في 2025/08/28
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
كما أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه في السياسة، أيضًا، ليس كل ما تتمناه الدول والكيانات والجماعات تدركه، وتصبح الأماني دوما رهينة الظروف الموضوعية والسعي الدؤوب والجدية الصارمة لتحقيقها، مثل أمنية التحرير، والتي تتطلب مقاومة وصمودًا ولا تدار عبر المناشدات والمداراة للمستعمر، وما يعرف بالمجتمع الدولي. وهو فكرة مزعومة مبتدعة لإسباغ الشرعية على الاستعمار والنهب.
على الجانب الآخر؛ أـمنيات الاستعمار بتوسيع هيمنته تدار عبر خطوات متدرجة، وتبدو مدروسة ومخططًا لها بعناية، مثل فكرة "إسرائيل الكبرى"، والتي بدأ الكيان الإسرائيلي بالإفصاح عنها علنا، في استغلال واضح لضعف المواقف الرسمية العربية وعدم اتساقها مع جرائم الإبادة وتخطيها لجميع الخطوط الحمر للأمن القومي العربي.
أن مفهوم "إسرائيل الكبرى"، والذي يشمل الأراضي الممتدة من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، ويتضمن أجزاء من الأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق، لا يستثني دول الخليج، حيث تشمل خرائطه دولا مثل الكويت والسعودية، وبعض خرائطه وتفسيراته تضم الإمارات وعمان، وتصل إلى اليمن.
خريطة "إسرائيل الكبرى" التي رفعها بنيامين نتنياهو علنا، تشمل كامل فلسطين التاريخية، ومساحتها 27 ألف و27 كيلومترا مربعا، ولبنان ومساحته 10 آلاف و452 كيلومترا مربعا، والأردن ومساحته 89 ألف و213 كيلومترا مربعا. وأكثر من 70 في المئة من مساحة سوريا البالغة 185 ألفا و180 كيلومترا مربعا، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفا و317 كيلومترا مربعا، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألف و690، وربع مساحة مصر البالغة نحو مليون كيلومتر مربع، وجزءًا من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفا و818 كيلومترا مربعا.
هذا يعني أن السعودية والكويت يمثلان تقاطعا للخرائط التي تشير علنا للمشروع. وفي التقاطعات كلها، السعودية تحديدا موجودة، وبشكل صريح أعلنها الوزير الصهيوني "سموتريتش". إذ إن سموتريتش، والذي هو مجرد عضو في الكنيست وزعيم لحزب "البيت اليهودي، يقول منذ العام 2016، إن: "حدود إسرائيل يجب أن تمتدّ لتشمل دمشق، إضافة إلى أراضي 6 دول عربية هي سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزء من مصر ومن السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل حتى الفرات".
هذا يدل على جدية المشروع بالنسبة إلى الصهاينة، وحزب الليكود قد طرح مشروع "إسرائيل الكبرى" منذ وصوله بزعامة مناحيم بيغن إلى السلطة في "إسرائيل" في العام 1977، وحوّله إلى برنامج سياسي بُني على أفكار وُلدت قبل ذلك بكثير، وتبعتها التغييرات باستخدام الاسم التوراتي للضفة الغربية والقدس "يهودا والسامرة" والترويج للاستيطان اليهودي. وهو ما يتسق مع ما كتبه مؤسسو الكيان. ولعل الأبرز والأوضح، هو ما كتبه ديفيد بن غوريون، في عامي1937 و1938، عن أن: "إقامة الدولة، حتى لو كانت على جزء بسيط فقط من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي ودفعة قوية لمساعينا التاريخية، سنحطم الحدود التي تفرض علينا، وليس بالضرورة عن طريق الحرب".
هذا الخطاب لا بد من تحليله، والوقوف عند القدرات الفعلية للوصول إلى شكل الخطر المحدق بالأمة العربية، وتحديدا الخليج، ويمكن باختصار رصد ملاحظتين رئيستين:
1. مشروع بهذا الحجم لا يتسق مع عدد الصهاينة ولا حجم الجيش الإسرائيلي، وهو ما يدل على أن الفكرة تعني الهيمنة والسيطرة على مفاصل الحكم في الدول المشار اليها، أي على شكل أقرب للولايات التي يديرها الصهاينة من بعد، ويحصّلون إيراداتها وأرباحها وتعمل كترس في منظومة لخدمة الكيان الإسرائيلي. وهذا التفسير يتسق مع ما كتبه بن غوريون عن "تحطيم الحدود ليس بالضرورة عن طريق الحرب".
2. مشروع كهذا يفوق قدرة "إسرائيل" على تنفيذه وحمايته، وهو ما يدل على أنه غطاء لهيمنة قوة عظمى تستطيع توفير الحماية العسكرية والقانونية، وهي الولايات المتحدة. أي إنه مشروع جيوسياسي وجيوستراتيجي وجيواقتصادي أمريكي بامتياز.
تاليًا، أميركا التي تتحدث عن ضرورة امتلاك غزة وتحويلها إلى "ريفيرا"، وتتحدث عن "منطقة ترامب الاقتصادية" في جنوب لبنان، وعن مشاريعه في سوريا، هي صاحبة المشروع الذي يتلاقى مع أشواق الإسرائيليين، إذ لا يعبأ بالمنطقة وأنظمتها مهما بدت ودودة مع أميركا، ومهما رفعت شعار أن علاقاتها مع أميركا هي علاقات استراتيجية.
إن تحقيق هذا المشروع، والذي بدأت الشواهد العملية تقول إنه محل التنفيذ العملي، لن يكتفي بالهيمنة الأمريكية المعتادة على الخليج والتحكّم بتسليحه وحمايته مقابل الابتزاز المالي وسلبه تريليونات الدولارات، قد يصل إلى احتلال فعلي لموارد الثروات والتحكّم بها، وربما في أحسن الأحوال إبقاء هياكل الأنظمة العربية وتوظيفها بصفة ولايات فيدرالية ونجوم جديدة في العلم الأمريكي.
كما مما لا شك فيه أن الطريقة الراهنة للتعاطي مع هذا الخطر المعلن عبر الإدانات أو الاستخفاف بالتهديد، تغري الأمريكي والإسرائيلي وتفتح شهيتهما للتقدم بخطوات أسرع لتنفيذ المشروع، خاصة وأن حصون الخليج غير منيعة وهي مهيئة للاختراق بفعل الارتهان الكامل لأميركا.
السؤال: هل حان الوقت للتعاطي الملائم مع هذا الخطر المحدق والمعلن بوقاحة، أم ستظل الدول الخليجية تعمل بقواعد الأرث السياسي الذي ينتمي إلى حقبات استراتيجية تقليدية فات زمانها، وانتقل الأعداء إلى حقبة زمنية أحدث؟ أم هل سيرتضي حكام الخليج بدور الولاة عند السلطان الأمريكي ومعه الإسرائيلي؟