجود "توافق في المواقف الرسمية لدول الخليج، تجاه ما يحدث في غزة والحرب الصهيونية عليها".
واستدل العنجري على غياب التوافق بالتعاطي الإعلامي لوسائل الإعلام التابعة لدول مجلس التعاون، لافتاً إلى أن "قنوات الجزيرة، التابعة لقطر، والعربية التابعة للسعودية، وسكاي نيوز التابعة للإمارات، تكشف حجم التباين، بل والتصادم فيما بينها أحياناً".
وقال: "ثبت من خلال عملية طوفان الأقصى أن إسرائيل أعجز من أن تحمي نفسها أمام جماعات المقاومة التي لا تمتلك السلاح والمال، ولكنها تمتلك الإرادة والتصميم"، متسائلاً: "ماذا يمكن أن تقدم "إسرائيل" لدول الخليج من أمن لم تستطع هي بدعم أمريكا اللامحدود تقديمه لنفسها؟".
وأشار العنجري إلى أن "دول الخليج لا ينقصها المال أو الثقل الدولي، ولا حتى العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لتكون "إسرائيل" بوابتها لواشنطن كما قد يزعم البعض".
وأوضح أن دول الخليج قادرة على الوقوف في وجه الضغوط الأمريكية، و"هذا ما حدث على سبيل المثال في حرب أوكرانيا، حينما عارضت الطلبات الأمريكية بالوقوف ضد موسكو، وحدث هذا أيضاً في الرفض السعودي المتكرر لخفض أسعار النفط، وفي تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية، وهو أمر لم يكن على هوى الإدارة الأمريكية".