الراية القطرية-
أكد فضيلة الشيخ عبدالله البكري أن من محاسن الإسلام أنه يدعو للألفة والمحبة بين أتباعه، مستشهداً بقوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وقوله سبحانه: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس إلى أن الشريعة الإسلامية فتحت أبواب التآلف والتراحم والتواصل، وأغلقت كل منافذ الخصومة والتنازع والتشاحن، كما أمرت بإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والحب في الله تعالى، والزيارة فيه، وإجابة الدعوة وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وحفظ حقوق الأهل والقرابة والجيران، وكل ما من شأنه تآلف المسلمين وتراحمهم، وجعلت للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً يحفظها له، فيؤجر عليها.
تحريم الهمز
وقال إنه في المقابل فإن الشريعة أيضاً حرمت الهمزَ واللمز والسخرية، والغيبة والنميمة، والقذف والبهتان، والشتم والسباب، والكذب والمراء، والفجور والجدال، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنها أن تسبب الضغائن والخصومات، وتؤجّج نيران الأحقاد والعداوات.
ونوّه إلى أنه لأجل ائتلاف قلوب المسلمين واجتماعهم، فقد رتبت الشريعة أجوراً عظيمة على حضور الجمع والجماعات وعلى الحلم وكظم الغيظ والعفو عن الناس، مضيفاً إنه نظراً لأن النفوس قد تضعف فيقع منها ما يدعو للتقاطع والتنازع، فقد شرع الله جل وعلا إصلاح ذات البين، وأمر به، ورتب أعظم الأجور على هذه المهمة النبيلة، وجعل الإصلاح بين الناس قريناً للتقوى، فقال تعالى-: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) وقال تعالى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، وقال تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
وبيّن الخطيب أن الصلح بين المتخاصمين أفضل من نوافل العبادات؛ لما فيه من صلة الأرحام وعودة الوئام بين أهل الإسلام، مدللاً على ذلك بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى، قال: "إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة" رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
وذكر الشيخ البكري أن الصلح بين الناس صدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة" رواه الشيخان. "ومعنى تعدل بين اثنين أي تصلح بينهما بالعدل". وقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).
إشعال الفتنة
وأوضح أنه قد يحتاج المصلح أن يخبر بخلاف الواقع تأليفاً للقلوب وتقريباً للخصوم بعضهم من بعضهم، مشيراً إلى أن ذلك لا يعدّ في الشريعة كذباً مذموماً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فَيَنْمِي خيراً أو يقول خيراً" متفق عليه.
وأكد أن الصدق الذي يُشعل نار الفتنة بين المتخاصمين داخل في النميمة المذمومة عرفاً وشرعاً، مضيفاً إن المتصدي لأمر الإصلاح قد يحتاج للمال لدفع دية أو تحمل غُرم عن أحد الخصمين فأباحت له الشريعة الأخذ من مال الزكاة ولو كان غنياً، لأن غرمه لمصلحة المسلمين لا لنفسه.
الخطبة الثانية
وأشار فضيلة الشيخ عبدالله البكري في الخطبة الثانية إلى أنه لما كان الإصلاح بين الناس من أجلّ القربات وأعظم الطاعات، فقد كان لا بد للمصلح من الإخلاص لله في ذلك بألا يبتغي بإصلاحه جاهاً ولا محاباة ولا مصلحة تعود عليه، لذا قال الله تعالى في الإصلاح بين الناس: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
وذكر فضيلته شروط المصلح، فأشار إلى أن أبرزها أن يكون مخلصاً لله في إصلاحه، وأن يسأل الله العون والسداد فإن القلوب بيده - عز وجل - يقلبها كيف يشاء، وهو يقربها ويباعدها، ولا حول ولا قوة للمصلح في صلحه إلا بالله تعالى. وعلى الساعي بالإصلاح أن يتحرّى العدل في صلحه؛ فلا يميل لأحد الخصمين لقوته ونفوذه، أو لإلحاحه وعناده، فيظلم الآخر، فهذا مما لا يحبه الله، كما قال سبحانه: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ).
أهل العلم
وبيّن أنه إذا لم يكن المصلح من أهل العلم فعليه الرجوع إلى أهل العلم في المسائل التي تحتاج لبيان وجهها الشرعي، وينبغي له أن يختار الوقت والمكان المناسبين للصلح، وأن يختار من الكلام أحسنه، ويرقق قلوب الخصمين، ويبين لهما حقارة الدنيا وما فيها وأنها لا تستحق أن يتعادى الإخوان من أجلها، ولا أن تقطع أواصر القرابة بسببها.
ولفت إلى أن من الشروط أيضاً أن يذكرهما بالموت وما بعده من الحساب، ويعظهما بنصوص الكتاب والسنة لانهما أعظم زاجر للمؤمن.
كما أن عليه أن يذكرهما بأن أعمالهما الصالحة موقوفة عن العرض على الله تعالى، وأنه سبحانه يُنْظرُهما إلى أن يصطلحا.