علاقات » اسرائيلي

لماذا تعد أبوظبي المحطة الأهم لـ(إسرائيل) نحو تطبيع علاقاتها مع العرب؟

في 2016/01/15

ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

في نوفمبر/تشرين ثان الماضي، ذكرت صحيفة هآرتس العبرية إن (إسرائيل) تخطط لافتتاح بعثة غير تقليدية إلى حد ما في أبوظبي، وهو ما سيمثل أول تواجد دبلوماسي لـ(إسرائيل) في الإمارات العربية المتحدة. وترمز هذه الخطوة إلى التحول المستمر في المشهد السياسي في الشرق الأوسط. غصن الزيتون الممتد بين (إسرائيل) ودولة الإمارات العربية المتحدة يحدث في سياق جيوسياسي معقد، تعاني فيه التحالفات التقليدية العديد من التعقيدات، وتسعى العديد من الدول نحو استكشاف شراكات جديدة في حين ينقب مختلف الفاعلين حول الفرص المتولدة حديثا في المنطقة.

لم يفاجئ مثل هذا التقرير المحللين الذين كانوا يرصدون مبادرات تل أبيب مؤخرا إلى مجلس التعاون الخليجي. في عام 2009 أيدت (إسرائيل) مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا). في عام 2014، أعلنت وزارة البنية التحتية الإسرائيلية أنها تهدف إلى إقامة بعثة إسرائيلية دائمة لـ(إيرينا). هذا يرجع إلى اهتمام تل أبيب بتأسيس موطئ قدم لدبلوماسيتها في دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى الرغم من دعم أبوظبي الرسمي للدولة الفلسطينية ورفضها الاعتراف بالدولة اليهودية، فإن الإمارات العربية المتحدة و(إسرائيل) في الأعوام الأخيرة قد وجدا نفسيهما يملكان انحيازات متشابهة حول عدد من القضايا الإقليمية. مخاوفهما المشتركة تنبع عادة من توسع النفوذ الإيراني في العالم العربي وصعود الجماعات الأصولية السنية في المنطقة، وكذلك طريقة التعامل مع قبل إدارة «أوباما» مع هذه التطورات. وفي هذا السياق، ترى (إسرائيل) أن لها مصلحة في الانفتاح الدبلوماسي على دولة الإمارات العربية المتحدة.

ولكون البعثة مغلفة بمظلة (إيرينا)، فإن الإمارات العربية المتحدة لن تكون مضطرة إلى الاعتراف رسميا بـ(إسرائيل). وقد سارع المسؤولون في الإمارات إلى التأكيد على هذه النقطة. بعد فترة وجيزة، عادت الصحيفة الإسرائيلية لتأكيد افتتاح هذه البعثة، وقال مسؤول الاتصالات في وزارة الخارجية الإماراتية أن «أي اتفاق بين إيرينا وإسرائيل لا يمثل أي تغيير في موقف دولة الإمارات العربية المتحدة أو علاقاتها مع إسرائيل»، مؤكدا أن البعثات المعتمدة من خلال (إيرينا) مختصة بالشؤون المتعلقة بالاتصال والتعامل مع الوكالة. وأكد أنها، تحت أي ظرف من الظروف، لن تشمل أنشطة أخرى ولا تنطوي على أي التزام يخص الدولة المضيفة في علاقاتها الدبلوماسية.

الاهتمامات والتحديات المشتركة

بغض النظر عما سوف تؤدي إليه هذه المهمة الدبلوماسية على صعيد العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي و(إسرائيل)، فإن مجرد إنشائها يؤكد مدى التحول في المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. في عام 2013 أعلن «بنيامين نتنياهو» أمام الأمم المتحدة أن «مخاطر امتلاك إيران أسلحة نووية، وظهور تهديدات أخرى في منطقتنا، قد دفعت العديد من جيراننا العرب إلى الاعتراف أخيرا أن (إسرائيل) ليست عدوا لهم. وهذا يتيح لنا فرصة للتغلب على العداوات التاريخية وبناء علاقات جديدة، وصداقات جديدة وآمال جديدة. (إسرائيل) ترحب التعاطي مع العالم العربي الأوسع. ونأمل أن مصالحنا المشتركة والتحديات المشتركة سوف تساعدنا على بناء مستقبل أكثر سلاما».

حافظت (إسرائيل) ومشيخات الخليج العربي على العلاقات الاقتصادية كما تعاملوا سويا مع مبادرات دبلوماسية في الماضي. ويأتي افتتاح هذه المهمة في أبوظبي كخطوة هامة في تحسين العلاقات بين تل أبيب وأبو ظبي. وعلى الرغم من أن موقف دولة الإمارات العربية المتحدة غير المعترف بـ(إسرائيل)، والرأي العام في شبه الجزيرة العربية الذي لا يزال ثابتا على معاداته لها، يحجمان كثيرا من مدى قدرة دولة الإمارات على الانخراط مع الدبلوماسية الإسرائيلية قبل أن تحدث (إسرائيل) تغييرات جوهرية في سياستها الخارجية، فإن هناك على أرض الواقع من الأسباب المشتركة الكفيلة بالتوحيد ضمنيا بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي.

عبر الوضع في الاعتبار ذلك القول المأثور، عدو عدوي صديقي، فإن (إسرائيل) تمد يدها للدول العربية المعتدلة في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة، ليس فقط في المجالات الأمنية والسياسية، ولكن أيضا على المستوى الجيواستراتيجي الأوسع نطاقا. توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة ونمو الجماعات المتطرفة مثل «الدولة الإسلامية» قد دفعت مجموعة متنوعة من الدول في الشرق الأوسط الكبير إلى إعادة تقييم موقفها من (إسرائيل)، فضلا عن تحالفاتها.

العلاقات المعقدة

على الرغم من أن (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي لا يقيمون معا علاقات دبلوماسية كاملة، فقد حافظت دول الخليج العربية على علاقات رسمية مع الدولة اليهودية منذ عقود. أنشأت المملكة العربية السعودية و(إسرائيل) قنوات الاتصال الخلفية خلال فترة رئاسة الشيخ «كمال أدهم» لجهاز المخابرات العامة السعودية في الفترة بين عامي 1965 و1979.

في عام 1994 زار «إسحاق رابين» سلطنة عمان للقاء السلطان «قابوس»، قبل عام واحد فقط من قيام وزير الخارجية العماني «يوسف بن علوي» بزيارة القدس ولقاء «شيمون بيريز» بعد أيام من اغتيال «رابين». في عام 1996 وقعت (إسرائيل) اتفاقيات مع عمان وقطر لفتح مكاتب تجارية تمثيلية في كل من الدولتين. قامت كل من الدوحة ومسقط بإغلاق المكتبين في عامي 2000 و2009، على التوالي، ردا على أحداث متعلقة بالفلسطينيين.

في عام 2010، قام الموساد باغتيال القيادي في حركة حماس «محمود المبحوح» في فندق البستان روتانا في دبي وهو ما أثار استياء المسؤولين الإماراتيين. في الآونة الأخيرة، رغم ذلك، فإن المخاوف المشتركة لـ(إسرائيل) ودولة الإمارات العربية المتحدة بشأن العواقب الجيوسياسية للاتفاق النووي الإيراني يبدو أنها ساهمت في تهميش آثر عملية اغتيال «المبحوح» والمواقف المؤيدة للفلسطينيين في أبوظبي. في ضوء علاقات قطر المتنامية مع حماس (التي أغضبت المسؤولين الإسرائيليين) وتعميق الشراكة بين عمان وإيران، فقد اتضح أنه من بين جميع دول مجلس التعاون الخليجي، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، تتوفر فيها الإمكانية الكبرى لـ(إسرائيل) من أجل استغلال هذه الأرضيات المشتركة.

في نفس الوقت، فإن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة و(إسرائيل) قد نمت بشكل لافت. علاوة على ذلك، فإن الموقف المناهض للإسلاميين في الإمارات قد قاد الدولة الخليجية نحو التعامل مع كل من (إسرائيل) ومصر بهدف إضعاف حركة حماس. ووفقا للقناة الثانية الإسرائيلية، فإنه في عام 2014، التقى وزير الخارجية الإماراتي مع نظيره الإسرائيلي في فرنسا، وعرض تمويل الحرب التي شنتها (إسرائيل) على قطاع غزة. وقد نفى المسؤولون في دولة الإمارات العربية المتحدة وحركة حماس بإصرار دقة هذا التقرير.

وعندما شنت قوات التحالف التي تقودها السعودية العملية عاصفة الحزم في اليمن في مارس/أذار الماضي، فقد تلفت دول الخليجي العربي التأييد من قبل بعض السياسيين الإسرائيليين. مع كونها تحمل ذات التصور السعودي الإماراتي بشأن اعتبار حركة الحوثي في اليمن امتدادا للنفوذ الإيراني، لم يكن من المستغرب أن تحالف إسرائيل الضمني مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قد أصبح أكثر وضوحا حين تنظر الدول الثلاث إلى تهديد قادم من ميليشيا تلقت الأسلحة من إيران، وتنتهج لهجة خطابية معادية للسعودية ومعادية للصهيونية، تحاول إقامة دولة على حدود مضيق باب المندب الاستراتيجي.

لسنوات طويلة، لم يخف المسؤولون الأمريكيون رغبتهم في رؤية (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي يعترفون ببعضهم البعض. وفي عام 2002 قدم ولي العهد السعودي آنذاك الأمير «عبد الله» المبادرة العربية للسلام. ويهدف هذا المقترح إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، في مقابل «علاقات دبلوماسية وتجارية طبيعية وضمانات أمنية» لـ(إسرائيل) مع سائر الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية.

منذ وضع المغفور له الملك «عبد الله» إلى الأمام هذه المبادرة الشجاعة، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين قد صاروا أبعد ما يكون عن الحل السلمي. وقد وصف كثير من المحللين حل الدولتين في هذه المرحلة بأنه غير واقعي. وعلى الرغم من أنه، وتحديدا تحت قيادة «نتنياهو»، فليس هناك من سبب لتصور أن (إسرائيل) سوف تنهي احتلالها الذي دام قرابة نصف قرن تقريبا للأراضي الفلسطينية، فإنه يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تسأل نفسها ما إذا كان الحفاظ على احتلالها لـ22 في المائة من الأراضي الفلسطينية التاريخية يفوق الفوائد المحتملة لتطبيع العلاقات مع سائر الدول العربية. هذه ليست مسألة جديدة، بالطبع، ولكن يبدو أن المخاطر سوف تكون أكبر بكثير من ذي قبل بسبب تكلفة الفرصة البديلة التي تنطوي على احتمال عدم التوصل إلى أية حلول في هذه المنطقة.

في عام 1967، كان العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن سيطرتهم على ضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة قد تعمل كعازل فعال للدولة اليهودية ضد الجيوش العربية المجاورة. ومع ذلك، فإن الأيام التي كانت خلالها الأنظمة العربية تسعى إلى تدمير (إسرائيل) قد ولت. ويبدو أن الجهات الفاعلة غير الحكومية ذات الأيدولوجيات المتطرفة مثل «الدولة الإسلامية» والأفرع الإقليمية التابعة لها في مصر وليبيا هي منع التهديد طويل الأمد لـ (إسرائيل). المسؤولون في أبوظبي وعمان والقاهرة يتبنون ذات الرأي كما يبدون تفضيلهم لبقاء النظام البعثي في سوريا على السماح باستيلاء الجهادييت التكفيريين على دمشق.

صعود «الدولة الإسلامية»، وبعض الجماعات المتطرفة الأخرى، خلقت مجموعة كبيرة من المشاكل الخطيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكنها خلقت فرصا أيضا، والتي من الواضح أن كل من (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي قد صاروا يدركونها. ولذلك ينبغي على كل من (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من هذه الفرص من خلال انتهاج سياسات تتجاوز العداء التاريخي، وعبر خلق بيئة مواتية لتحقيق مصالح هذه الدول السبع على المدى الطويل. من الممكن أن افتتاح بعثة دبلوماسية لـ(إسرائيل) في أبو ظبي سوف يولد النظر بجدية في تطبيع العلاقات بين (إسرائيل) وجميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية. دولة الإمارات العربية المتحدة هي خيار ممتاز لهذه البداية.