في 2025/02/03
العربي الجديد
حلّ اليوم السادس عشر من بدء تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار في غزّة بين إسرائيل وحركة حماس، دون أن يُتخذ قرار إسرائيلي بعد بإرسال وفد إلى محادثات المرحلة الثانية، بحسب ما تنصّ عليه المرحلة الأولى من الاتفاق؛ وبالتزامن، يزور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، العاصمة الأميركية واشنطن، اليوم الاثنين، ويتوقع أن يلتقي في وقت لاحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومع هذا، فإنّ عدم انطلاق مباحثات المرحلة الثانية حتّى الآن ليس مرده تنصل أحد الأطراف؛ إذ تكشّف أمس أن نتنياهو أجرى بعض التعديلات على قيادة وفد المفاوضات، مُعيّناً وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، على سُدة الوفد، محافظاً في الوقت ذاته على التراتبية التي كانت قائمة حتّى الآن في هيكلية الوفد المفاوض، المفترض أن يتولى البحث في الشؤون الأمنية وترتيباتها.
أمّا بالنسبة إلى التعديلات الجديدة فهدفها أن تأتي متسقة مع متطلبات المرحلة المقبلة؛ التي بات قُطر دائرتها أوسع بكثير من قطاع غزة؛ حيث سيتولى ديرمر الذي يُعد بمثابة "وزير خارجية خاص" متابعة مسألة "الصفقة الكُبرى" التي تُنسج حالياً في أروقة البيت الأبيض، وهي في المحصلة التوصل لاتفاق تطبيع علاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
وفي الإطار، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الاثنين، تقديرات تُعزز ما تكشف أمس بشأن هذه التعديلات، مؤكدة بقاء رئيسي "الموساد"، و"الشاباك"، دافيد برنياع، ورونين بار، ورئيس هيئة الأسرى والمفقودين الإسرائيلية، الجنرال نيتسان ألون، في هيكلية الوفد المفاوض، حتّى بعد دخول ديرمر على الخط. وبحسب الصحيفة فإنه بالنسبة لنتنياهو المفاوضات بشأن المرحلة الثانية تبدأ اليوم خلال لقاءاته في واشنطن مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف؛ حيث في مرحلة لاحقة من الأسبوع سيتحدث الأخير مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومسؤولين رفيعين مصريين، ليقود ويتكوف بنفسه مسار المفاوضات بشأن المرحلة الثانية.
ولئن ذكرت صحيفة هآرتس أمس ما مفاده بأن التغييرات التي يعتزم نتنياهو إحداثها في قيادة وفده المفاوض مردها إلى الضغوط الأميركية الممارسة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، بحيث تأتي متسقة مع متطلبات "الصفقة الكبرى" مع السعودية؛ لفتت "يديعوت أحرونوت" إلى أن نتنياهو تحدث مع برنياع وبار بشأن نيّتة إجراء التبديلات، ناقلةً عن مسؤولين سياسيين قولهم إن هذه التغييرات هدفها "إضعاف متعمد للمستوى المهني في المفاوضات لصالح المستوى السياسي المُقرّب من نتنياهو (ديرمر)".
وطبقاً للمسؤولين السياسيين أنفسهم، فإن "أسباب هذه التغييرات تكمن في احتمالية ربط أي صفقة إضافية بقطاع غزة بالتوصل لتسوية مع السعودية، ولكنها مرتبطة أيضاً برغبة نتنياهو في عرقلة المرحلة الثانية من الصفقة". أمّا دليل هؤلاء فهو أن بار وألون يُنظر إليهما في أوساط نتنياهو باعتبارهما "غير موثوقين لتحقيق مصالحه".
المفاوضات تبدأ في واشنطن
في جميع الأحوال، من المتوقع أن تتمسك إسرائيل بثلاثة مطالب في المرحلة الثانية، وفق "يديعوت أحرنوت"؛ وأولها: نفي قيادة حماس؛ وثانيها: نزع سلاح قطاع غزّة؛ وثالثها: إطلاق سراح جميع المحتجزين. وبحسب الصحيفة، فإن التقديرات بشأن موافقة حماس على ما تقدم "ضعيفة"، ولذلك "لا تفاؤل بشأن إتمام الصفقة". مع ذلك، "ثمة احتمال أن يوافق القيادي في حماس، محمد السنوار، على صفقة مؤقتة يُطلق فيها سراح المزيد من الأسرى من الجانبين".
كل ما سبق، يأتي بينما من المفترض أن تنتهي المرحلة الأولى من الصفقة، في 1 مارس/ آذار المقبل، حيث تتم المرحلة 42 يوماً، وبحسب الشروط التي اُتفق عليها فإنه في اليوم الـ50 للاتفاق، على إسرائيل الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفي). لكن، بحسب الصحيفة، "لا يبدو أن ثمة نيّة (إسرائيلية) بذلك دون توافق على إتمام الصفقة".
ولئن أقرّ رئيس الوزراء القطري أمس بأنه لا يوجد حالياً "تفاصيل واضحة" بشأن موعد المحادثات حول المرحلة الثانية وكيفية انطلاقها، شدد على أمله في أن "نشهد تحركاً" في الأيام القريبة، فإنه بالنسبة لنتنياهو، كما تشير الصحيفة، "المفاوضات تبدأ في واشنطن وليس في قطر؛ إذ يتوقع أن يناقش في لقاءاته مواقف إسرائيل بشأن مواصلة الاتفاق".
وعلى الرغم من أن تأخير مدّته يوما أو يومين للشروع في مفاوضات المرحلة الثانية قد لا يكون مفصلياً إلى هذا الحد، فإن المرحلة الثالثة أساساً من هذا الاتفاق هي المشكلة الكُبرى. والسبب في ذلك، هو الرغبة الأميركية في تأخير عملية إعادة الإعمار، والضغط على سكان قطاع غزة لتهجيرهم إلى مصر والأردن. وكما هو واضح، فإن المرحلة الثانية لن تخرج إلى حيّز التنفيذ طالما لا يوجد توافق فعلي على المرحلة الثالثة، والتي ستتضمن تبادل الجثامين، وإنهاء الحرب وإعادة إعمار القطاع.
سفن نتنياهو ورياح ترامب
على الرغم من كل الربط الجاري ما بين التوصل لاتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل وإنهاء الحرب في قطاع غزة، لفتت "يديعوت أحرنوت" إلى أن نتنياهو سيناقش في لقاءاته مع الرئيس الأميركي ليس تفاصيل الصفقة ذاتها، وإنما كل ما يحيطها، بضمن ذلك "معالجة التهديد الإيراني"، و"الاتفاق مع السعودية".
ووفق الصحيفة، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل على حدٍ سواء تدركان أن السعودية لن تحضر طاولة المفاوضات ما لم تتوقف الحرب في القطاع ويُعلن على هامش ذلك التوافق على "أفق سياسي للفلسطينيين"، فيما لا يُعرف حتى الآن ماذا سيُطلب من إسرائيل عموماً، ورئيس حكومتها خصوصاً، بخصوص هذا الأفق وإن سيكون في المستوى الفعلي أو محض إعلان مارق.
وعلى خلفية ما تقدّم، لفتت الصحيفة إلى أن نتنياهو سيحاول إقناع ترامب بمعالجة "التهديد الإيراني" أولاً، وبعد ذلك التوصل إلى "اتفاق تاريخي في الشرق الأوسط". وفي حالة كهذه، سيدعي نتنياهو أن مساراً كهذا سيخدم أيضاً المصالح السعودية، ويمنح وقتاً لاتخاذ قرارات بشأن قطاع غزة دون ربط ذلك بجدول زمني مكتظ ومُلزم.
مع ذلك، فإن رياح ترامب ليس بالضرورة أن تأتي متسقه مع تلك التي تشتهيها سفن نتنياهو، فقد يُفضل ترامب، وفق الصحيفة، البدء مع السعودية، وهو ما سيضع نتنياهو أمام اختبار؛ إذ قد يقول الرئيس الأميركي أولاً وقبل كل شيء "أنهِ الحرب واستعد جميع المحتجزين. وإن لم تفعل ذلك فلا سعودية ولا إيران".
وعلى هذا الأساس إن لم يتمكن نتنياهو من إقناع ترامب؛ ويظل الأخير متمسكاً بإنهاء الحرب أولاً، "فإنه يكون بذلك قد حدد الموعد الفعلي لانتخابات الكنيست المبكرة في إسرائيل". على حدِ تعبير الصحيفة. وهنا، على ما يبدو، المفتاح الرئيسي لمواصلة المفاوضات. وهو ما يتصل عملياً بالأسئلة الكبرى: "هل يفضي انتهاء الحرب في قطاع غزة إلى اتفاق تاريخي مع السعودية؟ وهل سيقبل ائتلاف نتنياهو بمثل هذا الاتفاق الذي يتضمن أيضاً وعوداً رسمية للفلسطينيين؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فماذا سيفعل رئيس الوزراء؟".