(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
مع الغضب الشعبي الكبير من المخرجات الضعيفة للقمة العربيّة الإسلاميّة والبيان الهزيل الذي انطوي على مطالبات بدلًا من إجراءات وقرارات تستغلّ ما بيدها من أوراق الضغط، وتحميل هذا الخذلان للدول التي تسيطر على القرار العربي- في إشارة إلى السعوديّة والإمارات- بعدما رشح وقوفهما ضد مقترحات قويّة طالبت بها بعض الدول لتخرج القمة بشكل إيجابي.
وبعدما رشح عن صدّ السعوديّة لصواريخ يمنيّة كانت منطلقة باتجاه "إسرائيل" ورصد المتابعات الإعلامية للعديد من وسائل الإعلام الخليجيّة، خاصة السعوديّة والإماراتيّة، فإنّ حالًا جديدة بدت تتشكّل، وهي الانتقال من حال التطبيع والمهادنة إلى حال التحالف مع العدو.
هنا؛ ينبغي إلقاء الضوء على ثلاثة تقارير توضّح هذه الحال الخطيرة على المستويين السياسي والعسكري، وأيضًا على مستوى التواصل الاجتماعي، والتي نطالب بالعدول عنها بشكل فوري:
1- قالت دراسة صادرة، عن معهد الشرق الأوسط بواشنطن” (MEI)، إن حرب "إسرائيل" على غزة تؤثر سلبًا على علاقات "تل أبيب" ودول إقليميّة، لكن الإمارات تبرز سندًا كبيرًا ومهمًا لـــــ"تل أبيب".
كما نبّهت الدراسة إلى أنّ الإمارات انطلقت من موقفها في حرب غزة من تحالفها الشامل مع "إسرائيل" ومعارضتها التاريخيّة لحركة الإخوان المسلمين والجماعات المحسوبة عليها في المنطقة، بما في ذلك حركة حماس.
على هذا النحو، يبدو أنّ الإمارات التي أشارت إلى أساسيات الاستقرار الإقليمي تملك دافعًا رئيسًا لتوقيع "اتفاقيّات إبراهام" مع "إسرائيل"، في العام 2020، منزعجة من هجوم حركة حماس الذي بدّد كلّ الآمال في استمرار اتجاهات عدم ال
صعيد في الشرق الأوسط على الأقل في المدى القصير والمتوسط.
وكانت الإمارات الدولة العربيّة الوحيدة التي تعاملت علنًا مع "إسرائيل"، بعد 7 أكتوبر
تشرين الأول. وفي أعقاب إدانة هجوم حماس الصادرة عن وزارة الخارجية الإماراتية - وهو عمل فريد من نوعه من جانب الإمارات مقارنة بردود الفعل العربيّة الأخرى- قال الرئيس الإماراتي محمّد بن زايد إنه هاتفَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وعلى الرغم من المشاعر العامة المنتقدة لـــــ"إسرائيل"، أكدت الإمارات أن "اتفاقيات إبراهام" موجودة لتبقى.
وبعد أربعة أسابيع من حرب "إسرائيل" على غزة، صرحّ علي راشد النعيمي الذي يرأس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والعلاقات الخارجية، في المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، بشكل خاص أن الاتفاقات هي منصّة "يجب أن تحوّل المنطقة؛ حيث الجميع سينعم بالأمن والاستقرار والازدهار".
بناءً على ذلك؛ لم تغيّر الإمارات حتى الآن مستوى علاقاتها مع "إسرائيل"، ولم تتراجع عن برامج التعاون الثنائية والصغرى السابقة مع "إسرائيل"، بما في ذلك الدعوات الموجهة إلى نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين لحضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ ( COP28)، والذي سيعقد في دبي، في وقت لاحق من هذا العام.
2- ذكرت وكالة "بلومبيرغ"، نقلًا عن أشخاص مطّلعين لم تكشف هويتهم، أنّ السعوديّة "اعترضت صاروخًا أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل حلّق فوق أراضيها". بحسب بلومبيرغ: "القوات السعودية اعترضت صاروخًا حلّق فوق أراضيها، بعد أن أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية".
3- تقرير مؤسسة كارنيعي للباحثة "هند الأنصاري"، هي باحثة ومحلّلة للسياسات بالمعهد، ذكرت أنّه، وفي الآونة الأخيرة، وجد مؤثّرون ومستخدمون آخرون لمواقع التواصل الاجتماعي أنفسهم في مأزق غير معهود. ففي 31 تشرين الأول/أكتوبر، نشر الأستاذ والمعلّق السياسي الإماراتي عبد الخالق عبدالله تغريدة قال فيها إنّ: "الشعب يريد طرد السفير الإسرائيلي - يقصد الإمارات- ليعود فيحذفها بعد مدة وجيزة.
وفي السعوديّة، حذف نادي الهلال لكرة القدم صورة أحد لاعبيه مرتديًا كوفية فلسطينيّة، بعد أقل من ساعة على نشرها على منصة "إكس". وبعدما اعترض العديد من المستخدمين على القرار؛ عادوا فنشروا لاحقًا اعتذارات مماثلة، ما يؤشّر إلى أنّ الحكومة ضغطت عليهم للقيام بذلك.
وعلى غرار صعود المؤثّرين العرب الداعمين لـــــــ"إسرائيل"، فإنّ لجوء المؤثّرين العرب الداعمين لفلسطين إلى الرقابة الذاتية هو ظاهرة جديدة نسبيًا. ولكنّها تندرج في إطار نموذج أوسع للمحاولات التي تقوم بها بعض الحكومات العربيّة لقمع المعارضين والتأثير في السرديّة عن "إسرائيل" في عصر جديد من التطبيع بوسائل تشمل قيام مؤثّرين ومسؤولين إماراتيين بـ"نشر معلومات مضلّلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
كما أضافت أنّ فرض قيود على المنشورات عن القضية الفلسطينيّة، على مواقع التواصل الاجتماعي، قد يعني أن التضامن مع الفلسطينيين هو شكل جديد من أشكال المعارضة في بعض الدول العربيّة. في الوقت نفسه، ومن خلال إتاحة مساحة للأصوات العربية الداعمة لـــــــ"إسرائيل" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا تواجّه الحكومات إشارات عن تبدّل موقفها من "إسرائيل" فحسب، بل تكشف أيضًا عن وجود وجهات نظر ناشئة حديثًا في أوساط الرأي العام العربي، حتى في خضّم التنديد الواسع في مختلف أنحاء العالم العربي بسقوط الضحايا في غزة.
هذه التقارير ترصد حالًا من تحالف وتواطأ مع العدو غير مسبوقة، وتتصادم مع الغضب الشعبي العارم، وهو غضب موجود عند شعوب الخليج كونها شعوبًا عربيًة وإسلاميّة.
فهل تعدّل الحكومات وخاصّة السعوديّة والإماراتيّة عن هذا التوجه، أم تسير عكس اتجاه التاريخ لتقع في حادث سير بالتصادم مع غضب شعوبها المتصاعد؟