لوبوان - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
يجب على كل من يشكل عقبة أمام الحل العادل والسلمي، أن يتنحى جانبا، وهذا ينطبق على كلا الجانبين.
هكذا تحدث رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في حوار مع مجلة "لوبوان" الفرنسية الأسبوعية، وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أن المحادثات بين الجانبين لم تفشل، بل إن الاتفاق انهار مع الاقتراب من نهاية تنفيذه.
وأضاف: "لم تكن المنطقة التي يغطيها الاتفاق واسعة النطاق، وكان الخلاف الأخير حول تعريف الاسرى المتبقين، وهذا ما أنهى كل شيء حقًا […] إنه أمر مؤسف".
وتابع: "لقد اعتقدنا أن الأطراف ستكون لديها ثقة أكبر في العملية، وكنا نأمل أن يمنحونا المزيد من الوقت لإيجاد حل لهذا الخلاف والتوصل إلى حل وسط".
ولفت بن عبدالرحمن، إلى أن الهدنة الماضية (استمرت أسبوعا وانتهت في مطلع ديسمبر/كانون الأول)، أسفرت عن إطلاق سراح 109 أسرى، و"هذا يدل على أن المفاوضات يمكن أن تؤدي ليس فقط إلى إطلاق سراح الأشخاص وإعادتهم إلى ديارهم بأمان، بل يمكن أن تساعد أيضا في تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة".
وحول طبيعة هذه المحادثات، قال الوزير القطري: "في أي حالة حرب، تتم مفاوضات الأسرى بعد وقف إطلاق النار، ولذلك فمن الاستثنائي أن تتم المفاوضات أثناء القتال، وأن تشكل في حد ذاتها سبباً لتقرير الهدنة".
وتابع: "في الوضع الحالي، فإن كثافة الحملة العسكرية تجعل عملنا معقدًا للغاية وصعبًا للغاية، لكن التعليمات التي تلقيناها من الأمير (الشيخ تميم بن حمد آل ثاني) كانت واضحة للغاية منذ اليوم الأول للحرب، وتتمثل في التركيز على استعادة الأسرى، وقد بدأنا في إيجاد طريقة لإخراجهم".
وزاد: "بدأنا المحادثات في اليوم الثاني من الحرب، ولسوء الحظ، لم يكن الإسرائيليون منخرطين في العملية في ذلك الوقت، وفي النهاية وافقوا على المشاركة، مما أدى إلى الهدنة".
وحول طبيعة المحادثات الجارية حاليا، لفت بن عبدالرحمن إلى أنها ليست بنفس الوتيرة، "ولم يعد من الممكن مقارنتها بالمحادثات التي سمحت لنا بالتوصل إلى اتفاق، لكننا نأمل في أنه عندما يحين الوقت، يمكن استئناف الأمور بوتيرة أفضل".
وتابع: "لكي يتم إطلاق سراح جميع الأسرى، فمن المؤكد أن هناك حاجة إلى مناقشات ذهاباً وإياباً لتحديد نسبة التبادل".
ورفض بن عبدالرحمن، ما تقوله إسرائيل من أن حملتها العسكرية والضغوط التي تمارسها على حماس ضرورية لتحرير الأسرى، وقال: "العكس هو الذي سمح بإجراء المفاوضات، وكانت المفاوضات أسهل بكثير قبل بدء الأعمال العدائية وتكثيفها".
واستطرد: "الحملة العسكرية لا تؤدي إلا إلى تعقيد عملنا، كما أن الأعمال العدائية تغير الوضع على الأرض، مما يدفع الأطراف إلى تعديل مطالبهم.. لاحظنا طوال المحادثات أنه كلما اشتدت الحرب، زادت مطالب الجانب الآخر (حماس)".
وحول سبل تحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة، قال الوزير القطري: "هذا السؤال يجب أن يُطرح على الإسرائيليين، الذين أعلنوا عن هدفهم المتمثل في تدمير حماس وتأمين إطلاق سراح الأسرى، ولا أعرف إذا كانت الحرب ستنتهي لو تحقق ولو أحد أهدافها".
وأضاف: "علينا أيضاً أن نعرف ما إذا كان ما أعلنه الإسرائيليون يتوافق حقاً مع كل أهدافهم أم أن لديهم شيئاً آخر في أذهانهم، ولكن كل ما شهدناه على مدى الأيام الستين الماضية، هم عدد القتلى، وحجم الدمار في غزة، يبدو وكأنه انتقام أكثر من كونه رد فعل بسيط أو حاجة إلى استعادة الردع".
وتابع: "معظم القتلى هم من النساء والأطفال، ولا علاقة لهم بحماس أو بهجماتها، فلماذا يعاقبونهم بشيء لم يفعلوه؟، ولسوء الحظ نرى أن هذا الأمر مستمر ونرى أن الدعوة إلى وقف إطلاق النار تظل قضية مثيرة للجدل داخل المجتمع الدولي".
وحول موقف المجتمع الدولي من الحرب، قال الوزير القطري: "لقد أوضحنا منذ البداية أننا نلاحظ مع أسفنا البالغ أن معايير التقييم والمعايير المستخدمة للحكم على هذا الصراع تختلف عن تلك الخاصة بأي حرب أخرى، وما يعتبر في مناسبات أخرى جريمة حرب يُنظر إليه هنا على أنه دفاع عن النفس".
وتابع: "لا أحد ينكر الحق في الدفاع عن النفس، ولكن يجب تطبيق القانون الدولي ككل، ولا يمكننا أن نأخذ عناصر معينة فقط ونتجاهل العناصر الأخرى، وبالتالي، فإن الأمر يتعلق في الأساس بمسألة المعايير المزدوجة".
وحول رأيه في استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مجلس الأمن الأخير الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، قال بن عبدالرحمن: "لقد شعرنا بخيبة الأمل تجاه قرارهم باستخدام حق النقض، لأننا بصراحة كنا حذرين للغاية بشأن هذا القرار لتجنب أي جدل، وبهدف جعله قراراً إنسانياً بحتاً".
وتابع: "ما يحدث الآن في غزة غير مسبوق، حيث يعرقل وصول المنظمات الإنسانية، ولا تستطيع الأمم المتحدة أن تعمل، وعدد موظفيها الذين قتلوا في هذه الحرب يتجاوز أي شيء عرفناه على الإطلاق، هناك أشياء كثيرة يتم تنفيذها في غزة والتي لم يسبق لها مثيل، فليس لدى المدنيين مكان آمن يمكنهم اللجوء إليه".
وتابع: "هذه هي الحرب الوحيدة التي رأينا فيها السكان يُدفعون من الشمال إلى الجنوب، ثم من الجنوب إلى أقصى الجنوب.. أين يمكن أن يذهبوا بعد ذلك؟".
وردا على سؤال حول إمكانية أن تكون الحكومة الإسرائيلية الحالية أن تكون شريكاً للسلام، قال الوزير القطري: "لا أستطيع أن أبدي رأيي في حكومة أجنبية، ولكن من الواضح أنه على مدى عقدين من الزمن، تم اقتراح العديد من خطط السلام، ولم يقبل الإسرائيليون أياً منها".
وتابع: "من الواضح اليوم أن الأحداث الجارية والكارثة الإنسانية تدفع أي دولة عاقلة إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد الممكن للأمن والسلام، وإنكار ذلك، من خلال محاولة تجاهل حقيقة أن هذا الشعب يحتاج إلى سيادته واستقلاله، لم يعد ممكنا".
ولفت إلى أن هذا الحل بات ضروريا حتى بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأكثر من أي وقت مضى، "إذ أصبح من الواضح على نحو متزايد أنه لن يكون هناك سلام وأمن أبداً ما دامت الأراضي محتلة، وما دام المستوطنون المتطرفون يتصرفون بهذه الطريقة".
وردا على اتهامات بأن قطر تمويل "حماس"، قال بن عبدالرحمن: "يتعلق الأمر بتمويل غزة وليس حماس، ويتكون اتفاقنا مع الإسرائيليين من دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في غزة، ودفع الإعانات للعائلات التي تعيش تحت خط الفقر، والتي تتلقى منا تبرعًا بقيمة 100 دولار لكل أسرة شهريًا، وشراء المواد الهيدروكربونية من الإسرائيليين لتشغيل الكهرباء في القطاع".
وتابع: "تم تطبيق هذه الاتفاقية منذ 8 سنوات، ولسوء الحظ، فقد تم إساءة استخدامها دائمًا في وسائل الإعلام، حيث قدمها البعض على أنها تمويل لحركة (حماس)، ولم يكن هذا هو الحال أبدا".
وزاد: "لقد كان كل شيء شفافًا وقانونيًا للغاية، وتم التنسيق معه مع الأمم المتحدة والحكومة الإسرائيلية بالشراكة مع الولايات المتحدة".
وكشف بن عبدالرحمن، أن الحكومة الإسرائيلية طلبت قبل أيام قليلة من 7 أكتوبر/تشرين الأول من قطر مواصلة الدفع، وقال: "لكننا أوضحنا أنه لا يمكننا تجديد نظام أجور الخدمة المدنية دون إيجاد حل، أولها دعم الوحدة الفلسطينية، وهو ما أعتقد أن الإسرائيليين لم يكونوا حريصين على تحقيقه".
أما ثاني مطالب قطر، وفق الوزير، فهو تحقيق الاستقرار في غزة، وتزويدها بشريان حياة حقيقي من أجل التأكد من أنه لن تكون هناك هجمات من غزة يمكن أن تهدد بقاء هذه المنطقة.
ووتابع: "لسوء الحظ، لم يكن الإسرائيليون مستعدين للمشاركة في مثل هذه الصفقة أو دعمها، ويبدو لنا أن ذلك لم يخدم مصالحهم في ذلك الوقت".
وحذر وزير الخارجية القطري، من أن تمتد الحرب في غزة في حال استمرارها إلى كامل المنطقة، وقال إنها مخاطرة، وكلما طال أمد الحرب، زاد خطر انتشار الصراع.
ورفض فكرة أن تكون قطر تستخدم العصا والجزرة في وساطتها أو مفاوضاتها للسلام، وقال: "ما يهم هو الثقة التي بنيناها مع كلا الطرفين".
وأضاف: "على الرغم من أننا نختلف مع سياسات الحكومة الإسرائيلية، إلا أنني أعتقد أن لدينا علاقة عمل جيدة معهم، على أساس الالتزام المتبادل المستمر بتوفير السلامة والأمن في نهاية المطاف".
وتابع: "في الوقت نفسه، مع حماس، عندما نتحدث عن شيء ما، فإننا صادقون في كلامنا، ونحاول الحصول على النتائج من خلال بناء الثقة.. فنحن لسنا قوة عظمى يمكنها استخدام العصا والجزرة".
واختتم بن عبدالرحمن حديثه بالقول إن "قطر هي منصة للسلام وللمحادثات وللتواصل وللحوار بين الأطراف، وهذا لا يعني تأييدنا لأي من الطرفين، وفي نهاية المطاف، مهما كانت الاتصالات المطلوبة، فإننا سنقيمها لإحلال السلام".