نيويورك تايمز-
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فيفيان نيريم، قالت فيه إن الإمارات حافظت على علاقاتها مع إسرائيل طوال الحرب على غزة، وسط توتر في العلاقات مع بقية الدول العربية، مع أن اتفاقيات التطبيع المعروفة باتفاقيات إبراهيم، والتي وقّعتها أبو ظبي إلى جانب دول عربية أخرى برعاية أمريكية، تتعرض لضغوط بسبب زيادة الغضب من إسرائيل.
وأشارت الكاتبة إلى أن الكثير من الإماراتيين كانوا قبل عدة سنوات، مستعدين للحديث بحرارة عن العلاقات التي يقيمها بلدهم مع إسرائيل، حيث أدت اتفاقيات التطبيع إلى استثمارات متبادلة بين البلدين، والتقطت صورة لامرأتين إماراتية وإسرائيلية من على ناطحة سحاب يدا بيد، وتوقع المسؤولون الأمريكيون والإماراتيون والإسرائيليون توسع قائمة الدول التي ستنضم إلى التطبيع.
وبعد أكثر من خمسة أشهر على القصف الإسرائيلي لغزة، فإن الغضب في المنطقة يتزايد، وبات من الصعب العثور على مشجعين وداعمين لاتفاقيات إبراهيم في الإمارات. وأشارت الصحيفة إلى رجل أعمال إماراتي طالما تحدث عن أهمية العلاقات الاقتصادية، لكنه قرر الاستقالة من المجلس التجاري الإماراتي- الإسرائيلي وليس لديه ما يقوله.
وهناك البعض الذي عبّروا عن إحباطهم من التطبيع، لكنهم يخشون الحديث بسبب النظام الديكتاتوري في الإمارات المعروف باعتقاله النقاد.
وعبّر شخص واحد عن نقده لإسرائيل، وهو نائب رئيس شرطة دبي، حيث كتب على الإنترنت أن العرب “بحثوا وبإخلاص عن السلام” إلا أن إسرائيل “أثبتت أن نواياها شريرة”.
ورغم هذه المواقف، إلا أنه لا الإمارات ولا إسرائيل ستتراجع عن اتفاق التطبيع، فهو شريان حياة بالنسبة لإسرائيل التي تدهورت علاقاتها مع بقية الدول العربية. كما أن الاتفاق جلب للإمارات مليارات الدولارات على شكل استثمارات وعلاقات عامة إيجابية في الدول الغربية.
إلا أن المسار الحالي لا يبشر بخير لاتفاقيات إبراهيم، أو الأمن في الشرق الأوسط، كما يقول محمد بحرون، مدير مركز بحوث في دبي: “هذه شراكة” و”عندما لا يقوم طرف بدوره في الشراكة، فلا تعتبر شراكة”.
وزادت حدة الغضب ضد إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة في عموم المنطقة، بسبب الحرب في غزة، والتي قتلت حتى الآن أكثر من 30,000 فلسطيني، وتركت أكثر من مليوني نسمة يواجهون الجوع والتشريد.
ودفعت الحرب دولا عربية لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، فقد استدعى الأردن سفيره في تل أبيب، فيما حذر المسؤولون المصريون من أن أية محاولة إسرائيلية لدفع سكان غزة باتجاه سيناء، ستدفعهم لإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد. ولم يعد السفراء الإسرائيليون في البحرين ومصر والمغرب إلى سفاراتهم منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي ظل البرود الدبلوماسي، باتت سفارة إسرائيل وقنصليتها في الإمارات، هما البعثتان الدبلوماسيتان الفاعلتان للدولة العبرية في العالم العربي.
وفي الوقت الذي علقت فيه بعض الحكومات العربية خطوط الطيران المباشرة إلى إسرائيل، واصلت شركة طيران الإمارات السفر إلى تل أبيب، مما جعلها الجهة الوحيدة للسفر المباشر إلى الدولة العبرية. ولم يعبر المسؤولون الإماراتيون، وبرغم الضغوط، عن أية نية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
وفي بيان مكتوب لصحيفة “نيويورك تايمز”، أكدت الحكومة الإماراتية على الكيفية التي استخدم فيها المسؤولون علاقاتهم مع إسرائيل لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ونقل الجرحى والمحتاجين للعناية الطبية إلى الإمارات. وجاء في بيان الحكومة: “تعتقد الإمارات أن الاتصالات الدبلوماسية والسياسية مهمة في الأوقات الصعبة كتلك التي نشهدها الآن”.
وكان وزير التجارة الإسرائيلي نير بركات، أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات في كانون الثاني/ يناير لحضور لقاء لمنظمة التجارة العالمية، وقال في مقابلة إنه “متفائل جدا” بعد لقائه المسؤولين الإماراتيين. وأضاف: “هناك بعض الحساسية مع استمرار الحرب” لكن “البلدين لديهما مصالح مشتركة، واتفاقيات إبراهيم هي استراتيجية لنا جميعا”.
وحتى في ظل وضع لم تعد فيه اتفاقيات إبراهيم على المحك، فإن مستقبل العلاقات غير واضح، بحسب مسؤولين إماراتيين وإسرائيليين. وتقول نوا غاسترفرند، المؤسسة المشاركة لشركة “تيك زون” والتي تربط رجال الأعمال الإسرائيليين والإماراتيين، إن المرحلة الرومانسية قد انتهت، ودخلت المرحلة الواقعية والتي لن تكون سهلة.
وبعد توقيع الاتفاقيات في عام 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنها “حجر أساس” في العلاقات مع الدول العربية، لكن الإمارات قدمت الاتفاقية على أنها محاولة لمنع إسرائيل من ضم أراض في الضفة الغربية.
وزار مئات آلاف الإسرائيليين دبي. وفي عام 2022، بلغ حجم التجارة بين البلدين 2.5 مليار دولار. وافتُتحت عدة مطاعم إسرائيلية في دبي، أحدها أطلق عليه “كافيه بيبي”وهو لقب نتنياهو. ولم يزر الأخير الإمارات رغم المحاولات المتعددة لترتيب زيارة له، فزيادة الاستيطان والحكومة المتطرفة التي يتزعمها، ومعاملتها للفلسطينيين، فتحت صدعا في العلاقات.
ولم يتوسع التطبيع ليشمل قطر وعُمان والسعودية التي تطالب بتنازلات كبيرة. ووصف المسؤول الإماراتي عبد الخالق عبد الله، العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية بأنها تمر في مرحلة صعبة. ووصف نائب مدير شرطة دبي ضاحي خلفان، العلاقة مع إسرائيل على منصات التواصل بأن “قادة إسرائيل لا يستحقون الاحترام”. وكتب في كانون الثاني/ يناير: “آمل أن يعيد القادة العرب التفكير في التعامل مع إسرائيل”. ورفض عدة إماراتيين الحديث مع الصحيفة عن حرب غزة أو العلاقة مع إسرائيل.
وحدث شاب في العشرينات من عمره، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، عن التنافر المعرفي بين حياته المريحة وسط ناطحات السحاب اللامعة والمقاهي الفارهة، في وقت تخرج فيه صور القتل والدمار من غزة. وقال إن العلاقة مع إسرائيل محبطة لأنه والكثير من الإماراتيين تربوا على التعامل مع الفلسطينيين كإخوة تجب حمايتهم. ويعتقد أن اتفاقيات إبراهيم كانت محاولة للتقرب من الغرب، وتركته بشعور أن قيم بلاده هي للبيع.
وبدأت مواقف الإماراتيين من الاتفاقيات بالتغير قبل الحرب، حيث أظهر استطلاع قام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أثرا سلبيا لاتفاقيات إبراهيم على المنطقة، بحسب المشاركين. ومنذ بداية الحرب، ركز المسؤولون الإماراتيون على الدعم والنقد الحاد لإسرائيل، كتصريحات مندوبة الإمارات في الأمم المتحدة لانا نسيبة أمام محكمة العدل الدولية، والتي شجبت فيها القصف الإسرائيلي العشوائي لغزة، إلى جانب الدعوة لوقف إطلاق النار.