الراية القطرية-
نصح فضيلة د. محمد حسن المريخي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤكداً أنه يجلب الأمن للمجتمعات والسعادة للأفراد، مستشهداً بقول الله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، ومشيراً إلى أن دول وأمم الكفر لا تعرف الأمان ولا الاستقرار مع ما تملك من قوة العتاد والبشرية، ومستوى الجريمة في تزايد مستمر لكفرهم (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ،
ونوه خطيب مسجد عثمان بن عفان إلى أن المعاصي والذنوب والمجاهرة بها هي أكبر الأسباب التي يغير الله تعالى بها نعمة الأمن والأمان، مستشهداً بعدد من آيات الذكر الحكيم كقول المولى عز وجل في محكم التنزيل (فأهلكناهم بذنوبهم) وقوله سبحانه (فأخذناهم بذنوبهم) وقوله (فأخذهم العذاب بما كانوا يكسبون).
وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس، بجامع عثمان بن عفان بالخور إلى أن ثمة أمراً عظيماً، وعملا صالحاً جليلا به يديم الله تعالى الأمن والأمان على العباد والبلدان، وتطيب الحياة وتكثر الخيرات والبركات هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمان الله تعالى من العذاب، به تستقر البلدان وتدوم النعم، وبه تدفع النقم وينعم العباد، لذلك أمر الله تعالى به على سبيل الإلزام أمراً صريحاً ولتتفرغ له طائفة من المؤمنين لهم صفات خاصة وتقوى ومعرفة، يقول الله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
خير أمة
وذكر خطيب مسجد عثمان بن عفان أنه بهذه الشعيرة التي نالت الأمة الإسلامية "الخيرية" فكانت خير أمة على وجه الدنيا كما شهد الله تعالى لها بذلك في كتابه العزيز حيث قال سبحانه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
وأوضح أن المولى عز وجل وصف المجتمع الإسلامي بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبهذا وغيره رحمهم الله تعالى وجعلها أمة مرحومة فقال سبحانه (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).
وقال إن الله توعد المنافقين بسبب تركهم لهذا الأمر الجليل الذي فيه السعادة والحياة والنجاة فقال سبحانه (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف - إلى قوله - هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم).
وأضاف: المولى سبحانه بين لنا في كتابه العزيز سبب اللعنة التي لعن بسببها بنو إسرائيل وهي لأنهم كانوا أمة لاتأمر بالمعروف فقال جل وعلا (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).
وزاد خطيب مسجد عثمان بالقول: لأهمية الموضوع وخطورته في نفس الوقت أمر الله تعالى به رأفة ورحمة بهم، لأن وراءه أسرار السعادة والرضا والنجاة من العذاب.
حثها عليه
وأضاف: لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة أهمية الأمر بالمعروف فحثها عليه حثاً شديداً وأمرها به مغلظاً عليها لتنجو وتفوز وتسلم من سخط الله وعقابه فقال في الحديث الشريف (كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنّ على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً "أي تلزمونه به إلزاماً" أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم - يعني بنو إسرائيل -) رواه أبو داوود والترمذي.
وقال د. المريخي: بهذا وأكثر منه يهدد رسول الله، ويبين خطورة ترك هذه الشعيرة وأنه لا بد منها لمن رام الأمان والاستقرار والعيش الهنيء، ولمن ابتغى النجاة من الغرق والطوفان الرباني، حيث قال صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً، فتدعون فلا يستجيب لكم) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وأشار إلى أن الله جل وعلا طرد أمة من رحمته لما قصرت أو تركت الأمر بالمعروف، مستشهداً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه ومعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) ثم قرأ رسول الله قول الله تعالى (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل).
من مهمات الولاة
وشدد الخطيب على أنه نظراً لأهمية الأمر بالمعروف فقد أمر الله تعالى به الولاة والحكام وجعله من مهماتهم (الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ).
وأضاف: بل إن المولى عز وجل جعله من مهمة المرسلين والنبيين فقال سبحانه: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ...)
ونوه إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أيضاً من شؤون العلماء وطلبة العلم، مشيراً إلى أنه لما قصر فيه أحبار اليهود والنصارى ووقع أتباعهم فيما لا يرضاه الله تعالى وجه الذم لعلمائهم لتقصيرهم فقال (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) حتى جعله الله تعالى من مهمات الآباء والأمهات يأمرون أبناءهم وبناتهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر وهذه نجدها متمثلة في نصح لقمان لابنه (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك)
ورغب د. المريخي في الأمر بالمعروف مؤكدا أنه أمر لا بد منه لمن رام النجاة في هذه الدار والدار الآخرة محذراً من المصير الذي يحدق بالأمم التي لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر وما تعانيه من تخبط وما ينزل بها من سخط الله وعذابه.
كالأكل والشرب
وأكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة كضرورة الأكل والشرب بل هو أكثر أهمية من ذلك، لأنه يعني الأمان والاستقرار والراحة للنفوس وهو حماية للممتلكات والأنفس، موضحاً أن الخائف لا يستطيع الأكل والشرب وإن كان الأكل بين يديه، لأن الأكل من الخوف ليس هنيئاً والنوم مع الخوف كدر وقلق.
ونبه إلى أنه إذا غابت شعيرة الأمر بالمعروف فإن الدنيا تتحول إلى دار يملأ الخوف أرجاءها.
وبين أن الذين رأوا الخوف وتكدر الأحوال والجوع ونقص الثمرات وذهاب النعم يدركون تماماً حاجة المجتمعات الإسلامية إلى شعيرة الأمر بالمعروف ويفهمون مقاصد الله ورسوله عندما يأتي الأمر بالإلزام على إقامة هذه الشعيرة وجعلها من مهمات الرسل والأنبياء والولاة والآباء.
وأشار إلى أن أصحاب البصائر يدركون أن ما أصاب كثيراً من بلاد المسلمين من جهل بالسنن والواجبات والوقوع في البدع والمحرمات وتأخرهم عن إقامة أكثر شعائر الدين إنما يرجع إلى غياب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخلو مناهج التربية والتعليم في تلك البلاد من ذكر شعائر الدين والهدي المستقيم وملئها بالبدع والخرافات والشعوذات التي يتصورها أهل الصوفية والطرق، والغلو في الصالحين والميتين.
تعطل هذه الشعيرة
وشدد على أن أكبر ضرر يحل بالمجتمعات هو أن تتعطل هذه الشعيرة المباركة، ويدك حصنها ويحطم سياجها ويترك الناس سدى، مشيراً إلى أنه بإقامة الأمر بالمعروف ترتفع رايات الدين ويعلو صوت الحق المبين وتموت البدعة وتعلو السنّة ويندحر أهل الباطل ودعاة الضلالة، ويظهر الحلال ويندحر الحرام ويأمن الناس في مجتمعاتهم .
وأكد أنه يجب أن نعلم أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجاً رسمه رسولنا الكريم ينبغي اتباعه، منبها إلى أن القضية حساسة وتحتاج إلى حنكة وخصوصية وعلم ومعرفة ووقوف على هدي السلف في الأمر بالمعروف في معالجة الأمور، لافتاً إلى أن الآمر بالمعروف في أمره بالمعروف إنما يحاول فصل شهوات ونزوات عن نفوس متمسكة بها وقلوب متعلقة بحبالها، ومدافعة عنها.
ونوه إلى أنه لا بد من البصيرة في الأمر والروية، وملازمة المنهج النبوي، وإلا لو ترك الباب لكل من هب ودب لضاعت المجتمعات وحذر من أن الاعتماد على الذات والتصرف الفردي يأتي بنتائج عكسية تضر بالقريب والبعيد، ودعا إلى تأمل حديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه.
درجات ثلاث
وبين د. المريخي أن تغيير المنكر درجات ثلاث لا يجوز للآمر أن يتحول من درجة إلى درجة إلا إذا كان لا يستطيعها، فإذا رأى منكراً ينظر في نفسه هل له طاقة على تغييره بيده مع الأخذ في الاعتبار بالنتائج المترتبة عليه بعد ذلك، مثل هل يزداد المنكر أو هل له ضرر على الأمر بالمعروف على نفسه وولده وأهله وماله. وقال إن كان الضرر موجوداً ويمكن أن يزداد المنكر فعليه ألا يقدم على التغيير بيده فليترك هذه الدرجة لأنه ليس من أهلها وليتحول إلى الثانية وهي التغيير باللسان مع أخذ المقاييس السابقة ثم إذا عجز فلا بد منه من الإنكار بقلبه.
ونبه إلى أنه لا يعذر مسلم من الإنكار بقلبه فمن لم ينكر بقلبه فهو كمن فعل المنكر لرضاه عنه والعياذ بالله، موضحا أن هذا معنى قوله (فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
وأوضح أنه غالباً ما تكون الدرجة الأولى للولاة والسلاطين الذين يملكون التغيير باليد والقوة والدرجة الثانية للعلماء والمصلحين الذين يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن، والثالثة لكل نفس مسلمة.
وفي ختام خطبته جدد د. المريخي دعوته للمصلين إلى التمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشيراً إلى أن المرض إذا كان موجوداً ووجد في مقابله الدواء والمداوي الطبيب كان الأمل كبيراً أن يزيل الله تعالى المرض على يد الطبيب المداوي، ولكن المصيبة إذا نزل البلاء وحل المرض وغاب الدواء والمداوي.