الخليج أونلاين-
يواجه اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر دعوى قضائية في المحاكم الأمريكية رفعها المحامي الأمريكي كيفن كارول، اتهمه فيها بارتكاب جرائم حرب في ليبيا.
وقال المحامي كارول، في تصريح صحفي الاثنين (24 فبراير 2020)، إنه ترافع عن موكليه الذين تعرضوا للتعذيب في ليبيا وقتل أفراد من أسرهم، مضيفاً أنه (حفتر) سيدفع ثمن الجرائم التي ارتكبها، وأكد أن اللواء الليبي المتمرد مواطن أمريكي أيضاً وله هو ورجاله ممتلكات في الولايات المتحدة، وسيدفعون ثمن أفعالهم، ويحاكمون أمام القضاء الأمريكي.
وأضاف أن أحد موكليه مواطن أمريكي من أصل ليبي، حاول حماية منزله أثناء الحرب على طرابلس، لكنه أصيب بجروح من جراء استهداف منزله بالقذائف، كما تعرض للاعتقال والضرب بالخراطيم والكابلات واللكمات، والصعق الكهربائي عدة ساعات في سجون حفتر.
وأشار كارول إلى أن تصرفات حفتر تمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، وهو المسؤول الأول عن الجرائم، وسيواجه ثمن أفعاله أمام القضاء، خاصةً أنه ليس رئيساً لدولة ولا يمتلك حصانة، ويجب عليه العودة إلى فرجينيا لمواجهة الاتهامات أمام المحكمة.
وكشف عن امتلاك قائد مليشيات الكرامة 17 عقاراً مسجلاً في الولايات المتحدة، وفي حال لم يواجه الاتهامات فإن القضية ستطول ممتلكاته، وأشار إلى وجود منزل وأماكن عمل بين تلك الأملاك.
وهذه ليست الدعوى الأولى التي ترفع على حفتر على خلفية جرائمه في ليبيا؛ بل سبقتها دعويان في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي الأشهر الماضية رفعت 6 عائلات ليبية دعاوى لدى المحكمة الفيدرالية في واشنطن ضد حفتر والإمارات بتهمة ارتكاب جرائم حرب وانتهاك حقوق الإنسان، وطالبت العائلات بتعويض مالي تصل قيمته إلى مليار دولار.
الإمارات تسببت في تدمير ليبيا
حفتر ليس المتورط الوحيد في حرب طرابلس، إذ دعت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق، في 29 يناير الماضي، البعثة الأممية ومجلس الأمن ورعاة مؤتمر برلين لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في تورط الإمارات عسكرياً وقتل المدنيين في ليبيا.
وكشفت الخارجية، في بيان، عن توظيف الإمارات مواطنين سودانيين للعمل في شركات أمنية داخل البلاد، إلا أنهم ينقلون الموظفين لمواقع في ليبيا للمشاركة في الحرب على طرابلس إلى جانب قوات حفتر.
"الخليج أونلاين" تواصل مع باحثين للوقوف على تفاصيل وتداعيات القضايا المرفوعة ضد حفتر، ومنهم الدكتور عبد الله حديد عضو مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية للحديث حول تلك التطورات.
وقال "حديد" إن الإمارات ليست بصدد الدفاع عن حفتر أو عدمه، فهي تتعامل مع الرجل بسياسة خفية، وأنها ليس لها أي وجود فرعي على الأرض، وتستخدمه كوسيلة لتحقيق أهدافها في البلاد.
وأعرب عن استغرابه من سماح الأمم المتحدة -التي ترعى الحل السياسي في ليبيا- بفتح مجال التدخل الخارجي في ليبيا لتقويض عمليات السلام، عبر جلب الأسلحة والذخائر واستخدام الطيران الحربي، الذي دفع رؤساء الدول لفرض قائد عسكري يدمر البلاد، وهو ما يمثل خرقاً فاضحاً للأعراف الديمقراطية والخروج عن سياقها المعهود.
وتوقع عضو مركز ليبيا للدراسات، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن تراجع الإمارات سياستها نحو حفتر عقب هذه القضايا، وذلك "لأن دعمها مكلف جداً، واستمر عاماً كاملاً، لكن نتيجته لم تكن سوى حصد الأرواح وتدمير البنية التحتية وتفكيك النسيج الاجتماعي، وهي جميعها نتائج مباشرة للعدوان على طرابلس المدعوم بأموال وأسلحة إماراتية".
هل يكون حفتر فخ الإمارات؟
دعم الإمارات لحفتر ليس بالجديد، إذ قدمت له المعونة المالية والعسكرية في حربه على بنغازي عام 2014، ما سهّل من سيطرة اللواء المتقاعد على المدينة وقتل مئات المدنيين والثوار، والتنكيل بجثثهم، وجددت دعمها في الحرب على درنة عام 2018، حيث وثقت تقارير أممية استهداف الطيران المسير التابع للإمارات منازل المواطنين، ما تسبب في مقتل العشرات من النساء والأطفال.
يقول الباحث الليبي لـ"الخليج أونلاين"، لم يكن لدى حفتر منذ بروزه على الساحة السياسية أي مشروع بناء تنموي يمكن أن يضمن له الاستمرار، ولذا فهو ينتهج سياسة إيجاد العدو، بل صناعته إن لم يكن موجوداً، وهو ما حدث في بنغازي ودرنة من قبل، وها هو يكرر السيناريو في طرابلس، فهو يرى أن مكافحة الإرهاب "المزعوم" سبيله للوصول إلى هرم السلطة.
ووفق عضو مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية فإن السؤال الذي ينبغي النظر إليه بعمق هو: "ماذا لو سيطر حفتر على طرابلس وأصبحت مقدرات ليبيا ومواردها تحت يديه والحال أنه لا مشروع لديه يبرر استمراره؟".
واستكمل قائلاً: "حينها لا بد له أن يبحث عن عدو، فهو سيكون مكتفياً بموارد ليبيا عن الدعم الخارجي، عندها سيصنع عدواً خارجها ولن يكون سوى دول الجوار"، ولا يستبعد "حديد" أن تكون الدول الداعمة له على رأس قائمته، و"خصوصاً أن نهج حفتر وتفكيره لا يقبل الممالك والإمارات، فهل يمكن أن يكون حفتر هو فخ الإمارات؟".
وجهة نظر أكدها الخبير الاستراتيجي عبد الله الكبير، الذي يرى أن حفتر لا مشروع له سوى السيطرة على البلاد بالقوة، فهو يطمع في الاستحواذ على قطاع النفط، وكذلك العاصمة باعتبارها مركز الحكومة، حيث المصرف المركزي الذي يشكل المركز المالي للدولة، فضلاً عن المؤسسة الوطنية للنفط التي يقوم عليها 90% من اقتصاد البلاد.
ويرى الكبير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الإمارات تسعى لتنصيب قائد مليشيات الكرامة حاكماً عسكرياً، وأن "مثل حفتر الأعلى وقدوته في ذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تسعى الإمارات لصناعته في ليبيا"، موضحاً أنها تريد انتخابات يخوضها طرف واحد ويفوز بأغلبية ساحقة، ودولة يغيب فيها القانون، يقودها رجل بسياسة الحديد والنار.
وأكمل قائلاً: "حفتر لا مشروع له سوى خلق الدمار والفوضى، وإفقار خزينة الدولة".
ويضيف الكبير أن احتمالية سيطرة حفتر على العاصمة ضعيفة جداً، مشيراً إلى أنه حتى لو نجح في ذلك فإن الأمور لن تتم بسلاسة، خاصة في ظل وجود تشكيلات مسلحة عديدة، كما أن تحالفاته قد تتخلى عنه في لحظة، لأن الشعب الليبي يرفض حكم ديكتاتور جديد، وكان في إنهاء حكم القذافي خير دليل على ذلك.
الإمارات مستمرة في دعم حفتر
فيما يتعلق بالدعاوى القضائية المرفوعة ضد حفتر في واشنطن، يرى "الكبير" أن الرجل غير ملزم بحضورها، وقد يصدر حكم غيابي بحقه، والسيناريو المحتمل هو الحجز على بعض أملاكه هناك، وتعويض المتضررين بجزء منها، لكن هذه القضايا قد تؤثر معنوياً على الرجل؛ لكون أمريكا لا تمانع برفع دعاوى قضائية ضده قد تكون تداعياتها أخطر وربما تدينه مستقبلاً بارتكاب جرائم حرب.
ووفق الخبير الاستراتيجي فإن الإمارات "لا يهمها إذا رفعت عليها قضايا دولية، ولن تتوقف عن دعم رجلها في ليبيا، لأنها اخترقت سابقاً قرارات أممية صادرة من مجلس الأمن عبر استمرار تسليح حفتر، كذلك تحدت قرارات دولية، مثل مخرجات مؤتمر برلين، ولا يعتقد أن هذه الدعوى ستؤثر كثيراً على الدعم المقدم لقائد مليشيات الكرامة.
وكشف أن أهداف أبوظبي تتمثل في "تعطيل التحول الديمقراطي في ليبيا وعموم المنطقة العربية، هي تريد استنساخ التجربة المصرية في ليبيا وعموم المنطقة العربية، عبر ادعاء محاربة الإخوان الذين ليس لهم تأثير كبير في المشهد الليبي، وتدعم تأسيس نظام قمعي يسقط إرادة الشعب ورئيسه المنتخب ويأتي بديكتاتور ينكل بكل الرافضين لمشروعها في المنطقة، ويصبح أداة في يدها يفعل ما يملى عليه".
حفتر.. استثمار إماراتي في ليبيا
المحلل السياسي عصام الزبير يرى أن الإمارات تعتبر حفتر مشروعاً لا يمكن التوقف عن تمويله إلا إذا تحققت أهدافها، "فهي تواصل دعمه منذ العام 2014 بأطنان من السلاح، إضافةً لآلاف الجنود من جنسيات متعددة، في حربه على الشرق الليبي، ومن ثم لن تتخلى عن رجلها في ليبيا بسهولة، حتى وإن ثبت عليه قضايا فساد، فهو متهم بارتكاب جرائم حرب في بنغازي ودرنة سابقاً".
ويضيف الزبير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هناك مرتزقة من 6 دول ذكرها تقرير الأمم المتحدة، تستخدمها الإمارات في دعم حفتر، عبر نقل السلاح من أراضيها، مثل الأردن ومصر والسعودية وفرنسا، مؤكداً عدم وجود أي رد فعل على أرض الواقع تجاه ما جاء في التقرير، من ثم فالدعاوى القضائية لا تقدم ولا تؤخر إلا إذا ترجمت على أرض الواقع وفرضت عقوبات على المتورطين في ارتكابها.
وطالب المحلل السياسي حكومة فائز السراج الشرعية بالتحرك العاجل عبر تفعيل وزارة خارجيتها والضغط على المجتمع الدولي من أجل وضع حد للانتهاكات المرتكبة في طرابلس، والتعامل معها بقوة وحزم، خاصةً أن حفتر اليوم لا يملك حصانة، لكنه قد يتحصل عليها حال سيطرته على العاصمة، فالمجتمع الدولي لا يقبل إلا بالأطراف القوية، وفق قوله.
المجتمع الدولي مخادع
خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين" أكد الزبير أن المجتمع الدولي يخادع الشعب الليبي بالقول إن الحل السياسي والسلمي هو المخرج من الأزمة، "لكنه في المقابل يتغاضى عن دعم أطراف خارجية لحفتر بالمال والسلاح لاختلاق الحروب في البلاد".
فحفتر، وفق قوله، "يسعى لتعطيل كل الأجسام السياسية وتنصيب نفسه حاكماً عسكرياً بالقوة، عبر إلغاء إرادة الشعب وحل الأجسام السياسية المنتخبة، مثل مجلس النواب أو المجلس الرئاسي المكلف، أو حتى المجلس الأعلى للدولة، بعدها سيتمكن من السيطرة على البلاد وتصبح مرتعاً للفوضى وأداة لتنفيذ المؤامرات الخارجية".
وردّ المحلل السياسي على من يدعي أن الحل في ليبيا سياسي، بالقول إن حفتر لم يوقع على مخرجات مؤتمر برلين الذي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار، وهو يؤكد أن هناك مؤامرات دولية ودعماً قوياً لا يقتصر على الإمارات لحفتر، "ولو كان المجتمع الدولي معنياً بالحل سياسياً لانتهت الأزمة السورية منذ سنوات، لكن هناك أطماع تحول دول ذلك، وها هي مؤامرة جديدة تحاك ضد ليبيا"، وفق قوله.
ويضيف قائلاً: "الإمارات تمكنت من شراء ذمم الرأي العام الأمريكي والأوروبي من خلال شركات العلاقات العامة، وتطبيع العلاقات مع بعض الدول التي لها وزنها وتأثيرها في المنطقة ليتغاضوا عن الجرائم المرتكبة ويمنحوا حفتر الضوء الأخضر لخوض عمليات عسكرية واسعة، ومن ثم تنفيذ أهداف أبوظبي".
ويستند في ذلك إلى أن السراج فقد تأثيره على المستوى الدولي، فخلال مؤتمر حقوق الإنسان المنعقد في جنيف مؤخراً، عرض جرائم حفتر في طرابلس، واجتمع مع النائب العام وحدثه عن الاختراقات التي تسببت في موجة نزوح واسعة وقتل المدنيين، لكن الأمم المتحدة لم تصدر حتى بياناً بذلك، ومجلس الأمن لم يخرج بأي قرار فعلي على أرض الواقع.