الراية القطرية-
أكد فضيلة الشيخ عبد الله النعمة أن القلب أشرف أعضاء الإنسان جعله الله وعاءً للخير والإرشاد، ذاكراً لله عاملاً له، ساعياً إليه، قائداً للجوارح والأركان، أو وعاء للشر والفساد، غافلاً عن الله، عاملاً للشيطان، ساعياً إليه، ولذا كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". وذكر، في خطبة صلاة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب أن للقلوب حياة كحياة الجسد بل أعظم منها وأجمل ولها أمراض كأمراض الجسد بل أعتى منها وأقسى وعلى قدر حياة القلب تكون حياة الجسد والروح وتصلح الأعمال وتنال الدرجات وتغفر الخطيئات، وبقدر فساد القلب تفسد الروح وترد الأعمال وتكثر السيئات.
السماوات والأرض
وأورد في الخطبة ما رواه مُسلم عن حُذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا ، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ"
ولفت الخطيب إلى أن أخطر أمراض القلوب وأعتاها على ابن آدم مرض القسوة الذي يؤدي إلى الأخلاق القبيحة والأدواء السيئة من الغلطة والفظاظة وعدم الإحساس بآهات المسلمين والآم الضعفاء والمساكين.. قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أربع من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب وطول الأمل، والحرص على الدنيا".
مناقضة صريحة
وذكر أن القسوة مناقضة صريحة للرحمة واللين والعطف والشفقة وتتفاوت فيها القلوب والنفوس فمن الناس من صار قلبه أقسى من الحجر، لا يحنّ لمستصرخ، ولا يعطف على متألم، ولا يلين لمتوجّع انعدمت في نفسه عاطفة الإحساس بآلام الآخرين وحاجاتهم.. قال مالك بن دينار -رحمه الله-: "مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بعُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ، ومَا غَضِبَ اللهُ عَلَى قَوْمٍ إِلاَّ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ مِن قُلُوبِهم). وقال إنها الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب عباده المؤمنين، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي).
أهل الكتاب
وأشار إلى أن الله ذم الذين قست قلوبهم من أهل الكتاب، وحذّر المؤمنين أن يطول عليهم الأمد في المعاصي والغفلة عن ذكر الله تعالى، فتقسو قلوبهم "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قلوبُهم وكثيرٌ مِنهم فاسِقون".. قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه...) إلا أربع سنين".
وقال: إن السنن الإلهية الكونية التي تجري في قلوب العباد أن من استغرق في المعاصي والآثام ونقض مواثيقه مع الله، طرده من صفوف أهل التقوى، وأبعده عن مهابط رحمته سبحانه وتعالى، حتى يقسو قلبه، ويعلوه الران والظلمة. وقال إن أية أمة يطول عليها العهد وهي تتقلب في بحبوحة النعم على فسق ومعصية ونسيان لربها وابتعاد عن دينها، لا تلبث أن تعتريها أمراض النفوس، وأدواء القلوب، فتقسو قلوبها فلا تخشع لذكر الله وما نزل من الحق.
اللين والرحمة
وذكر أن عكس القسوة اللين والرحمة بالعباد وسهولة الانقياد والتلطّف مع الناس معاملة وتحدثاً ورفقاً بهم والتماساً للعذر لهم والبُعد عن تعنيفهم والغلظة عليهم. "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ".
وقال النعمة: إن اللين من صفات القلوب المؤمنة البرّة الرحيمة، يُورث الدرجات العلا ويحط الخطايا ويُوجب الجنة. روى أحمد والترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ".. مشيراً إلى أن ذلك يعد دليلاً على كمال الإيمان وقوة الإسلام، يعطف قلوب الناس ويجمعهم حول من يلين لهم جانبه، وهو أدعى للإجابة والقبول والسماحة والمودة وتلك كلها خلال عظيمة، تستدعي رحمة الله تعالى فإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
أعظم الذكر
وقال: إن قوة القلب إنما تلين بالإيمان بالله تعالى، فبذكر الله ترق الأفئدة ومن أعظم الذكر قراءة القرآن، "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِن الْقُلُوب".. وكذلك ترق بالعمل الصالح.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ".
وذكر خطيب جامع الإمام أن رحمة الإسلام تسامت حتى شملت البهائم والدواب في غابها، والطير في وكرها أفيكون الإنسان أبعد شيء عنها، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كنا مع رسول الله في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخين، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا".