الراية القطرية-
أكد فضيلة الشيخ عبد الله النعمة أن الله تبارك وتعالى خلق الخلق وقدّر أرزاقهم وفاضل بينهم في الشرف والجاه والعلم والعبادة والحب والكراهية والقدرة والضعف، حيث قال سبحانه في محكم كتابه: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). وقال، في خطبة صلاة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، إن الشريعة الغرّاء حثت على الإحسان للناس وقضاء حوائجهم والسعي في تفريج كرباتهم وبذل الشفاعة الحسنة لهم تحقيقاً لدوام العشرة والمودة وبقاء الألفة والأخوة والمحبة ونبذ الحسد والكراهية.. جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة".
مصارع السوء
كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"، وعن ابن أبي الدنيا في الحديث الحسن أن صلى الله عليه وسلم قال "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أوتقضي عنه ديناً، أوتطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً).. وعند ابن ماجة بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله "وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرّب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر".
وقال الشيخ عبد الله النعمة: إن خدمة الناس وقضاء حوائجهم والسعي معهم في أمورهم دليل على طيب المنبت وصفاء القلب وتواضع للنفس وحسن السريرة، وصاحبه موعود بالإعانة والتيسير، مؤيد بالسداد والتوفيق والبركة في الوقت والمال والأهل والعمل فإنما يرحم الله من عباده الرحماء.. مشيراً إلى أنه ثبت عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء.
صنائع المعروف
وذكر خطيب الجمعة أن صنائع المعروف وقضاء حوائج الناس ونفعهم من أعظم الركائز وأكرم الأخلاق التي عاش عليها الأنبياء والصالحون، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة فلقد ضرب أروع الأمثلة وأعلى النماذج في صناعة المعروف وقضاء حوائج الناس حتى قالت عنه خديجة رضي الله عنها: والله لا يخزيك الله أبداً.. إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث تحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. ويقول جابر رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه ما سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا . وعلى هذا الهدي القويم سار الصالحون من سلف هذه الأمة فعن فيض ابن إسحاق قال: كنت عند الفضيل ابن عياض إذا جاء رجل فسأله حاجة وألح عليه في السؤال فقلت له لا تؤذ الشيخ يرحمك الله فقال لي الفضيل اسكت يا فيض ألم تعلم أن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم. يقول ابن القيم كان شيخ الإسلام ابن تيمية يسعى سعياً شديداً لقضاء حوائج الناس. قال تعالى: "لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما".
وأكد الخطيب أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده خيراً جعل قضاء حوائج الناس على يديه، مضيفاً أن من كثرت نعم الله سبحانه وتعالى عليه كثر تعلق الناس به. وقال: إن العبد إذا قام بما يجب عليه لله تعالى في هذه النعم، فقد شكرها وحافظ عليها، وإن قصّر وملّ وتبرّم عرضها للزوال ثم انصرفت وجوه الناس عنه.. مستشهداً بما ثبت عند الطبراني وابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله قوماً يختصهم بالنعم لمنافع عباده يقرّها سبحانه وتعالى فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوّلها إلى غيرهم)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة وأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه، فتبرم، إلا عرّض تلك النعمة للزوال). يقول سبحانه: "وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".
الشفاعة الحسنة
وأشار إلى أن بعض الناس لا يرفع أحداً من خلق الله بشيء ولو كان مستطيعاً له ومنهم من يتبرّمون من قضاء حوائج الناس ونفعهم والشفاعة الحسنة لهم، ونبّه إلى أن هذه ليست بخصال المؤمن الذي يرجو الله وفضله ويرجو الدار الآخرة. وحث فضيلته كل من جعل الله حوائج الناس إليه أن يبذل المعروف لهم صدقةً وإحساناً ومساعدة وشفاعة، موضحاً أن سلف هذه الأمه كانوا رحمهم الله يفرحون بقضاء حوائج الناس أي ما فرح.
ونوه بأن المعروف لا يتم إلا بثلاث خصال بتعجيله وتصغيره وستره، وأضاف: ليكن المعروف إلى الناس والإحسان إليهم لمن وفقه الله سبحانه وأعانه عليه أن يكون بنية صالحه ووجه طلق ومظهر بشوش وحرص على كتمان المعروف والبعد عن المن والأذى مراعاةً للإخلاص وطلباً للأجر وحفاظاً لكرامة أخيه المسلم.
وشدّد على أن الشفاعة لا تجوز في أمر محرّم ولا في اقتطاع حق امرئٍ مسلم ولا في إلحاق الضرر بأحد ولا في تقديم أحد على أحد مؤكداً أن كل ذلك من المفاسد المنافية للعدل والمصالح الشرعية.. وأوضح أن الشفاعة في الحدود من أعظم المنكرات حيث صح عند أحمد والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله عز وجل في أمره).
ونصح صاحب الحاجة أن لا يطلب من الحاجات إلا ما يُستطاع، وألا يطلبها إلا من أهلها القادرين عليها وفي وقتها المناسب لها، ثم إذا قضت حاجته أو صُنع إليه معروفاً فعليه أن يشكر له فضله ويحمد لأخيه المسلم صنيعته.. لافتاً إلى أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ).