صحيفة “فايننشال تايمز”-
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً أعدّته كلوي كورنيش وأندرو إنغلاند وإيان ليفنغستون جاء فيه أن العلاقات التجارية بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تعرّضت لامتحان بسبب الحرب في غزة، ولكن بقدر. ففي الأيام التي تلت هجوم “حماس”، في تشرين الأول/أكتوبر، غادر رجل الأعمال الإسرائيلي رون دانيال دبي، التي اتخذها مقراً له، منذ عام 2021، لخوفه من أنه يجلس على بركان هناك. وهو مدير شركة إدارة أرصدة وتكنولوجيا مالية اسمها “ليكويتدتي غروب”، ولكنه عاد بعد شهر لاعتقاده أن مظاهر القلق “في خياله فقط”.
ويعتبر دانيال واحداً من مجموعة رجال أعمال صغيرة تعيش وتعمل في الإمارات العربية المتحدة، منذ تطبيع العلاقات قبل أربعة أعوام. ويعكس قراره الآمال بين رجال الأعمال الإسرائيليين بأن عملية التطبيع، التي رعتها الولايات المتحدة بين الإمارات وثلاث دول عربية أخرى، يمكن أن تصمد أمام الغضب والفزع الذي خلقته إسرائيل في غزة. وقال دانيال: “نجا السلام، والمصلحة نجت، والصداقة نجت”، مع أن العلاقة كانت “محرجة” في البداية مع “الأصدقاء الإماراتيين”، و”بسرعة، بدا الأمر مثل: لا علاقة للأمر بنا”.
وتقول الصحيفة إن الإمارات، مثل جميع الدول العربية الأخرى، شجبت الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي لغزة، والذي أثار غضب الإماراتيين وجزءاً كبيراً من غالبية السكان المغتربين في البلد. لكن الغضب والأذى تم احتواؤه إلى حد كبير في المحادثات الخاصة في الدولة الاستبدادية، حيث تحظر الاحتجاجات.
وقد أدى ذلك إلى غياب المظاهرات الكبيرة لدعم الفلسطينيين التي شوهدت في جميع أنحاء المنطقة وأجزاء أخرى من العالم. كما حذرت السلطات من إظهار التضامن الفلسطيني بشكل علني.
وقد أعلن قادة الإمارات التزامهم بالاتفاق مع إسرائيل، المعروف باسم اتفاقيات أبراهام، على الرغم من مخاوفهم بشأن الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وقال أنور قرقاش، مستشار الرئيس للشؤون الخارجية، في مؤتمر عقد في دبي الشهر الماضي: “لقد اتخذت الإمارات قراراً إستراتيجياً، والقرارات الإستراتيجية طويلة المدى”.
ولطالما كانت الإمارات غير راضية عن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة. لكنها تعتبر قرارها بأن تصبح ثالث دولة عربية تطبع العلاقات مع إسرائيل أمراً حيوياً لمصالحها، سواء على مستوى الأمن أو طموحاتها الاقتصادية.
وقال عبد الخالق عبد الله، المحلل الإماراتي، إن الإمارات بحاجة إلى إبقاء قنوات “الاتصالات والاستخبارات والدبلوماسية” مفتوحة، ومعرفة ما إذا كان “يمكنها استخدامها”، مضيفاً: “كنا نعلم أنه سيكون هناك صعود وهبوط”.
وعلى عكس “السلام البارد” الذي اتفقت عليه مصر والأردن مع إسرائيل، احتضنت الإمارات– التي لم تخض حرباً مع الدولة اليهودية أبداً– العلاقة، ودفعت من أجل علاقات اقتصادية أكبر، مع رغبة خاصة في الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية. ومع مشاركة الإمارات وإسرائيل عدواً يتمثّل بإيران، يمكن لأبو ظبي الاتفاق على تطوير تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني بشكل علني.
وتعلق الصحيفة بأن معظم الأعمال الجديدة التي أعقبت التطبيع جرت مع كيانات تابعة للدولة الإماراتية، خاصة تلك الموجودة في أبو ظبي، العاصمة الغنية بالنفط التي قادت صفقة التطبيع.
وحتى قبل الحرب، كان استغلال المكاتب العائلية الخاصة في الإمارات أصعب مما كان متوقعاً بالنسبة لرواد الأعمال الإسرائيليين، الذين أرادوا استخدام اتفاقيات أبراهام للحصول على موطئ قدم إقليمي والوصول إلى المستثمرين الخليجيين الأثرياء.
وقال إيلي وورتمان، المؤسس المشارك لشركة بيكو فينشر بارتنرز ومقرها القدس، إن هناك فكرة مفادها أن “رجال الأعمال الإسرائيليين سيأتون ويجمعون الكثير من رأس المال ثم يعودون”. لكن “هذه ليست الطريقة التي تتم بها الأعمال هناك”.
لقد أدت الحرب بين إسرائيل و”حماس” الآن إلى تثبيط الآفاق الناشئة للشركات الإماراتية الخاصة التي تعقد صفقات مع شركات إسرائيلية، بسبب الغضب المتصاعد بين عائلات التجار، الذين كان الكثير منهم أصلاً حذراً من التعامل مع الإسرائيليين، بسبب الدمار في غزة.
وقال مسؤول تنفيذي إماراتي: “سواء كان الأمر يتعلق بالعمل أو بالاجتماعيات، فإن كل من هو هنا سوف يفكر مرتين”. وأضاف: “إذا كان لدي عمل مع شركة إسرائيلية، فسوف أوقف ذلك الآن. العواطف ملتهبة جداً”.
وشملت الصفقات الأكثر أهمية شركات تابعة لحكومة أبوظبي. وكانت شركة جي42، شركة الذكاء الاصطناعي في أبو ظبي، والتي يرأسها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي الإماراتي القوي، أول شركة إماراتية تفتتح مكتباً في إسرائيل. واستثمر صندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي مليار دولار في حقل غاز إسرائيلي و100 مليون دولار في رأس مال استثماري وشركات ناشئة إسرائيلية.
وحتى لو تباطأت بعض الأعمال، فهناك دلائل على أنها تمضي قدماً في مجالات أخرى.
قالت الباحثة البارزة المقيمة في إسرائيل يويل ماريك، الشهر الماضي، إنها تمضي قدماً في افتتاح فرع حيفا لمعهد الابتكار التكنولوجي في أبو ظبي، المشهور بنموذجه اللغوي الكبير مفتوح المصدر (فالكون). قال معهد دراسات الترجمة إنه أسس وجوده في إسرائيل في أوائل العام الماضي، وأن ماريك “تقوم بمساعدتنا في التوظيف منذ أواخر صيف عام 2023” – قبل بداية الحرب – وتم “تضمينها” الآن.
وواصلت شركات الطيران التابعة للدولة الخليجية خدماتها إلى تل أبيب، حتى مع إلغاء شركات الطيران الأخرى رحلاتها، مما يؤكد الاهتمام بالحفاظ على العلاقة مع إسرائيل.
بالنسبة للعديد من الإسرائيليين الذين يقومون بأعمال تجارية في الإمارات، أدت الحرب بين إسرائيل و”حماس” إلى زيادة الحاجة إلى الأصدقاء في منطقة معادية.
وقالت نوا غاستفروند، المؤسسة المشاركة لمنتدى الأعمال الإسرائيلي الإماراتي يو إي إي- إل تيك زون: “منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ربما لم تعد الاتفاقيات الإبراهيمية في مرحلة شهر العسل، لكنها لا تزال مستقبلنا”. تم تغيير اسم المجموعة لتصبح ببساطة تيك زون: “في ضوء الحساسيات والحاجة إلى تعاون إقليمي أوسع”.
وقال أريك شتيلمان، الرئيس التنفيذي لشركة رابيد للتكنولوجيا المالية التي تأسست في إسرائيل، والتي يعمل بها حوالي 100 موظف في الإمارات، إن تأثير الحرب على شركته “غير موجود بالمعنى الحرفي للكلمة”. وقال: “كل شيء يسير كالمعتاد” في دولة الإمارات، مضيفاً أن هناك تغيراً أكبر في أوروبا حيث أصبح التعاقد مع عملاء جدد أكثر صعوبة.
وتجاوز التدفق الثنائي للسلع بين إسرائيل والإمارات، باستثناء البرمجيات، ملياري دولار، في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى آب/ أغسطس 2023، وفقاً لسفير إسرائيل في أبو ظبي. ودخلت اتفاقية الشراكة الإماراتية الإسرائيلية حيّز التنفيذ، العام الماضي، حيث خفضت التعريفات الجمركية وتهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار في غضون خمس سنوات.
وقال وورتمان من شركة بيكو فينتشر بارتنر إن أحد الجوانب الحاسمة هو أن الإسرائيليين ما زالوا يشعرون بالترحيب في الدولة الخليجية. وقال: “إنها واحدة من أكثر الأماكن أماناً في العالم اليوم لتكون إسرائيلياً”.