كمال السلامي - الخليج أونلاين-
على وقع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي، وارتكابه مجازر بشعة بحق المدنيين في غزة، يتخذ الموقف الخليجي شكلاً أكثر صرامة، حيث تلقي دول خليجية بثقلها لإيقاف تلك الجرائم ولجم الاحتلال.
وهذه المرة بدا الصوت الخليجي أكثر وضوحاً، وانتقلت دول الخليج كما يبدو من ساحة القول إلى الفعل، والدعوة إلى محاكمة قادة "إسرائيل"، ومنع عبور الطيران من أجواء بعض دوله.
وتبدو الضغوط الخليجية اليوم أكثر قدرة على إحداث تغيير في السياسة الدولية، نظراً للثقل الذي تمثله تلك الدول، وما تملكه من أدوات وإمكانات وأوراق ضغط، قادرة على إحداث فرق.
موقف سياسي موحد
كانت دول الخليج سبّاقة في رفض العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وصدرت عن وزارات خارجيتها بيانات إدانة واستنكار لجرائم الاحتلال بحق المدنيين، ورفضت كل دول الخليج التهجير القسري، والعقاب الجماعي الذي يمارسه الاحتلال.
وفي البيان الصادر عن المجلس الوزاري الخليجي، في اجتماعه الطارئ (17 أكتوبر)، طالب مجلس التعاون بوقف فوري لإطلاق النار، والعمليات العسكرية الإسرائيلية، كما طالب بإنهاء الحصار على غزة، والسماح بدخول المساعدات والغذاء والوقود.
وتبنى قادة دول مجلس التعاون نهجاً واضحاً في التواصل مع قادة العالم بخصوص الأوضاع المتصاعدة في الأراضي المحتلة، وسط تأكيد على ضرورة وقف التصعيد، وعدم تجاهل حق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته على ترابه الوطني.
قطع العلاقات
ويوم 2 نوفمبر 2023، أعلن مجلس النواب البحريني مغادرة السفير الإسرائيلي للمملكة، وعودة سفير البحرين لدى "إسرائيل"، احتجاجاً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
كما قررت البحرين قطع العلاقات الاقتصادية مع "إسرائيل"، تأكيداً لموقفها الراسخ في دعم القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفق بيان صادر عن مجلس النواب البحريني.
إلى ذلك أكد مركز الاتصال الوطني البحريني أن "الطيران المباشر بين مطار البحرين الدولي ومطار تل أبيب توقف منذ عدة أسابيع"، إضافة إلى إعلان شركات إماراتية تعليق رحلاتها من وإلى "تل أبيب"، خلال الأسابيع الماضية.
دعوة عُمانية
سلطنة عُمان اعتبرت، في بيان صدر عن وزارة خارجيتها يوم 28 أكتوبر، أن استمرار التصعيد الخطير وسياسة العقاب الجماعي والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال بمنزلة جرائم حرب ضد الإنسانية، تنذر بآثار كارثية خطيرة على المنطقة والعالم.
وزير خارجية السلطنة بدر البوسعيدي، ذهب إلى أبعد من ذلك؛ بمطالبته الصريحة بإجراء تحقيق حول العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاكمة قادة الاحتلال على جرائم الاستهداف المتعمد للمدنيين، كما أشار في حديث لصحفيين غربيين إلى أن "حماس" حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية.
وفي سياق متصل قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن سلطنة عُمان ألغت اتفاقاً سابقاً يسمح للطائرات الإسرائيلية بعبور أجواء السلطنة، احتجاجاً على التصعيد في قطاع غزة، اعتباراً من 29 أكتوبر، وذلك بعد أقل من 8 أشهر على السماح للرحلات الجوية التابعة لـ"إسرائيل" بالعبور في سماء السلطنة.
الكويت تلاحق الاحتلال
الكويت بدورها قفزت خطوة متقدمة، فاعتمد مجلس الأمة الكويتي، مطلع نوفمبر، "توصية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الاحتلال العسكريين والسياسيين كمجرمي حرب في المحافل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وفي برلمانات العالم".
ودعا مجلس الأمة الكويتي غرف التجارة ورجال الأعمال إلى تفعيل المقاطعة لـ"إسرائيل"، كما وافق على 13 توصية "لدعم كفاح وصمود الشعب الفلسطيني ضد الانتهاكات الصهيونية في قطاع غزة".
ونصّت توصيات البرلمان الكويتي على "إغلاق الأجواء الكويتية وأراضيها أمام أي استخدام في أي عملية ضد الفلسطينيين، وملاحقة أي حالات من التواصل مع الاحتلال".
موقف في وجه الإبادة
ويبدو أن وحشية جيش الاحتلال، وسياسة الأرض المحروقة، والإبادة التي يرتكبها بحق سكان غزة، كان لها دور في تصعيد الخطاب والموقف الخليجي الرافض لهذه الجرائم.
يقول رئيس جمعية الصحفيين العمانيين الدكتور محمد العريمي: إن هناك "بعض التقدم في المواقف الخليجية لوحظت خلال الأيام الماضية"، بعد أن تبين أن ما يرتكبه جيش الاحتلال المدعوم من أمريكا، وبعض دول أوروبا، يستهدف المدنيين والبنية التحتية في غزة.
وأضاف العريمي لـ"الخليج أونلاين": "المواقف التي صدرت من بعض دول الخليج دليل على الرفض التام لما تقوم به الآلة العسكرية تجاه شعب أعزل في غزة"، مؤكداً أن استهداف المدنيين والأطفال والنساء أمر مرفوض لدى الساسة في منطقة الخليج.
ولفت العريمي إلى أن "موقف سلطنة عمان الأخير موقف مشرف ينم عن المسؤولية الإنسانية في المقام الأول، والمسؤولية العربية تجاه الأشقاء"، لافتاً إلى بعض المواقف الخليجية الأخرى التي استنكرت جرائم الاحتلال.
وأشار إلى أن "هذه المواقف ستكون مواقف داعمة لشعب فلسطين، ولقطاع غزة الذي يتعرض منذ أكثر من ثلاثة أسابيع لإبادة جماعية لم تميز بين الأطفال وكبار السن".
التاريخ لا يرحم
ولعل ما تحتاج إليه غزة وسكانها الذين يواجهون الموت يومياً يتجاوز البيانات والمواقف النظرية، ووفقاً لرئيس جمعية الصحفيين العمانيين، فإن المطلوب الآن من الأنظمة السياسية في العالم العربي، ومن دول الخليج تحديداً، أن تكون مواقفها واضحة وصريحة، كما كانت المواقف الأمريكية والأوروبية منحازة بوضوح إلى جانب الاحتلال".
وأكد أن "التاريخ لا يرحم، وسيسجل كل هذه المواقف".
واستطرد العريمي قائلاً: "أتمنى أن تكون هناك مواقف ثابتة، سواء على النطاق الإقليمي، أو الأممي من خلال المؤسسات الدولية، الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة جماعية همجية، ومن ثم فوقوف الشعوب العربية مع هذا الشعب واجب إنساني وعربي وديني".
ولفت إلى أن الهدف من هذه الهجمة البربرية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة ليس حماس، بل هناك، حسب قوله، "مخططات معدة مسبقاً هدفها السيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وبعد ذلك ستكون هناك مخططات تجاه بعض الدول العربية، كمصر والأردن وحتى السعودية".
ولفت إلى أن "هذه القناعة أصبحت واضحة الآن لدى متخذ القرار في منطقة الخليج، ويتعامل معها بنفس المعطيات".
تثبيت الموقف الفلسطيني
ولفت رئيس جمعية الصحفيين العمانيين إلى جهود عُمان ممثلة بوزارة الخارجية لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة وعموم فلسطين، مستدلاً بتصريحات البوسعيدي الذي أكد ضرورة محاسبة قادة الكيان على جرائمهم.
كما تطرق إلى مواقف بعض الدول التي "ذهبت للتطبيع"، والتي قامت مؤخراً باستدعاء سفرائها ووقف التعاملات الاقتصادية مع "إسرائيل"، لافتاً إلى أن لذلك انعكاسات سوف تساعد الفلسطينيين في مواجهة العدوان الغاشم.
وقال العريمي: "هذه المواقف بلا شك تعطي قوة ودافعية لثبات الفلسطينيين في الأرض، خصوصاً أن ما يتعرضون له أمر ليس سهلاً تحمله، ولا يبدو أن لدى الفلسطينيين وحماس تحديداً خياراً إلا المواجهة".
استثمار العلاقات
ولعل من المهم أن تستثمر دول الخليج ما لديها من علاقات مع الدول الكبرى لتغيير مواقفها تجاه ما يحدث في غزة، وحول هذا يقول رئيس جمعية الصحفيين العمانيين: "دول الخليج دول فاعلة على النطاقين الإقليمي والدولي، ولديها علاقات قوية بالولايات المتحدة ودول أوروبا".
وأشار إلى أنها تستطيع أن تؤدي أدواراً كبيرة لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني من خلال الضغط على شركائها الأوروبيين والأمريكان جدياً لوقف مساعدة الكيان الصهيوني"، مشيراً إلى الاصطفاف الأمريكي الغربي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية مع دولة الاحتلال.
قمة الرياض المرتقبة
وأعرب عن أمله في أن يكون هناك موقف موحد وجماعي، خلال الأيام القادمة، خصوصاً خلال القمة العربية الطارئة التي ستعقد بطلب من السعودية وفلسطين.
وقال العريمي: "نتمنى من هذه القمة أن تخرج بمواقف ثابتة وواضحة، وأن تدعم بشكل مطلق الأشقاء في فلسطين"، مضيفاً: "لا نريد أن تكون هذه القمة قمة بيانات، بل نريدها أن تكون قمة أفعال تساعد الموقف الفلسطيني على الثبات من كل النواحي".
وشدد على ضرورة أن يكون هناك إصرار على فك الحصار وإدخال المساعدات الطبية والإنسانية لقطاع غزة، مؤكداً أن وقوف دول الخليج مع الفلسطينيين في محنة غزة واجب إنساني وعروبي وإسلامي.
وأعرب عن أمله في أن تشهد الأيام المقبلة انفراجة لهذه الأزمة من خلال هدنة، يتم خلالها إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة، ومن ثم تحقيق انفراجة سياسية.
وأشار إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها عُمان والسعودية، ودول الخليج مجتمعة، من أجل العودة إلى ما قبل النزاع، ولململة الأوراق المبعثرة، للتوصل إلى حل دائم، مؤكداً أنها ستكلل بالنجاح في حال كان هناك جدية وتركيز.