الراية القطرية-
قال فضيلة الشيخ عبد الله البكري إن الله عز وجل كرّم بني آدم بخصال ميزه بها عن غيره من المخلوقات، من أعظمها أنه كرمه بالعقل، ليميز بين الخير والشر، والإيمان والكفر، والنافع والضار، وبالعقل يتدبرالعاقل أموره، وبه ترتقي الأمم وتتقدم الحياة، وتنتظم أمور الخلق.
وقال في خطبة الجمعة بجامع الشيخ حمد بن خالد إن العقل جوهرة ثمينة، جاءت الشريعة بصيانتها اعترافا بفضلها، وحفظاً لها فبالعقل يشرف العقلاء، وبه يتفكرون فيما ينفعهم ويتدبرون آيات الله ويتأملون في ملكوته، كما قال تعالى (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وقال تعالى: (فَاتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الألْبَـابِ)، وقال ـ تعالى ـ:(إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لأوْلِى النُّهَى) وقال تعالى: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لّذِي حِجْرٍ) .
عالة على المجتمع
ومتى أذهب الإنسان عقله، فقد أزرى بنفسه، وحط من قدرها وعندها يعظم شره ويقل خيره، ويصبح عالة على مجتمعه وهمّاً على ذويه.
ومع هذه المكانة للعقل، فهناك من يضع عقله تحت قدميه، في كأس خمر، أو جرعة مخدر، أو استنشاق مسكر، اتباعاً لشهوته وعبثا بعقله وبدنه، فيفقد صوابه، وينسى ربه، فتُظلم نفسه، وينزل قدره ويصدر عنه كل فعل قبيح وقول بذيء. وكم من شارب خمر أو متعاط لمخدر أضاع نفسه وهام على وجهه، وقتل إرادته، ومزق حياءه وشرفه بيده، وأزرى بنفسه وصار عارًا على أهله.
وقال: إن الإسلام جاء والعرب في حالة مزرية من الشرك والفجور، وكان من مظاهر الجاهلية ومفاخرها مجالس الخمر، فأنشدوا في ذلك الأشعار وتغنوا بالخمرة وتفاخروا بها، إمعانا في الجهل والسخف، فماذا فعل السكر بأهل الجاهلية؟ هل جعل لهم قدرا بين الأمم، أم هل بنوا به حضارة تؤثر؛ كلا بل كانوا عالة على موائد الأكاسرة والأباطرة، إليهم يفزعون وبهم يستنصرون، بل كانوا في سكرهم هملا رعاعا لا قيمة لهم بين أهل الأرض، كحال سكارى عصرنا، فيأتي رسول الله معلنا تخليص العرب من مظاهر الجاهلية بعد أن طهرها من مظاهرالشرك، فقال: " ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع" أخرجه مسلم.
حادثة الإسراء
وأشار الخطيب إلى حادثة الإسراء، يقول صلى الله عليه وسلم: "وأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن، فشربت، فقيل لي: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك" وفي بعض روايات ابن جرير ـ رحمه الله ـ أن جبريل قال: " أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل" وفيه تنبيه إلى أن شارب الخمر غير جدير بالريادة، فمن رضي أن يغيب عنه عقله فقد أزرى بنفسه، وأنقص قيمتها، فكيف يفلح قوم استفحل السكْر والخمر في ديارهم؟
كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" رواه البخاري ومسلم.
مفاخر الجاهلية
وقال: إن الخمر التي كانت من مفاخر الجاهلية وتقاليدهم المألوفة، جاء الإسلام بتحريمها، وخلص الجماعة المسلمة من رواسبها، بعد أن رسخ دعائم التوحيد والعقيدة في نفوسهم، وطهر هذه الأمة من رجس الخمر ودنسها، فلما نزل تحريم الخمر أذعنت له القلوب المؤمنة استجابة لأمر الله، وتسليماً لحكمه، ومحبة لدينه، وتعظيما لنبيه. ورذيلة المخدرات والمسكرات آفة خبيثة، عم بلاؤها في زماننا، فابتلي كثيرون بحمى المسكرات والمخدرات التي يراد بها تخدير الأمة، وإهدار طاقاتها، وشل جهودها، وتغييب عقول أبنائها.
وتابع : وقع البعض في براثن المخدرات والمسكرات؛ وصور لهم الإعلام الماكر أن الحياة لا تطيب إلا بسيجارة وكأس وأنهما الملجأ والمفزع عند الهموم والأحزان ؛ وروجوا لذلك في الأفلام والروايات، وغنى بها المغنون، ورسخت في كثير من العقول التي لم تستنر بنور القرآن، إمعانا في تغييب الأمة عن دينها وقرآنها. حتى وصل البلاء إلى الفتية الصغار فدلهم الأشرار على أنواع من مفسدات العقل والبدن من الأدوات التي يسهل الحصول عليها، مما يسمى بمخدرات الفقراء، من رخص ثمنها وسهولة الحصول عليها وهي عظيمة الفتك بتلك العقول الطرية التي تاهت عن طريق الهدى، وأسلمت زمامها لشياطين الإنس والجن.
الغفلة عن الصغار
وأضاف: الحذر الحذر معاشر الأمهات والآباء فإن أعظم النار من مستصغر الشرر، والغفلة عن الصغار من الأبناء والبنات طريق الضياع والدمار، وإهمال تربيتهم على الدين والخوف من الله جل وعلا و الإمعان في الاستجابة لجميع رغباتهم وطول غيابهم عن بيوتهم ربما كان فيه هلاكهم.
وقال: إن مما يدمي قلب المؤمن الغيور على أمته، أن آلافا من شباب أمتنا، غرقوا في مستنقع المسكرات والمخدرات، يهلكون أنفسهم بتلك السموم الفتاكة، التي تفتك بالعقل والبدن، فأخذوا يزهقون أرواحهم، ويحفرون قبورهم بأيديهم حتى صاروا أشباحا بلا أرواح، وأجساما بلا عقول. وقد اتفق عقلاء العصر من جميع الملل على خطورة هذه الآفات، وذكروا أن فيها أكثر من مائة وعشرين مضرة، دينية ودنيوية .
خطر المخدرات
وأضاف: لقد أدرك أئمتنا خطر المخدرات منذ مئات السنين، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يقول : "إن الحشيشة حرام، يحد متناولها كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر، من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة، وغير ذلك من الفساد، وأنها تصد عن ذكر الله" وإذا اضطرب العقل واختل فأي خير يرتجى من صاحبه، فمن غيب عقله انحط إلى الحضيض، وأتى بكل قبيح، ذكر القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره، أن أحد السكارى جعل يبول، ويأخذ بوله بيديه ليغسل به وجهه وهو يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. هكذا ينحط الإنسان حين يعرض عن هدي الله ونوره ولو رأى السكران أو مدمن المخدرات حاله عند غياب وعيه لاحتقرنفسه . وقال الضحاك بن مزاحم ـ رحمه الله ـ لرجل: ما تصنع بالخمر؟ قال: يهضم طعامي. قال: أما إنه يهضم من دينك وعقلك أكثر. وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: لو كان العقل يشترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده!