أحمد خلفا / مودرن دبلوماسي - ترجمة الخليج الجديد-
لماذا تريد السعودية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟.. يرى تحليل نشره موقع "مودرن دبلوماسي" أن الأمر في حد ذاته ليس غاية للمملكة، كما يزعم البعض، لكنه مجرد وسيلة، والسبب أكبر من مجرد امتيازات أمنية أمريكية وحشد دعم واشنطن وتل أبيب في مواجهة طهران.
الأمر أكبر من ذلك بكثير، كما يقول التحليل، حيث أصبح من المفهوم أن النخبة الحاكمة في السعودية باتت تسعى الآن بشكل أكثر قوة إلى حل نهائي للأزمة الفلسطينية لإغلاق الباب نهائياً أمام جميع اللاعبين الإقليميين، وخاصة إيران وحلفائها في المنطقة، الذين تنظر إليهم الرياض، باعتبارها تستخدم الخطاب الفلسطيني لكسب النفوذ في المجتمعات العربية وإضفاء الشرعية على سياساتها التوسعية الخارجية في المنطقة.
زعامة المنطقة
هذه المعادلة تعني أن القضية الفلسطينية تحولت إلى محور أساسي ورئيسي في استراتيجية السعودية لزعامة المنطقة، وهي استراتيجية متجذرة في الرياض منذ وقت طويل، ولأجلها دخلت المملكة في تنافس محموم مع النظام الناصري في مصر، والذي استخدم القضية الفلسطينية كرافعة لخلق نفوذ وزعامة للقاهرة، وكذلك النظام الإيراني الذي حول القضية الفلسطينية من عربية إلى إسلامية، وهو نفس ما فعلته السعودية قديما، للمفارقة.
باختصار، كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل دائمًا تحديًا للاستقرار الداخلي للمملكة العربية السعودية وموقعها الإقليمي. ومن مصر عبد الناصر إلى إيران الثورية، تم استخدام خطاب التحرير الفلسطيني بشكل فعال من قبل منافسي المملكة العربية السعودية لإضفاء الشرعية على سياساتهم في المنطقة.
استراتيجية السعودية
يدرك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للسعودية، أنه إذا قامت المملكة، باعتبارها خادمة الحرمين الشريفين في الإسلام والزعيم الفعلي الحالي للدول العربية، بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وسوف تحذو حذوها غالبية الدول العربية والإسلامية.
ومن هنا، فإن السعودية هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تزود إسرائيل بشرعية لا تقبل التحدي في نظام الشرق الأوسط، بحسب التحليل.
لذلك، فمن المنطقي أن ترفع النخب السعودية المعايير العالية وتطلب من الولايات المتحدة ضمانات أمنية ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني كتنازلات أمريكية، لكن لا ينبغي أن يُنظر إلى هذا على أنه العامل الوحيد أو حتى الأكثر أهمية وراء السعودية.
وبشكل عام، لم تنظر السعودية قط إلى إسرائيل باعتبارها تهديدًا وجوديًا لبقائها، وبدلاً من ذلك، كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو الشغل الشاغل للنخب السعودية بسبب استخدامه من القوى الإقليمية المنافسة لكسب النفوذ وفرض الهيمنة، كما يقول التحليل.
وفي هذا السياق، سعت النخب السعودية جاهدة لإيجاد حل دبلوماسي وسلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بهدف التقليل من جهود الأنظمة الشرق أوسطية التعديلية في المنطقة، وخاصة إيران منذ التسعينيات، لاستغلال القضية الفلسطينية للتسلل إلى الدول العربية.
محاولات سابقة
منذ عام 1981، كانت النخب السعودية حريصة على متابعة مبادرة السلام للقضية الفلسطينية. وأعلن ولي العهد آنذاك الأمير فهد مبادرة سلام من ثماني نقاط، لكن لم يعيرها الإسرائيليون الكثير من الاهتمام، ولا كان زعيم "فتح"، ياسر عرفات متعاوناً مع السعوديين.
وقد سئمت النخب السعودية حرص اللاعبين الذين لا يتمتعون بالوضع الراهن في المنطقة على استغلال المظالم الفلسطينية لملاحقة مصالحهم. السياسات الرجعية.
وبالفعل، وصف الملك فهد، في محادثة مع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جيمس بيكر، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأنه جوهر كل المشاكل في المنطقة ووعد بأن السعودية سوف تقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل إذا أعطت الأخيرة الفلسطينيين وطن.
وفي ظل هذه الظروف، مارست السعودية ضغوطاً كبيرة على إدارة بوش الأب وإدارة كلينتون للتوسط في حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مبادرة السلام 2002
وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، تبنت النخب السعودية، التي خابت آمالها من إدارة بوش والفلسطينيين، استراتيجية جديدة.
وفي عام 2002، عندما أدركت السعودية عدم رغبة بوش و/أو عدم قدرته على تحقيق انفراجة، أعلنت خطة السلام السعودية وضغطت على الدول العربية للتصديق على الخطة في جامعة الدول العربية، والتي أطلق عليها اسم خطة السلام العربية.
ويقول التحليل إن ولي العهد السعودي، آنذاك، والزعيم الفعلي للمملكة، عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، أراد أن يجعل الدول العربية تقدم جزرة لإسرائيل من خلال الوعد بأن تلك الدول العربية ستقوم بتطبيع علاقاتها مع الإسرائيليين إذا أعطت الأخيرة الفلسطينيين حقوقهم في دولة مستقلة.
التعامل الأكثر مباشرة
ومع مجيء الملك سلمان وابنه، الزعيم الفعلي محمد بن سلمان، تنتهج المملكة العربية السعودية استراتيجية مختلفة أخرى، يقول التحليل، حيث أصبحت الرياض أكثر استعدادًا للتعامل مباشرة مع إسرائيل إذا قدمت الأخيرة تنازلات للفلسطينيين وأنهت الصراع المستمر منذ عقود بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويرى التحليل أن تطبيع الإمارات والبحرين كانا في الواقع رافعة لمحاولة التطبيع السعودي، والذي كان في طريقه للتخلي – نسبيا – عن ربط التطبيع بحدوث تقدم كبير في القضية الفلسطينية، وبدأ الحراك السعودي نحو تل أبيب ينتقل إلى العلن.
هجوم "حماس" بعثر الأوراق
لكن هجوم "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلط كل الأوراق، يقول التحليل، لذلك كان مفهوما أن تنتقد السعودية "حماس" بشدة بسبب ما حدث.
وهاجم الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية لأكثر من ثلاثة عقود، "حماس" في 23 أكتوبر/تشرين الأول، وقال إنه عندما كانت المملكة العربية السعودية على وشك إيجاد حل دبلوماسي للأزمة الفلسطينية، أرادت "حماس" ببساطة إجهاضه.
لكن المذبحة الإسرائيلية بحق أهل غزة جعلت النخب السعودية غير قادرة على المضي قدما نحو التطبيع مع تل أبيب.
لكن ما حدث مثل فرصة أخرى للرياض نحو تجديد عرضها للتطبيع مقابل وقف إطلاق نار في غزة ودولة فلسطينية.