يوسف حمود - الخليج أونلاين-
عادت قطر مجدداً إلى واجهة ومركز الدبلوماسية العالمية، وهذه المرة لجهودها في التوسط بمفاوضات إطلاق سراح أسرى لدى "حماس" مقابل فلسطينيين لدى الاحتلال الإسرائيلي، وهدنة إنسانية في غزة، فضلاً عن انخراطها في مساعي إجلاء الرعايا الأجانب من القطاع.
وحافظت قطر على علاقاتها مع حركة "حماس" خلال السنوات الأخيرة وكانت أيضاً واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ما مكنها من الدخول بكل ثقلها الدبلوماسي في أكبر أزمة يعيشها العالم حالياً، مع استمرار العدوان الوحشي على قطاع غزة منذ الـ7 من أكتوبر.
وبينما ستكون الأيام الـ4 القادمة هادئة بوقف القصف والمواجهات وفق الاتفاق الذي يقضي بوقف إطلاق النار خلالها، تأمل قطر في أن تنجح في تمديد الهدنة، وصولاً إلى وقف الحرب بشكلٍ كامل، فهل تنجح في ذلك، أم ستعود الحرب بشكلٍ أكبر؟ وكيف نجحت في البداية أن تكون وسيطاً نجح أخيراً في هذا الاتفاق؟
اتفاق برعاية قطرية
بينما كان العدوان الإسرائيلي يصب حُممه على قطاع غزة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2023، رداً على تمكن المقاومين في غزة من اقتحام حدود الاحتلال في الـ7 من أكتوبر الماضي، كانت قطر تبذل جهوداً دبلوماسية مضنية منذ اليوم الأول للحرب، في محاولة لوقف التصعيد.
وبعد 47 يوماً من العدوان الإسرائيلي الذي خلف نحو 15 ألف شهيد معظمهم نساء وأطفال، فضلاً عن أكثر من 36 ألف جريح، أعلنت قطر (فجر 22 نوفمبر 2023)، التوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية في غزة بين "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بدأت صباح 24 من نفس الشهر، وتستمر 4 أيام قابلة للتمديد.
ويشمل الاتفاق تبادل 50 من الأسرى من النساء المدنيات والأطفال بقطاع غزة في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، على أن تتم زيادة أعداد المفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق.
بدورها قالت حركة "حماس" في بيانٍ لها، إنه سيتم "إطلاق سراح 50 رهينة من النساء والأطفال مقابل الإفراج عن 150 من نساء وأطفال شعبنا بسجون الاحتلال".
معقدة.. ومخاوف
تصف "حماس" مفاوضات الهدنة بـ"المعقدة والصعبة"، وفي فترة الهدنة "سيلتزم الاحتلال بعدم التعرض أو اعتقال أحد في كل مناطق قطاع غزة، وضمان حرية حركة الناس من الشمال إلى الجنوب على طول شارع صلاح الدين، ووقف حركة آليات الاحتلال العسكرية المتوغلة في قطاع غزة".
كما سيشمل "وقف حركة الطيران في الجنوب على مدار أيام الهدنة وفي الشمال لمدة 6 ساعات يومياً، وإدخال مئات شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود لكل مناطق قطاع غزة".
لكن لا يُعرف بعد ما إذا كانت الوساطة القطرية ستنجح في تمديد الهدنة أو إيقاف القتال، في وقتٍ تظهر مخاوف مع إعلان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن "إسرائيل ستواصل حربها على حماس، حتى لو جرى التوصل معها إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لإطلاق سراح الرهائن".
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالمضي قدماً، وأضاف: "نحن في حالة حرب، وسنواصل الحرب. سنستمر حتى نحقق جميع أهدافنا".
وردت "حماس" بتأكيدها أن المقاومة "ستبقى على الزناد وكتائبنا ستبقى بالمرصاد للدفاع عن شعبنا"، لافتة إلى أن بنود الاتفاق "صيغت وفق رؤية المقاومة ومحدداتها التي تهدف لخدمة شعبنا وتعزيز صموده في مواجهة العدوان".
وتقول قطر، على لسان رئيس وزرائها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إنها تأمل في أن تؤسس هذه الهدنة "لاتفاق شامل ومستدام يوقف آلة الحرب ونزيف الدماء، ويفضي إلى محادثات جادة لعملية سلام شامل وعادل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية".
هدنة ولا إيقاف للحرب
يؤكد المحلل السياسي والباحث في الشأن الإسرائيلي د.مأمون أبو عامر، أن قطر كان لها دور واضح في غزة منذ سنوات، ودعمت منذ البداية أن يكون لحركة "حماس"، بالاتفاق مع القوى الدولية مثل أمريكا، مقر في الدوحة "كعامل إيجابي في تهدئة الأوضاع وتخفيف التوترات في غزة".
وأوضح أنه كان لقطر "دور مهم في الوساطة، وما سبقها من المنحة القطرية في غزة والتي كانت تخفف الحصار المفروض"، مشيراً إلى أن التهدئة الحالية "مكملة لحالات سابقة ساهمت بشكل كبير في التهدئة خاصة بعد أحداث ما يعرف بمسيرات العودة التي أثارت حالة من التوتر على الحدود بين غزة وإسرائيل".
ويشدد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، على أن الدبلوماسية القطرية "تعتمد على وسائل مثل أنها ليس لها موقف أيديولوجي معين، بل لديها رؤية سياسية في أن تكون فاعلاً إقليمياً ودولياً وأن تؤثر في الأحداث إيجابياً".
ودلل على حديثه بـ"دورها مثلاً في أفغانستان، إذ كان لها الفضل الكبير في إنهاء تلك الأزمة، حيث اختارت مسبقاً أن تستقبل مكتب طالبان كسبيل للوصول إلى الاتفاق مع واشنطن، وهي نفس الفكرة التي قامت بها مع حماس".
وسمحت قطر لـ"حماس" في عام 2012، بإنشاء مكتب سياسي في الدوحة، وما يزال يواصل إلى اليوم عملياته، وكانت المفاوضات الأخيرة تجري عبره.
وأشار أبو عامر إلى أن قطر "راهنت على سمعتها أمام بعض الدول، واتهمتها "إسرائيل" بأنها تدعم الإرهاب، لمجرد أنها تستضيف حماس، لكنها صمدت في مواجهة هذه التحديات".
وأضاف: "الدور القطري عملي وواقعي، ويتمتع برؤية عميقة جداً لصالح صانعي القرار القطري؛ بأنه قادر على الحضور في الأزمات، وأنه قادر على التعامل الحقيقي مع القوى الفاعلة في الميدان".
وفيما يتعلق بالهدنة أشار إلى أنها "لن تكون دائمة، وستكون ميدانية على أيام، لكن في ذات الوقت سيكون من السهل أن يتبعها هدن أخرى".
ويلفت إلى أنه خلال أيام الهدنة "سيزيد الضغط العالمي على "إسرائيل"، ما قد يؤدي إلى مزيد من الهدن الإنسانية، وصولاً في مرحلة لاحقة إلى خفض العنف وتهدئة المواجهة".
لكن ذلك، وفقاً لأبو عامر، "لن يوقف الحرب، وما قد يحدث ربما وقف القتال أياماً إضافية وقد تمتد أسابيع"، مؤكداً أنه "ليس من الواضح من الأفق وقف الحرب؛ لأن "إسرائيل" وضعت على نفسها أهدافاً عالية جداً لا يمكن تجاوزها".
وأكمل: "نتنياهو ليس من مصلحته وقف الحرب؛ لأنه يريد أن يستمر في الحكم من خلال استمرار الحرب تجنباً لمحاسبته، أو على الأقل لتحقيق أي إنجاز قد يباهي به أمام شعبه ويخرجه من هذا المأزق".
قطر وغزة
على مدار سنوات طويلة نجحت الوساطة القطرية في وضع نهايات سعيدة لكثير من أزمات ومشاكل المنطقة وعالمياً، لكن في غزة يعد الأمر مختلفاً؛ لكون قطر ترى القضية الفلسطينية إحدى قضاياها الرئيسية، لأهميتها السياسية والدينية.
وخلال حروب سابقة شنها الاحتلال على غزة كانت الدوحة تسارع بالتحرك منذ الساعات الأولى لأي تصعيد إسرائيلي، إلى جانب عدة دول، وتمكنت في معظمها من تهدئتها والتوصل لوقف الحرب، غير أن العدوان الحالي مختلف تماماً لأسبابٍ عديدة؛ منها الدعم الأمريكي والغربي لـ"إسرائيل" في الحرب، والأرقام غير المسبوقة من الشهداء والجرحى، والأهداف الإسرائيلية منها.
كما تعد قطر أكبر الداعمين لقطاع غزة، حيث تقدم مئات الملايين من الدولارات للقطاع المحاصر منذ 2014، وفي مرحلة ما كانت تنفق 30 مليون دولار شهرياً للمساعدة في تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع ودعم الأسر الفقيرة والموظفين في الحكومة التي تديرها "حماس".
وعلى الرغم من استفزاز "إسرائيل" لقطر من خلال تصريحاتٍ ضدها واتهامها بدعم "حماس"، وصولاً إلى قصف مقر اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أكدت الدوحة أن ذلك لن يثنيها عن تقديم المساعدات للقطاع المحاصر، والعمل على الوساطة لوقف الحرب والإفراج عن المحتجزين والأسرى.