(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
يبدو أنّ انعقاد قمّة عربيّة طارئة، في الرياض، بات في حكم المؤكّد بعد أن أعلنت الأمانة العامّة لجامعة الدّول العربيّة أنّها تلقّت طلبًا رسميًا من دولة فلسطين والمملكة العربيّة السعوديّة لعقد دورة غير عاديّة لمجلس جامعة الدّول العربيّة على مستوى القمة برئاسة المملكة العربيّة السعوديّة التي ترأس الدورة الحالية "32"، في الرياض 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
بالطبع؛ ونظرًا إلى الدّور القيادي السّعودي ونفوذه على الأنظمة الرسميّة العربيّة، فإنّ القمة ستنعقد. لكنّ بيانها المرتقب وسقفه السّياسي لا يتوقع أن يخرج عن السّقف الذي تضعه السّعودية، خاصة وأنّ القمّة بدعوة منها وتتصدر هي واجهتها ومسؤوليتها.
في هذا السّياق؛ لن نتطرق إلى الموقف الرسمي العربي الذي أقلّ ما يوصف به أنّه عاجز؛ ليس فقط عن ردع أمريكا والعدو الإسرائيلي عن التمادي في العدوان والجرائم وإراقة دماء الاطفال والنساء والشيوخ في غزة؛ بل بات عاجزًا حتى عن تقديم المساعدات وفتح المعابر السياديّة والخضوع لشروط "إسرائيل" والسّقف الذي تحدّده لدخول الشّاحنات؛ من حيث الكمّ والكيّف! ولكننا سنتطرق، على الأقلّ، للمبادرة العربيّة التي قادتها السعوديّة، وما تزال تحكم سياسات النظام الرسمي العربي، ويُشار رسميًا لها كونها مرجعيّة السّياسات العربيّة بالرّغم من تحفظاتنا عليها، وما نراه بها من تفريط واعتراف مرفوض بالعدو.
للتذكير، فإنّ "مبادرة السّلام العربيّة" هي مبادرة أطلقها الملك "عبد الله بن عبد العزيز" ملك السعوديّة للسلام في الشرق الأوسط بين "إسرائيل" والفلسطينيين، تحت هدف معلن وهو إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود العام 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلّة، مقابل الاعتراف بإسرائيل وتطبيع الدّول العربيّة العلاقات معها.
وقد صدرت المبادرة، في العام 2002، وأعلن عنها في القمّة العربيّة في بيروت. وللتذكير أيضًا، فإنّ أبرز بنودها كانت كما يلي:
- انطلاقًا من اقتناع الدّول العربيّة بأنّ الحلّ العسكري للنزاع لم يحقّق السّلام أو الأمن لأي من الأطراف.
- يطلب المجلس من "إسرائيل" إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنةً أنّ السّلام العادل هو خيارها الإستراتيجي أيضّا.
- كما يطالبها القيام بما يلي:
1. الانسحاب الكامل من الأراضي العربيّة المحتلّة، بما في ذلك الجولان السّوري، وحتى خط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، والأراضي التي ما تزال محتلّة في جنوب لبنان.
2. التوصل إلى حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقًا لقرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة الرّقم 194.
3. قبول قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، منذ الرابع من يونيو /حزيران، في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقيّة.
- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:
1. تعدّ الصراع العربي-الإسرائيلي منتهيا، وتدخل في اتفاقيّة سلام بينها وبين "إسرائيل" مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
2. إنشاء علاقات طبيعيّة مع "إسرائيل" في إطار هذا السّلام الشامل.
3. ضمان رفض أشكال التوطين الفلسطيني كلهّها الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربيّة المضيفة.
4. يدعو المجلس حكومة "إسرائيل" والإسرائيليين جميعًا إلى قبول هذه المبادرة- والمبينة أعلاه -حماية لفرص السّلام وحقنا للدماء، بما يمكّن الدّول العربيّة و"إسرائيل" من العيش في سلام جنبًا إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار.
بعد مرور أكثر من 21 عاما على هذه المبادرة، المحصلة هي أنّ العدو تجاهلها وسار على عكس مطالبها، بينما التزم العرب بما كان منوط بهم فعله وتعاونوا مع العدو وطبّعوا؛ وكأنّه أعاد الجولان واعترف بدولة فلسطينية على الحدود التي اقترحها العرب بالرغم من التفريط بفلسطين التاريخية!
اليوم؛ بات رفض التهجير لأهالي غزة ورفض نكبة جديدة، كالتي حدثت في العام 48، يسوّق له على أساس أنّه صمود عربي بطولة ووقوف في وجه العدو !
ماذا ننتظر إذّا من قمّة الرياض، هل ننتظر هذا الصمود الرافض للنكبة الجديدة وتهجير أهالي غزة، والترويج له بأنّه قمّة الصمود الرسمي العربي وموقف تاريخي عظيم؟ أم ننتظر طلبًا بهدنة فوريّة وطلبات موجّهة بإدخال المساعدات مع أنّ إدخالها هو حقّ للعرب وبمعابر سياديّة على أراضيهم؟
هل ننتظر سحبًا للمبادرة العربيّة ووقف التطبيع؟
نرجو أن يكون هذا هو الحدّ الأدنى، وأن تكون للعرب مرجعيّة أخرى غير مبادرة الاستسلام، والتي جعلت العدو يطمع بنا ويستخفّ بالعرب لهذه الدرجة المهينة!