(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
باتت دولة الإمارات العربية تشكّل لغزًا كبيرًا من حيث تعمّدها الاستفزاز وجدان الشعوب العربية والإسلامية، بما فيهم الشعب الإماراتي نفسه، بسبب سياساتها التي أضحت خطرًا كبيرًا على الأمن القومي العربي والخليجي والإماراتي نفسه.
بالرغم من النجاحات الاقتصادية الكبيرة التي تحققها الإمارات وامتلاكها لصندوقين سياديين من أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم، وفقًا لما نشرته SWF Institute في منشور تضمن تصنيفا لأكبر عشرة صناديق ثروة سيادية في العالم، وشمل التصنيف خمسة صناديق من دول عربية في الخليج، إلا أن التوظيف الاقتصادي للنجاحات الإماراتية لا يصبّ في الصالح العربي والأمن القومي للأمة.
لقد تزامن نشر تقريرين لافتين، أحدهما يخصّ الصناديق السيادية الدولية ودخول صندوقي دبي وأبو ظبي ضمن أكبر عشرة صناديق، وتقرير لصحيفة نيويورك تايمز يصف الإمارات بأنها أصبحت شريان حياة لـ"إسرائيل"!..
فقد قال تقرير المؤسسة المتخصصة في متابعة الصناديق السيادية SWF Institute ، أن أصول خمسة صناديق سيادية من أربع دول عربية بلغت نحو 3373 مليار دولار (3.373 تريليون دولار)، وأظهر التقرير أن الصناديق الخمسة تنتمي إلى السعودية وقطر والكويت والإمارات التي تمتلك صندوقين، هما صندوق دبي وصندوق أبو ظبي. هذا في ما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرًا عن دولة الإمارات على خلفية تحالفها التام مع "إسرائيل"، وذهبت إلى حدّ وصف أبو ظبي بأنها "شريان حياة" لتل أبيب في الوطن العربي، مع تزايد الغضب ضد الاحتلال بسبب العدوان المستمر على غزة.
اللافت هذه المرة أن التقرير تحدث، في مرات نادرة، عن الغضب الشعبي الإماراتي. إذ قالت الصحيفة إن الغضب يتزايد ضد الاحتلال الإسرائيلي بين المواطنين الإماراتيين، لكن قمع سلطات أبو ظبي يمنع ظهور الانتقادات. وأضافت أنه: "بينما يؤدي القصف الإسرائيلي على غزة منذ أشهر إلى تأجيج الغضب في جميع أنحاء المنطقة، أصبح من الصعب العثور على مؤيدين إماراتيين لاتفاقية التطبيع". ونقلت عن رجل أعمال إماراتي، كان قد روّج ذات مرة للعلاقات الاقتصادية مع "إسرائيل"، قوله إنه ترك مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي، وليس لديه أي شيء آخر ليقوله.
كما قال بعض الإماراتيين إنه على الرغم من إحباطهم من الاتفاقات، فإنهم يخشون التحدث علنًا، مستشهدين بتاريخ حكومتهم الاستبدادية في اعتقال المنتقدين. والمثير لاستفزاز المشاعر الشعبية بشكل أكبر، هو أن العديد من الدول التي سبقت الإمارات بعقود في التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، قد سعت للتنصل من ممارسات العدو وقلّصت من حجم العلاقات ولو على الجانب الشكلي، في رما لم تفعل الإمارات ذلك الأمر.
فمثلاً، استدعى الأردن سفيره في نوفمبر/تشرين الثاني، في حين حذر مسؤولون مصريون من أن أي عمل يؤدي إلى تدفق سكان غزة إلى مصر قد يعرض اتفاقية التطبيع للخطر. وقد قُلّص دبلوماسيي "إسرائيل"، في البحرين والمغرب ومصر، نسبيًا منذ بدء العدوان في 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي. ولكن؛ وبالمقارنة، فإنّ سفارة "إسرائيل" وقنصليتها في الإمارات بمثابة البعثة الدبلوماسية الوحيدة التي تعمل بكامل طاقتها في العالم العربي. كما أوقفت العديد من شركات الطيران الحكومية، في الدول المطبّعة رحلاتها، ما جعل الإمارات الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يمكن للناس فيها السفر مباشرة إلى "إسرائيل"، بحسب نيويورك تايمز.
في أواخر فبراير/شباط الماضي، أصبح وزير الاقتصاد الإسرائيلي "نير بركات" أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول لحضور اجتماع لمنظمة التجارة العالمية. وقال في مقابلة إنه: "متفائل للغاية" بعد لقائه مع المسؤولين الإماراتيين.
والأدهى والأمر من ذلك؛ أن التقارير العسكرية كشفت أنه، وبسرية تامة، وبعيدًا عن وسائل الإعلام، تنخرط دولة الإمارات في حملة أمريكية إسرائيلية مشتركة لحماية الشحن البحري لإسرائيل والتصدي لهجمات جماعة أنصار الله في اليمن. كما كشفت مصادر دبلوماسية عن بدء الولايات المتحدة وحلفائها، في تل أبيب وابوظبي، في نصب أنظمة دفاع جوي في خليج عدن في خطوة تشير إلى توجه لسحب البوارج الامريكية والبريطانية التي تتعرّض بصورة مستمرة لهجمات شبه يومية.
كما أفادت مصادر عسكرية يمنية بأن القوات الإماراتية والأمريكية أجرت تركيب منظومة دفاع جوي، من بينها باتريوت والقبة الحديدية للاحتلال، إضافة إلى أجهزة رادارات للإنذار المبكر. وبحسب المصادر، جرى تركيب تلك المنظومات في جزيرة عبد الكوري اليمنية القريبة من باب المندب. كما أفادت تقارير أخرى بتعارض سياسات الإمارات مع مصالح دول عربية أخرى، تبدو صديقة للإمارات مثل السعودية ومصر.
وحذرت دراسة صادرة عن مركز "صوفان" للدراسات الأمنية من أن استراتيجية مؤامرات الإمارات في دول شرق أفريقيا تتعارض مع دول عربية. وبحسب الدراسة عمدت الإمارات إلى استخدام مواردها المالية الوفيرة والتدريب المكثف والخبرة، التي اكتسبتها خلال عقود من الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، لمحاولة إبراز القوة في جميع أنحاء المنطقة. وأشارت إلى أن إحدى الساحات الرئيسة التي استهدفتها الإمارات هي القرن الأفريقي، وقد أدت بعض الجهود الإماراتية لتعزيز موقعها الاستراتيجي حول البحر الأحمر إلى خلق توترات، ليس فقط مع حليفتها الخليجية الرئيسة، المملكة العربية السعودية، والتي تقع على حدود تلك المياه، ولكن أيضًا مع حليف آخر، مصر التي لها مصالح اقتصادية وسياسية مباشرة ومادية في المنطقة.
في هذا السياق؛ يبرز سؤال حقيقي عن المستفيد من هذه السياسات الإماراتية التي تخطت طموحات الدولة الإماراتية في النمو الاقتصادي وامتلاك تأثير ونفوذ ودور عالمي، لنطاقات أخرى أصبحت ضارة بالأمن القومي العربي والخليجي، بل والإماراتي نفسه. إذ تقوم الإمارات برعاية الانفصاليين، في أكثر من دولة، وهو ما يعرضها للانتقام ويضع المصالح الإماراتية بالخارج في وضع الاستهداف. كما يضع الدولة الإماراتية نفسها وحدودها وموانئها في مهبّ الصراعات والجبهات الحربية عند تطور الصراعات ودخولها في الاشتباك المباشر.