علاقات » اسرائيلي

رئيس وزراء قطر لـ”لوبوان”: لاحظنا طوال المحادثات أنه كلما اشتدت الحرب زادت مطالب الجانب الآخر

في 2023/12/14

مجلة “لوبوان” الفرنسية- 

في مقابلة خصّ بها مجلة “لوبوان” الفرنسية الأسبوعية التي نشرتها هذا الخميس، ردّ رئيس وزراء قطر ورئيس دبلوماسيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على جملة من الأسئلة حول الحرب بين إسرائيل وحركة حماس والدور القطري في محاولة وضع حد لها، بما في ذلك من خلال الوساطة في إطلاق سراح الأسرى. وهذا أبرز ما جاء في هذه المقابلة:

لماذا فشلت المحادثات بين إسرائيل وحماس بعد وساطة في الأول ديسمبر، وإطلاق سراح أكثر من مئة رهينة؟

لا أقول إن المحادثات فشلت، بل إن الاتفاق انهار مع الاقتراب من نهاية تنفيذه. ولم تكن المنطقة التي يغطيها الاتفاق واسعة النطاق، وكان الخلاف الأخير حول تعريف الرهائن المتبقين، فهذا ما أنهى كل شيء حقًا […] إنه أمر مؤسف. لقد اعتقدنا أن الأطراف ستكون لديها ثقة أكبر في العملية؛ وكنا نأمل أن يمنحونا المزيد من الوقت لإيجاد حل لهذا الخلاف والتوصل إلى حل وسط.

وأسفرت العملية نفسها عن إطلاق سراح 109 أسرى. وهذا يدل على أن المفاوضات يمكن أن تؤدي ليس فقط إلى إطلاق سراح الأشخاص وإعادتهم إلى ديارهم بأمان، بل يمكن أن تساعد أيضا في تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة.

هل ما تزال هناك مناقشات مستمرة؟

ليس بنفس الوتيرة، ولم يعد من الممكن مقارنتها بالمحادثات التي سمحت لنا بالتوصل إلى اتفاق. لكننا نأمل في أنه عندما يحين الوقت، يمكن استئناف الأمور بوتيرة أفضل.

ما الذي يتطلبه الأمر لإطلاق سراح جميع الرهائن؟

في رأيي، هذا السؤال يجب أن يُطرح على حماس. لكن كما تعلمون، عليكم فهم ديناميكيات معينة. عادة، في أي حالة حرب، تتم مفاوضات الأسرى بعد وقف إطلاق النار. ولذلك فمن الاستثنائي أن تتم المفاوضات أثناء القتال وأن تشكل في حد ذاتها سبباً لتقرير الهدنة. وفي الوضع الحالي، فإن كثافة الحملة العسكرية تجعل عملنا معقدًا للغاية وصعبًا للغاية. لكن التعليمات التي تلقيناها من الأمير كانت واضحة للغاية منذ اليوم الأول للحرب وتتمثل في التركيز على استعادة الرهائن، وقد بدأنا في إيجاد طريقة لإخراجهم. نحن لا نقبل ما حدث في هجوم 7 أكتوبر، والذي لا يجب تبريره أو إخراجه من سياقه. والأسرى، لاسيما المدنيون الأبرياء، لا يتحملون أي ذنب؛ لا ينبغي معاقبتهم. وهذا كان موقفنا منذ البداية. في الواقع، بدأنا المحادثات في اليوم الثاني من الحرب، ولسوء الحظ، لم يكن الإسرائيليون منخرطين في العملية في ذلك الوقت، وفي النهاية وافقوا على المشاركة، مما أدى إلى الهدنة. واليوم، لكي يتم إطلاق سراح جميع الأسرى، فمن المؤكد أن هناك حاجة إلى مناقشات ذهاباً وإياباً لتحديد نسبة التبادل.

لوبوان: إسرائيل تقول إن حملتها العسكرية والضغوط التي تمارسها على حماس ضرورية لتحرير الرهائن.

الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني: أنا لا أتفق مع هذه الحجة.. فالعكس هو الذي سمح بإجراء المفاوضات. وكانت المفاوضات أسهل بكثير قبل بدء الأعمال العدائية وتكثيفها. الحملة العسكرية لا تؤدي إلا إلى تعقيد عملنا. كما أن الأعمال العدائية تغير الوضع على الأرض، مما يدفع الأطراف إلى تعديل مطالبهم. لاحظنا طوال المحادثات أنه كلما اشتدت الحرب، زادت مطالب الجانب الآخر.

ما الذي يمكن عمله على الفور لتحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة؟

هذا السؤال يجب أن يُطرح على الإسرائيليين، الذين أعلنوا عن هدفهم المتمثل في تدمير حماس وتأمين إطلاق سراح الأسرى. ولا أعرف إذا كانت الحرب ستنتهي لو تحقق ولو أحد أهدافها. وعلينا أيضاً أن نعرف ما إذا كان ما أعلنه الإسرائيليون يتوافق حقاً مع كل أهدافهم أم أن لديهم شيئاً آخر في أذهانهم. كل ما شهدناه على مدى الأيام الستين الماضية- عدد القتلى، وحجم الدمار في غزة- يبدو وكأنه انتقام أكثر من كونه رد فعل بسيط أو حاجة إلى استعادة الردع. معظم القتلى هم من النساء والأطفال، ولا علاقة لهم بحماس أو بهجماتها. لماذا يعاقبونهم بشيء لم يفعلوه؟ ولسوء الحظ نرى أن هذا الأمر مستمر ونرى أن الدعوة إلى وقف إطلاق النار تظل قضية مثيرة للجدل داخل المجتمع الدولي.

كيف تقيمون رد فعل المجتمع الدولي على هذه الحرب؟

لقد أوضحنا منذ البداية أننا نلاحظ مع أسفنا البالغ أن معايير التقييم والمعايير المستخدمة للحكم على هذا الصراع تختلف عن تلك الخاصة بأي حرب أخرى. وما يعتبر في مناسبات أخرى جريمة حرب يُنظر إليه هنا على أنه دفاع عن النفس. لا أحد ينكر الحق في الدفاع عن النفس، ولكن يجب تطبيق القانون الدولي ككل. ولا يمكننا أن نأخذ عناصر معينة فقط ونتجاهل العناصر الأخرى. وبالتالي، فإن الأمر يتعلق في الأساس بمسألة المعايير المزدوجة، هكذا نحلل رد فعل المجتمع الدولي، وهذا يهمنا. فشراكاتنا على سبيل المثال مع الولايات المتحدة أو مع أوروبا قوية للغاية. لقد تعاونا معهم في العديد من القضايا، لكن الموقف الذي تتبناه هذه الدول اليوم يضعنا في موقف صعب تجاه شعوبنا.

هل كان من المفيد للولايات المتحدة استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مجلس الأمن الأخير الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار؟

لقد شعرنا بخيبة الأمل تجاه قرارهم باستخدام حق النقض، لأننا بصراحة كنا حذرين للغاية بشأن هذا القرار لتجنب أي جدل، وبهدف جعله قراراً إنسانياً بحتاً. ويهدف هذا النص إلى الدعوة إلى هدنة إنسانية استجابة لحاجة إنسانية وتخفيف معاناة السكان. ما يحدث الآن في غزة غير مسبوق، حيث يعرقل وصول المنظمات الإنسانية، ولا تستطيع الأمم المتحدة أن تعمل، وعدد موظفيها الذين قتلوا في هذه الحرب يتجاوز أي شيء عرفناه على الإطلاق. هناك أشياء كثيرة يتم تنفيذها في غزة والتي لم يسبق لها مثيل. فليس لدى المدنيين مكان آمن يمكنهم اللجوء إليه. هذه هي الحرب الوحيدة التي رأينا فيها السكان يُدفعون من الشمال إلى الجنوب، ثم من الجنوب إلى أقصى الجنوب.. أين يمكن أن يذهبوا بعد ذلك؟.

هل يمكن للحكومة الإسرائيلية الحالية أن تكون شريكاً للسلام؟

لا أستطيع أن أبدي رأيي في حكومة أجنبية، ولكن من الواضح أنه على مدى عقدين من الزمن، تم اقتراح العديد من خطط السلام، ولم يقبل الإسرائيليون أياً منها. وكانت خطة السلام الوحيدة التي بدأ تنفيذها هي عملية أوسلو، تحت قيادة إسحق رابين، في التسعينيات. وفي ذلك الوقت، كنا نثق في السلام. وفي عام 1997 وقعنا اتفاقاً مع الإسرائيليين لتطبيع الوضع معهم. لقد كانت خطوة إيجابية، ولكن عندما رأينا الأعمال الوحشية التي ارتكبت خلال حرب 2008-2009، عدنا إلى الوضع السابق. ومن الواضح اليوم أن الأحداث الجارية والكارثة الإنسانية تدفع أي دولة عاقلة إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد الممكن للأمن والسلام. إن إنكار ذلك، من خلال محاولة تجاهل حقيقة أن هذا الشعب يحتاج إلى سيادته واستقلاله، لم يعد ممكنا.

ولكن بعد الهجوم “الإرهابي” الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ورغم احتدام الحرب منذ ذلك الحين، فهل ما زال مثل هذا التعايش بين دولتين، إسرائيلية والأخرى فلسطينية، أمراً ممكناً؟

إنه ممكن وضروري أكثر من أي وقت مضى، إذ أصبح من الواضح على نحو متزايد أنه لن يكون هناك سلام وأمن أبداً ما دامت الأراضي محتلة، وما دام المستوطنون المتطرفون يتصرفون بهذه الطريقة. وحتى قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، كان عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية أكبر من أي وقت مضى. تم مقتل أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية. ويتم الحديث عن عنف المستوطنين.. وأما أسميه إرهابًا من جانبهم.

هل السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس قادرة على حكم غزة بعد الحرب؟

أولا، بالفعل، اليوم، معظم موظفي الوزارات والمؤسسات في غزة هم موظفون في السلطة الفلسطينية، التي تدفع لهم رواتبهم. وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية لم تترك غزة على المستوى العملياتي. لقد كانت هناك مشكلة في القيادة منذ انقسام فتح وحماس في عام 2006، ولكن المؤسسة موجودة. غير أن محمود عباس ومسؤولين آخرين في السلطة الفلسطينية أكدوا لنا أنهم لن يعودوا إلى غزة على متن دبابة إسرائيلية. فأي قيادة فلسطينية يجب أن تأتي من الإجماع الفلسطيني.

هل حماس عائق أمام السلام؟

في رأيي، بمجرد أن يصبح السلام ممكنا، فإن أي شخص يشكل عقبة أمام السلام يجب أن يتنحى جانبا. ويجب على كل من يشكل عقبة أمام الحل العادل والسلمي أن يتنحى جانبا. وهذا ينطبق على كلا الجانبين.

وفي إطار التسوية، هل يمكن لدولة قطر أن تستقبل بعض قيادات حماس من غزة على أراضيها؟

قطر هي منصة للسلام وللمحادثات وللتواصل وللحوار بين الأطراف. وهذا لا يعني تأييدنا لأي من الطرفين. وفي نهاية المطاف، مهما كانت الاتصالات المطلوبة، فإننا سنقيمها لإحلال السلام. ويجب على أي شخص يرغب في أن يصبح مقيمًا في قطر أن يلتزم بقواعد وأنظمة دولة قطر ولا يجوز أن يخالفها.

قطر توصلت إلى اتفاق مع إسرائيل لتمويل حماس؟

لنكن واضحين، يتعلق الأمر بتمويل غزة، ويتكون اتفاقنا مع الإسرائيليين من دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في غزة، ودفع الإعانات للعائلات التي تعيش تحت خط الفقر- والتي تتلقى منا تبرعًا بقيمة 100 دولار لكل أسرة شهريًا- وشراء المواد الهيدروكربونية من الإسرائيليين لتشغيل الكهرباء في القطاع. وقد تم تطبيق هذه الاتفاقية منذ ثماني سنوات، ولسوء الحظ، فقد تم إساءة استخدامها دائمًا في وسائل الإعلام، حيث قدمها البعض على أنها تمويل لحركة حماس، ولم يكن هذا هو الحال أبدا. لقد كان كل شيء شفافًا وقانونيًا للغاية، وتم التنسيق معه مع الأمم المتحدة والحكومة الإسرائيلية بالشراكة مع الولايات المتحدة.

فهل صحيح أن الحكومة الإسرائيلية طلبت قبل أيام قليلة من 7 أكتوبر/ تشرين الأول من قطر مواصلة الدفع؟

نعم. وقد أوضحت قطر لسنوات أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. لا يمكننا ببساطة تجديد نظام أجور الخدمة المدنية دون إيجاد حل، أولاً، دعم الوحدة الفلسطينية- وهو ما أعتقد أن الإسرائيليين لم يكونوا حريصين على تحقيقه- وثانياً، تحقيق الاستقرار في غزة، وتزويدها بشريان حياة حقيقي من أجل التأكد من أنه لن تكون هناك هجمات من غزة يمكن أن تهدد بقاء هذه المنطقة. ولسوء الحظ، لم يكن الإسرائيليون مستعدين للمشاركة في مثل هذه الصفقة أو دعمها. ويبدو لنا أن ذلك لم يخدم مصالحهم في ذلك الوقت.

هل تخشى أن تمتد الحرب في غزة في حال استمرارها إلى كامل المنطقة؟

إنها مخاطرة. وكلما طال أمد الحرب، زاد خطر انتشار الصراع.

لماذا تواصل دولة قطر أعمال الوساطة هذه؟

نحن لا نقوم بذلك فقط بين حماس وإسرائيل، ولكن أيضًا بين روسيا وأوكرانيا، فيما يتعلق بمسألة إعادة الأطفال، وكذلك في أفغانستان ولبنان والسودان، وبين جيبوتي وإريتريا.. وهذا منصوص عليه في سياستنا الخارجية. نحن بلد صغير يريد الحفاظ على الصداقة والعلاقات الجيدة مع الجميع. نحن نساهم في تحقيق السلام والأمن في منطقتنا والعالم. ونحن نعمل بشكل وثيق مع حلفائنا في هذا المجال. إن كوننا دولة صغيرة يمنحنا ميزة المرونة والسرعة. وليس لدينا مصلحة في هذه الدول سوى دعم استقرارها ونموها. وبطبيعة الحال، يساهم هذا في استقرارنا الإقليمي، مما يساعدنا على خلق بيئة مواتية لنمونا.

عندما تقوم بالوساطة بين إسرائيل وحماس، ما هي جزرتك وما هي عصاك؟

هذا سؤال جيد… (يتوقف الوزير القطري لحظة للتفكير). في رأيي، ما يهم هو الثقة التي بنيناها مع كلا الطرفين. وعلى الرغم من أننا نختلف مع سياسات الحكومة الإسرائيلية، إلا أنني أعتقد أن لدينا علاقة عمل جيدة معهم، على أساس الالتزام المتبادل المستمر بتوفير السلامة والأمن في نهاية المطاف. وفي الوقت نفسه، مع حماس، عندما نتحدث عن شيء ما، فإننا صادقون في كلامنا. نحاول الحصول على النتائج من خلال بناء الثقة […] نحن لسنا قوة عظمى يمكنها استخدام العصا والجزرة.