متابعات
تبدو اللهجة المرتفعة قليلاً، التي اعتمدتها القمة العربية والإسلامية في الرياض في بيانها الختامي، وكذلك نبرة الخطباء، وبالأخص منهم المضيف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، محاولة للتغطية بالصوت العالي على عجز عربي تحوّل إلى إسلامي، عن مجرد إيصال غذاء إلى قطاع غزة، فضلاً عن إيقاف إبادة الفلسطينيين، أو تحقيق دولة لهم، كانت المطالبة بها المحور الأساسي للقمة. لكن القمة الثانية من نوعها التي تُعقد في السعودية منذ 7 أكتوبر، لا تخلو من وظيفة قد تكون مفيدة، إذ إنها تعبّر عن عدم قدرة من قد يسعى من هذه الدول، ولا سيما السعودية، إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على المضي في هذا المشروع، حتى بعد عودة دونالد ترامب الذي سيسعى من دون أدنى شك إلى تحقيق ذلك الهدف، الذي سينضم إلى الغايات التي لن تستطيع الحكومة اليمينية في إسرائيل تحقيقها، إلى جانب هدف هزيمة المقاومة.
مَن يسمع تعابير مثل العدوان الإسرائيلي أو الجرائم الإسرائيلية ترد على لسان ابن سلمان في خطابه، يتأكد من أن خلفية هذا الخطاب، في ظل انفلات العدوان الإسرائيلي من أي ضوابط، تكمن في كلام آخر نسبته صحيفة «بوليتيكو» في آب الماضي إلى ولي العهد، تخوّف فيه من مصير أنور السادات في حال تطبيع العلاقات مع العدو من دون تحقيق دولة فلسطينية. على أن تعقيد عملية التطبيع، لا يلغي استمرار الرهان عليها من قبل الدول نفسها، وإنما يعني تعميق مأزق هذه الدول التي لم تسعَ إلى البحث عن بدائل، ولا سيما منها تلك التي تقيم بالفعل علاقات مع العدو. تجلّى ذلك، أكثر ما يكون، في خطبة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي رفع لهجته في الحديث عن ما ترتكبه إسرائيل من مجازر في غزة ولبنان، ولكنه أنهى كلمته بأن خيارنا هو السلام. في المقابل، كان الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، أكثر انسجاماً مع نفسه، حين غاب عن القمة من الأساس، ولم يُرد أن يتفوه أو حتى يسمع بما يقوم بعكسه، بعدما ذهب بعيداً ليس في التطبيع فقط، وإنما في الرهان على إسرائيل.
لولا المقاومة وشعور الأنظمة بالتهديد من اتساع جمهورها، ما كانت القمة أصلاً
وإذا كان معظم قادة الدول المشاركة لا يخجلون من إظهار فضيحة عجزهم وتآمرهم أمام العالم، ويكفي للإشارة إلى تلك الفضيحة القول إن الإعلام الإسرائيلي لم يتناول القمة ولو بخبر، فإن الوظيفة الحقيقية للاجتماع تبقى محاولة زعماء العالم الإسلامي استلحاق أنفسهم، في ظل تزايد جمهور المقاومة بين شعوبهم، وتصاعد الغضب إزاء الإبادة التي ترتكبها. ولعل التعليق الإسرائيلي الوحيد على القمة جاء من الجاسوس إيدي كوهين، الذي لاحظ أن الوزير اللبناني الوحيد المرافق لرئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في القمة، هو عباس الحاج حسن، الذي قال عنه إنه «عنصر في حزب الله». وهذا يعني أنه لا يعير اهتماماً لسبعة وخمسين زعيم دولة تضم أكثر من مليار نسمة، وإنما فقط للمقاومة.
ولولا المقاومة وشعور الأنظمة بالتهديد من اتساع جمهورها، ما كانت القمة أصلاً، وما كان الزعماء مضطرين إلى عرض فضيحتهم أمام العالم. على أن أكثر من يشعر بهذا التهديد هو ملك الأردن، الذي تنتظره أيام صعبة، لا سيما في ضوء ما يُتَكهّن به من أن من بين جوائز ترامب لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، قد تكون الضفة الغربية التي يعني تهجير الفلسطينيين منها، تهديداً مباشراً له، وهو لم ينسَ بعد محاولة الإطاحة به من قبل حلفاء ترامب العرب والإسرائيليين. هكذا، وفي ظل المعركة بين إسرائيل والمقاومة، تجد الأنظمة نفسها بلا دور. وذلك أكثر ما تخشاه؛ إذ ثبت أن محاولة التعويض عن الدور المفقود بالترفيه أو بالرياضة، أو حتى بممارسة لعبتها المفضلة في اختراع الأعداء وإثارة الفتن، لا تؤدي إلى شيء في ظل مذبحة إسرائيلية.
مقابل كل ما سبق، ثمة شيء حقيقي عبّرت عنه القمة، هو أن الأنظمة أيضاً تكره اليمين المتطرّف الذي يهيمن على الحكومة في تل أبيب، ولا يقيم أي اعتبار لها، وليس مستعداً حتى للسماح بمساعداتها التي ينتظر بعضها منذ أشهر طويلة في مطار العريش، بالدخول إلى قطاع غزة، وبالتالي تخفيف بعض الحرج عنها. مع ذلك، تملك الأنظمة العربية والإسلامية الكثير من الأدوات التي يمكن أن تستخدمها لإيقاف الحرب. لكنها لا تفعل، خوفاً من الراعي الأميركي الذي تعتمد عليه كلياً. والسؤال المطروح اليوم: هل تستطيع استخدام بعض تلك الأدوات للدفاع عن وجودها؟